الإعلام والإعلام المضاد في الثورات العربية أطل علينا منذ أن بدأت رياح التغيير تعصف في تونس ومصر فقد بدأ الإعلام العربي المضاد يظهر للوجود منذ اللحظات الأولى لانطلاقة الثورة معرباً تضامنه مع الثوار وكأن هذا الإعلام كان مهيئاً في الأصل لشن الهجوم العنيف ضد الإعلام الرسمي للدول العربية .
ومن يعمل في المجال الإعلامي يعرف أن الإعلام المضاد عادة ما يستخدم في حروب تقودها دولتان ضد بعضهما البعض في محاولة كل منهما التأثير في الطرف الآخر من أجل إحباط عزيمته ، أما أن يقف الإعلام العربي المضاد وبشكل علني ضد سياسات الحكومات العربية التي تشهد بلادها التغيير فهذا كان مفاجأة للجميع .
إننا نشعر بالإحباط وبخيبة الأمل عندما نقراً ما تحمله المواقع الالكترونية المختلفة من أخبار مؤلمة ، ونشاهد ونسمع ما تبثه القنوات الفضائية مما يجري من أحداث مؤسفة في أرجاء الوطن العربي . ومن يقرأ الأخبار يدرك تماماً أنها لا تحمل في طياتها سوى أخبار القتل والدمار والفوضى ، أخبار تركز على الثورات العربية المحتدمة التي تتأجج هنا وهناك وتزداد قوة يوماً بعد يوم في عدد من الدول العربية . وبقراءة العناوين من هذه المواقع الإعلامية فقط يمكنكم أن تدركوا خطورة ما يجري على أرض الواقع وما يمكن أن يحمله لنا الغد من نتائج كارثية تهدد مستقبل الوطن العربي وخاصة في ظل الثورات التي تتسم غالبيتها بالعنف واللجوء إلى القوة لإحداث التغيير.
نحـن نقرأ ونسمع ونشاهد سقوط المزيد من القتلى والجرحى بين الأطراف المتنازعة في هذا البلد أو ذاك ، نشاهد مقدار الدمار الذي أصاب البنية التحتية لمقدرات الوطن العربي الذي تعصف به رياح التغيير . هذه الرياح التي بدأت الصحافة تمنحها الصدارة في نشرات أخبارها لأنها الحدث الأبرز فيما يشـهده العالم من متغيرات ، وسواء أكان ما يجري في هذه الدولة أو تلك مخططاً له منذ فترة ، أو كان نتيجة ما شهدته المنطقة من ثورات ، فإن المواطن العربي بالنتيجة هو الذي يتحمل تبعات ما يجري على أرض الواقع وهو نفسه سيدفع الثمن باهظاً من الخراب والدمار الذي سيصيب وطنه .
وهنا يلعب الإعلام غير المحايد دوراً هاماً في تأجيج المواقف وفي تشجيع هذا الجانب ضد الطرف الآخر . إن الإعلام الذي يكون متماشياً مع سياسة الدولة يطلق عليه اسم الإعلام الرسمي ، أما الإعلام الآخر فهو ما يعرف في عالم الصحافة بالإعلام المضاد وغالباً ما تكون أخباره بعيدة كل البعد عن الأخبار التي يبثها إعلام الدولة ومن هنا نجد التناقض كبيراً بينهما ، فالإعلام الحكومي يتحدث بلغة والإعلام المضاد يتحدث بلغة مختلفة ، وكل منهما يحاول أن يجذب إليه الشريحة الأكبر من الجمهور في محاولة التأثير عليه نفسياً وعقلياً ، وهنا تكمن الخطورة بأبرز صورها من خلال قدرة الإعلام الحكومي أو الإعلام المضاد سواءً أكان على حق أو لا في التأثير الكبير في سلوك الأفراد والجماعات وقيادتهم وتحريضهم على التمرد واللجوء إلى القوة لتحقيق ما يريدون أو ما يحلمون به من تغييرات .
ونحن بالتأكيد مع المطالب العادلة لجميع الشعوب العربية ، هذه المطالب التي يجب أن تتسم بالتظاهرات السلمية في انطلاقتها وتوجهاتها ودعواتها ، هذه المطالب التي تنادي بالديمقراطية والإصلاح ومحاسبة الفاسدين ومعاقبة من تسبب بأذية الآخرين سواء أكان من النظام أو المعارضة ، سيما وأننا بدأنا نشهد في هذه الدول سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين قتيل وجريح ، وأعود للقول إن سقوط أي ضحية من هذا الجانب أو ذاك هو خسارة للوطن ، وهنا يتوجب على المسؤولين في الحكومات العربية اتخاذ القرارات السريعة والحكيمة لمعالجة المواقف المتشددة ، ووضع الأمور في نصابها بهدف احتواء الأزمة ، وضرورة الجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة للتشاور وتجاوز الأزمة ، فالهدف الأساس سواءً للحكومة أو المعارضة يجب أن يكون الحفاظ على كرامة الوطن وحمايته وحريته وسلامة أبنائه ، وعلى الجميع الإقرار أولاً بأن سلامة الوطن يجب تكون في المقام الأول وبعدها يمكن التوصل إلى حلول مرضية للطرفين وإيجاد طريقة مناسبة لمحاسبة المقصرين والفاسدين ومثيري الفتن .
إن الهدف الأساس لوسائل الإعلام هو تسليط الضوء على المتغيرات الحاصلة بهدف نشر الحقيقة بشفافية ومصداقية وموضوعية ، لا أن تقوم بعرض الأحداث حسب سياسة القائمين عليها بحيث تتبنى موقف واحد من الصراع يساند الفريق الأول دون إيلاء الطرف الثاني أي اعتبار ، وكأنها بذلك تتبنى وجهة النظر الأولى بجميع تفاصيلها سواءً أكانت على حق أم على باطل . الإعلام يجب أن يكون محايداً وصادقاً وشفافاً وأن يمنح المساحة ذاتها لكلا الطرفين لا أن ينشر الحقائق حسب وجهة نظره أو حسب المصادر التي تصل إليه والتي قد تكون صحيحة أو غير صحيحة في تفاصيلها ، والطامة الكبرى عندما يكون القارئ أو المشاهد أو المستمع عرضةً للخديعة من هذا الإعلام أو ذاك . وهنا تكمن المشكلة فكيف نستطيع أن ندرك إن كان هذا الجانب على حق أو الجانب الآخر ؟ كيف نفرق بين الأكذوبة والحقيقة في بث الأخبار ؟ كيف نميز بين المصداقية والشفافية ؟ وهل يعرف هذا الجانب أو ذاك مقدار الخطر الذي ستكون البلاد عرضةً له في حال تصعيد اللهجة الإعلامية وتشويه الحقيقة ؟ إن جميع هذه الأسئلة مشروعة وبحاجة إلى إيجاد مبررات لها .
وفي قراءة سريعة للأخبار التي وردت عبر الصحافة خلال اليومين الماضيين ندرك أن الخطر محدق بالوطن العربي من جميع جوانبه ، وأنه بات من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وأن هناك مصيراً مجهولاً أسوداً يخيم على المنطقة ، وبغض النظر إن كانت هذه الحكومة أو تلك أو المعارضين في هذه الدولة أو تلك على خطأ أو صواب فيما يفعلونه ، وسواءً أرضينا بذلك أم لا فإن الأيام القادمة ستكشف لنا الكثير من التفاصيل التي تدبر للأمة من الخارج لتنفيذ مخطط يهدف إلى تمزيق الوطن الواحد ، مخطط يهدف بالنتيجة أن تصبح إسرائيل اللاعب الأساسي في المنطقة ، بحيث تفرض شروطها على الآخرين دون أن يجرؤ أحد على مواجهتها لأن عصا التغيير ستطال كل من يقف بوجهها .
لقد أدرك الجميع أن بعض وسائل الإعلام تمكنت خلال الأشهر القليلة الماضية من التأثير بالرأي العام والتلاعب بعواطف وأحاسيس الجماهير وحتى تسييرها وفق أهداف مرسومة تطبق وتترجم على أرض الواقع بحرفية واقتدار ، دون أن يكون هناك أدنى اهتمام أو مسؤولية بالنتائج التي ستنعكس سلباً على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، فالجميع سيكون مستهدفاً بالتغيير ولن ينجو أي كان من دائرة الخطر ، فكل المؤشرات والمتغيرات تشير إلى أن الأمور لن تهدأ وأن رياح التغيير ستعصف ببلاد أخرى كانت تظن أنها بمنأى عن دائرة الخطر .
إن الإعلام والإعلام المضاد نجح إلى درجة ما في تحقيق الأهداف التي عمل من أجلها ، لقد تمكن من التأثير في عقول الناس ، واستطاع قاصداً أو عن غير قصد من زرع بذور الخلاف والفتنة ليس فقط بين أبناء الوطن الواحد بل بين أبناء الوطن العربي الكبير ، فالمواطن في هذا البلد يشاهد ما يحدث في البلد المجاور وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد ، حتى أن الكثيرين يشعرون بالسعادة لأن الثورات طالت بلاداً أخرى كبلادهم أو طالت بلاداً وهم ما زالوا بمنأى عن الأحداث العاصفة .
فهل من المعقول أن يصل الأمر بيننا كشعوب وكمواطنين عرب أن نتمنى الخراب والدمار لبعضنا البعض ؟ إذا كان ذلك ما نتمناه بالفعل فقد حقق البعض أهدافه في نشر البغيضة والكراهية بيننا ، وتمكن بذلك من إحداث التغيير وفق مزاجه وبأسلوب حديث عبر استخدام أبناء الشعب الواحد في تصفية بعضهم البعض . هل هذا ما نهدف إليه كدول عربية ؟ هل بدأنا نشعر بالسعادة عندما نجد هذا البلد أو ذاك عرضة للمتاعب أو المشاكل ؟ إنها بالفعل مهزلة القرن الحادي والعشرين ، إنه بداية قرن الضياع ، ضياع الوطن العربي وانقسامه وتجزئته بسبب فساد البعض منا ، ومن يدفع الثمن في النهاية ؟ هل من المعقول أن يتمنى البعض انتقال ما يشهده وطنه من فوضى إلى الدول الأخرى التي لا يزال الوضع فيها مستقراً ؟ أين هو التضامن والعروبة التي كنا نتغنى بها ؟ أين هي القواسم المشتركة التي تجمع بين أبناء الوطن العربي ؟ أين هو الدم الواحد الذي يجري في عروقنا ؟ لقد اختفت وتلاشت جميع الإيجابيات التي كنا نفتخر بها ، وبدأت السلبيات تطفو على السطح بلا حياء ولا خجل عملاً بالمثل القائل إذا لم تستح فافعل ما تشاء .
وفي قراءة سريعة لعناوين الأخبار الصادرة خلال اليومين الماضيين ، يتبين لنا بالدليل القاطع أن الوطن العربي تعصف به الرياح من كل جانب ، فالأخبار في مجملها تثير القلق والرعب في النفوس مما قد تحمله الأيام القادمة من تطورات خطيرة تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات ومن هذه الأخبار التي تخص الدول العربية نقرأ :
- الجيش المصري يحذر من مخطط لتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات . إصابة 35 شخصاً في أعمال شغب وسط القاهرة . المصريون يرفضون الدولة الدينية ويخشون التدخل الأجنبي .
- الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يخضع لجراحتين في الرياض والغموض يلف انتقال السلطة . تبادل الاتهامات بين شباب الثورة والسلطة بالاعتداء على المنشآت العامة .
- مروحيات الأطلسي تشارك في قصف عنيف ضد قوات العقيد معمر القذافي في طرابلس . معارك في الجبل الغربي واستعادة السيطرة على يفرن . قوات الناتو تدمر منشأة عسكرية بالقرب من العاصمة الليبية.
- 12 حزباً كردياً محظوراً يوافق على لقاء الرئيس السوري . إضراب في حماة وقتلى في جسر الشغور وحرائق في دير الزور . تشكيل لجنة صياغة مشروع قانون جديد للأحزاب في سورية .
- سقوط عشرات الجرحى في مواجهات بين المعارضة والقوات الحكومية في البحرين . ولي عهد البحرين يؤكد ضرورة أن يكون الحوار الوطني شاملاً ومفتوحاً للجميع .
- وثيقة الإصلاح السياسي في الأردن تدعو إلى تعديلات دستورية . اعتصام أردني على الحدود في ذكرى النكسة .
- تظاهرة مسائية في الكويت تطالب بإقالة رئيس الحكومة .
- خمس قتلى وتسعين جريحاً وحظر للتجول جنوبي تونس من جراء اندلاع أعمال العنف . 9 آلاف إدعاء بالفساد والرشوة في تونس .
- مقتل 4 من الشرطة الجزائرية في انفجار قنبلة شرق العاصمة الجزائرية . الجزائر تجمد أموال القذافي .
- 5 قتلى بينهم عدد من العسكريين بهجمات وتفجيرات في العراق . انفجار في أحد مستودعات النفط في البصرة جنوبي العراق .
- مسيرات في 80 مدينة مغربية تطالب بالتغيير .
- الخرطوم ترفض طلب مجلس الأمن الانسحاب من ايبي . اشتباكات عنيفة في جنوب كردفان .
- قوات الاتحاد الأفريقي تسيطر على حي مهم في مقديشو . مقتل 8 مدنيين وإصابة 15 في قصف عشوائي في العاصمة .
- حشود عسكرية إسرائيلية على الحدود مع لبنان . إشكال أمني في مخيم عين الحلوة .
- الكيان الإسرائيلي يلون ذكرى النكسة بدماء الشهداء في الجولان وقلنديا والضفة وغزة وسقوط عشرات الجرحى بالرصاص الحي . إسرائيل تحمل سورية مسؤولية أحداث الجولان .
وفي الصحافة المتعلقة بدول الجوار نقرأ :
- مجهولون يضرمون النار في 29 سيارة في مدينة اسطنبول التركية . أردوغان ينتقد الكونومست البريطانية لنشرها مقالاً يدعو الأتراك للتصويت لحزب المعارضة .
- مقتل 26 من عناصر طالبان في عملية عسكرية للقوات الباكستانية بمنطقة دير العليا . سقوط 6 قتلى في انفجار وإحباط مخطط لاغتيال الرئيس الباكستاني .
- مقتل أربعة من قوات حلف الأطلسي من جراء انفجار قنبلة في شرق أفغانستان .
- مظاهرة لمعارضين في طهران احتجاجاً على وفاة الناشطة السياسية هالة صحابي .
- آلاف اليونانيين يتظاهرون في أثينا ضد التقشف .
هذه أنباء موجزة عن الأخبار خلال اليومين الماضيين ، فما هي الأخبار التي يحملها لنا الغد ؟