لو قُيض للكاتب الفرنسي(إيناس رامونه ) والذي شغل إدارة جريدة اللوموموند دبلوماتيك..
المعروفة وصاحب كتاب ( الصورة وطغيان الاتصال)- والذي كتبت عنه في مقال سابق.. – أن يقيد نشر كتابه الصادر عام 1999 اليوم مرة أخرى .. لاعتبر أن الإعلام وبدون أدنى تردد أصبح يُشغل وبدون منازع المرتبة الأولى في السيطرة والهيمنة على العقول..
بعد أن كان يُمثل السلطة الرابعة فيما مضى والذي تحول في التسعينات إلى السلطة الثانية بعد الاقتصاد.. جراء التطور التقني الهائل لوسائل الاتصال التي يُهيمن عليها الرأسمال الإمبريالي والصهيوني.. أنا متأكد بأن (رامونة) سيعتبر اليوم الإعلام ووسائل الاتصال هي السلطة رقم واحد..وبلا منافس..!!
وما يؤكد كلامنا، هذه الحملة الهائلة والمركزة والموجهة تحديداً نحو سوريا وبشكل لم يسبق له مثيل حيث تم زج مؤسسات إعلامية كبرى في هذه الحملة التحريفية ( الجزيرة وتفرعاتها+ العربية + البي.بي سي+ فرانس 24 وفضائيات مأجورة يمتلكها سوريون ( بردى + أورينت ) أضف إليها فضائيات عفنة ذات منطق طائفي قذر ممولة خليجياً تمهد لاقتتال طائفي في سوريا( صفا+ الوصال) ففي الوقت الذي تطالب فيه هاتان الفضائيتان بالحريات للشعب السوري وتحديداً لإحدى طوائفه تُبارك فيه القمع في البحرين.. وتصمت صمت العاهرات عن الحريات المحرّمة*؟ في أبسط أشكالها عن فقراء و مهمشي المملكة السعودية، ويرافق هذه الحملة فضائيات مساعدة مثل ( المستقبل والـmtv) وأشباههما وجملة من الصحف ومواقع الأنترنت وغيرها..
لقد استطاعت هذه الوسائط أن تترك أثرها الواضح عند قسم من الشارع السوري بسبب ضعف وبيروقراطية وتأخر الإعلام السوري والذي فقد جاذبيته ومصداقيته وعدم مرونته.. ولعدم عكسه لهموم وقضايا الناس واقتصاره على التمجيد السلطوي والأخبار المبسترة، ولإقصائه القوى السياسية الوطنية عن هذه الوسائل وخاصة التلفزيون بفترات طويلة. لكن يمكن اليوم للإعلام السوري أن يلعب دوره الحقيقي من خلال قول الحقيقة ومعرفة كيف يمكن أن يقولها ( خصوصاً مع الأخطاء التي يقع فيها الإعلام الصهيوني والامبريالي الناطق بالعربية والتي أصبحت أكثر من أن تحصى). من خلال كشف هذه الأخطاء والفبركات والأكاذيب وتوضيح الأساليب التي تعتمدها هذه الوسائل. وكل ذلك مترافقاً مع الحقيقة بالطبع..!!
فبالتأكيد هذه المحطات ليست مهنية كما يقال وقنوات الرأي والرأي الآخر كما يُشاع فهي في جوهرها أكثر سوءاً من الإعلام الحكومي المحنط.. لكنها تمتاز بمرونتها وإمكاناتها الكبيرة التقنية والمادية .. وإتقانها اللعبة الإعلامية فهذه الوسائط تنشر الكثير من الأكاذيب والتلفيقات المخلوطة بالحقائق وتقصي بطريقة أو بأخرى الآراء التي يمكن أن تشوش على خطة عملها وسياستها المطلوب منها تنفيذها.. ففي وقت يتم التركيز فيه على مناطق معينة (سوريا) يتم تجاهل مناطق أخرى والتعتيم عليها ( البحرين، السعودية) وفي حين يتم إبراز شخصيات لا قيمة لها.. يتم تلميعها وإلصاق الألقاب بها.. والتطبيل والتزمير لها، في حين يتم إقصاء الشخصيات التي يمكن أن ترد بشكل موضوعي وتُستبدل غالباً بأشخاص ضعفاء أو أشخاص يمكن استفزازهم بحيث تكون إجاباتهم ليست في مصلحة ما يريدون أن يدافعوا عنه.... وإن جاءت أإجابات البعض فيما لا يرضي المؤسسة –خاصة وإن كانت تسجيلاً يتم حذف الإجابة أو الإلغاء.
كما جرى مع الدكتور (علي حيدر)- على سبيل المثال- رئيس الحزب القومي الاجتماعي (خارج الجبهة) حيث أجرت معه فرانس 24 لقاءً لمدة نصف ساعة، امتنعت محطة (عدالة- حرية – مساواة) عن بثه لأن رأيه لم يتوافق مع رأي القناة ولأنه رفض أن يلبس ثوب المعارضة الذي أرادت المذيعة أن تلبسه إياه..!!
ويمكن أن نفهم ( رغم أننا لسنا مع ذلك) للتلفزيون الحكومي أن يخفي أو أن يتجاهل أو يقتطع بعض الأحداث فهو في النهاية يصرح أنه طرف وأنه لسان حال السلطة.. ولكن ما حال..وما بال من زعم ومن ادعى من هذه المؤسسات الامبريالية.. الديمقراطية .. والرأي والرأي الآخر ومن أنه مستقل..!! ومهني ومن هذه الخرافات..!!؟ لكن أن تفعل هذه المؤسسات ما تفعله مؤسسة النظام الإعلامية.. فهذا يكشف عن دورها السياسي الخدمي ويثبت أنها طرف فيما ينسج في الظلام فمن يتتبع( شرط أن يفكر نقدياً) تقارير الجزيرة أو أية محطة من هذه المحطات لن يشك للحظة واحدة بذلك.. فهذه المحطات تخفي، وتقتطع وتلغي جوانب من الحقيقة.. فهي بلا شك من الناحية الأخلاقية أكثر انحطاطاً وسفالة من غيرها.. طالما تدعي الحيادية والطهرانية.. إنها العاهرة التي تلبسُ ثوب العفة..!
فكم وكم من الأخبار التي كُشف الغطاء عنها وتبين فبركتها، وكم وكم من الشهود الزور الذين تبين كذبهم فيما بعد؟! في بداية الأحداث التي جرت في درعا.. كنت أسمع شاهد عيان.. يقول: إنني قرب الجامع العمري.. في الظلام إنني أسير على الجثث.. هناك أكثر من خمسمائة قتيل..! هذا كان في بداية الأحداث..( ونحن هنا لا نستهين بقتل نملة.. أو زهرة فما بالكم في قتل البشر..! ولكن فقط نشير إلى التهويل الذي يهدف إلى تهييج الناس..) وغير ذلك الكثير الذي فضحت بعده وسائل الإعلام السوري.. ولكن ما معنى أن تستقيل شخصيات إعلامية من هذه الوسائل لها سمعتها الوطنية والمهنية الطيبة.. وما معنى أن تتقدم وكالة كوكالة رويترز باعتذار إلى قنال فرنسية لأنها زودتها بصور مزورة عن الأحداث في سوريا..!! ومن ثم لتعتذر هذه الوكالة إلى سوريا بالذات.
****
أخبرني أحد الأصدقاء أن شباب ما يسمى بالثوار في بلدتي قد أعدوا على الانترنت قوائم شرف.. وقوائم عار.. ولكن للأسف لم تتح الفرصة لي شرف الاطلاع على هذه القوائم.. ولا على مَن مِن هؤلاء( الكهنة بشوارب طويلة) الذين قسموا الناس إلى أهل الجنة وأهل النار.. ولا على الموازين التي كالوا فيها أحكامهم الثورجية الرائعة .. ولكن نرجوهم أن يضيفوا لها فقط من يخالفهم الموقف والرأي.. فهم ديمقراطيون بلا شك.. بل أن يزيدوا عليها أسماء اللصوص والمرتشين ممن يعملون في بعض المؤسسات.. ويقودون ويمارسون معهم العمل الثوري البار فالفساد هو الفساد سواء أكان اللص سلطوياً أم كان اللص ثورجياً ..لان الفساد خيانة وطنية وبامتياز أليس كذلك؟!ونقترح أن يضيفوا أسماء أولئك الذين فرحوا وعولوا على الاحتلال الأمريكي للعراق بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان..! والذي أهرق دماء ما يزيد عن المليون إنسان( أم هؤلاء ليسو بشراً يا بشر؟!) والذين صرحوا في حرب تموز أنهم يودون لو يتطوعوا بالجيش الإسرائيلي لمحاربة هذا الأصولي حسن نصر الله..!؟
أو أولئك الذين هددوا بالاستنجاد بالسفير الأمريكي يوم اجتماع جماعة إعلان دمشق في بلدتي..!!أم ان أمريكا الامبريالية صارت أم هذه الثورات هؤلاء الثوار.. ! يا عيب شوم.. بالطبع فنحن لا نشك أنه في الجانب الآخر هناك معارضة وطنية بين هؤلاء الشباب هم ضد أمريكا و إسرائيل حتى آخر نفس.. ولهم أيد نظيفة لم تطالها يد الفساد.. نختلف معهم بالرأي.. هذا صحيح.. يمكن لنا أن نحاورهم.. ويمكن لنا في كثير من الحالات أن نرفع القبعة لهم.. طالما ظلوا يستظلون شجرة الوطن.. ويواجهون رياح الامبريالية.. المسمومة.
نضال الماغوط