فلسطين شريان الوطن العربي ونبضها الذي ينزف دماً يوماً بعد يوم
من أين نبدأ الحكاية ؟ إنها ليست قصة عادية ، ليست رواية من قصص ألف ليلة وليلة التي اشتهرت عالمياً والتي كانت ترويها شهرزاد لشهريار كل مساء كي تنقذ الحسناوات من القتل ، ولكنها قصة مـن نوع خاص ، قصة حزينة مليئة بالمؤامرات والصفقات ، قصة حبكت تفاصيلها في الدهاليز السوداء وفي الغرف السرية ، ومن ثم في أروقة الأمم المتحدة .
إذاً هي رواية من الواقع وليست نسجاً من الخيال ، حيث تفرز للعالم واقعاً أليماً فرض على شعب تعرض بمختلف فئاته للتهجير والطرد والظلم والعدوان ، إنها ليست رواية عادية ، وليست حكاية تمر علينا مرور الكرام ، إنها قصة شعب وقضية أمة ، إنه منطق القوة الذي فرض على الأمة العربية ولهذا فإنه يستحق منا كل الاهتمام والتقدير ، إنها قصة شعب وحكاية أمة حملت وزر التاريخ ، تاريخ انتهك حقوقها واغتصب أرضها وشرد شعبها بجرة قلم ، قصة دبرت أحداثها ونسجت تفاصيلها تنفيذاً لمخطط صهيوني ومزاعم بالأرض الموعودة وبشعب الله المختار وحق الشعب اليهودي في العودة ، مخطط حمل العالم وزر تشريد أمة ، لتغرس بدلاً منها كيان غاصب محتل استوطن الأرض وطرد الشعب . جلاد جاء إلى البلاد متذرعاً بمقولة الحق التاريخي للشعب اليهودي في أرض أقيم عليها هيكل سليمان وحائط المبكى . فصدر قرار تقسيم جائر ، قرار ظالم ليس فقط بحق الشعب الفلسطيني ، بل ظلم الأمة العربية وخاصة الدول المحيطة بفلسطين لأنها اعتبرت انتزاع فلسطين من بلاد الشام بمثابة طعنة سكين غرست في القلب وانتهكت الكبرياء العربي ، ولا عجب في ذلك لأن فلسطين تمثل شريان الوطن العربي ونبضها الذي ينزف دماً يوماً بعد يوم بفضل عدوانية إسرائيل وممارستها أعتى أنواع القمع والظلم والقتل والسجن والذل ضد شعب رفض الاستكانة للاحتلال وفضل الموت على الرضوخ للاحتلال .
لقد نجحت بعض الدول في التحكم في قرارات الأمم المتحدة ، وتمكنت من نزع الحقوق كاملة عن الشعب الفلسطيني ومنح مزاياه لكيان اغتصب الأرض بالقوة ، وتم الدفاع عن وجودها وكيانها بدعم من قوى دولية وفي مقدمتها بريطانيا صاحبة الوعد المشؤوم وأمريكا مستخدمة حق النقض في جميع القرارات التي أدانت عنصرية إسرائيل وإرهابها ومن أجل تفعيل وتكريس الانقسام العربي وخلق الفوضى بين شـعوب المنطقة ، والتي نشهد آثارها بكثير من المرارة والألم هذه الأيام فيما يعرف بثورات الربيع العربي في دول عربية وقفت إلى جانب الكفاح الوطني الفلسطيني وحقوقه المشروعة ، وكان البعض منها الحاضن والحافظ للثورة الفلسطينية والمدافع الأول عن قضاياها وعن رجال مقاومتها الباسلة .
نعم إن قضية فلسطين من أشد القضايا تعقيداُ وأكثرها دموية وظلماً واستبداداً من قبل كيان غاصب قدم إليه الدعم بلا حساب ، قضية لم تجد طريقها إلى الحل طوال كفاح ونضال سياسي وعقائدي طوال 63 عاماً من المعاناة والظلم والقهر . إن أرض فلسطين تنزف دماً من الغبن الذي أصابها من القرارات الجائرة التي تحكمت في مصير أمة ، إنها حكاية العصر ولا بد من سرد تفاصيلها ليعرف الكبير والصغير بعض الأمور التي قد تكون خافيةً عنه أو مغيبةً عنـه ، أو يكون على علم بمعلومات مضللة وصلت إليه من خلال قنوات التضليل وما أكثرها في هذه الأيـام ، فالقصة في تفاصيلها وأسبابها ومكوناتها تستحق أن تكون حكاية ليقرأها الناس ولتكون واقعاً معاشاً على أرض الواقع . نحن دائماً نسمع المواعظ ونتلقى الدروس الأوروبية ونقرأ الكثير من المقالات عن العداء الذي يكنه العرب لإسرائيل ، بحيث تم تشكيل لوبي للدفاع عن الظلم الذي تتعرض له إسرائيل من جيرانها العرب المحيطين بها كالوحوش الكاسرة وهي الضعيفة الوادعة التي لم تحتل أراض عربية بدعم أمريكي وعالمي ، من خلال مد الجسور الجوية بينها وبين أمريكا ودعمها بالمال والسلاح ، كما تفعل الآن بدعم الثورات العربية ليس حباً بالثوار كما تدعي بل من أجل تحقيق حلمها بالإطاحة بالأنظمة العربية التي كانت تقف عقبة أمام مخططاتها ، وكانت تقف عقبة أمام رغبات إسرائيل التوسعية لتحقيق حلمها الأزلي الذي أعلنته من غير استحياء "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" . ولا أريد أن أتحدث عن اللوبي اليهودي المتجذر في أوروبا وأمريكا والضاغط على حكوماتها وقياداتها السياسية . في حين لم نسمع يوماً من الدول الأوروبية ذاتها ومن الداعم الأول لإسرائيل أي الولايات المتحدة أي أخبار أو نقرأ أية مقالات تدين عنصرية إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص وبقية المواطنين العرب القابعين تحت الاحتلال ، ولم نشهد أو نسمع بظهور لوبي عربي أو أوروبي للدفاع عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين .
بالتأكيد من الصعب على أي باحث أو كاتب أو مؤرخ التطرق إلى القضية الفلسطينية بجميع تفاصيلها ودقائق أمورها ، لأن ذلك يحتاج منه إلى كتب وإلى موسوعات ، وسأقدم دراستي التي حاولت إيجازها للقراء بعدة أجزاء كي لا أسبب لهم أي معاناة أو ضغط في قـراءة صفحات متتالية ستشكل عبئاً عليهم . لقد ركزت على البعض من الأحداث المفصلية وما أكثرها في تاريخ فلسطين ، نقاط أتمنى أن تشكل بعض الإسقاطات على الخلفيات التاريخية والسياسية والتي تشكل بمجملها إضاءات مهمة في تاريخ وطن عزيز نفتخر ونعتز به لعروبته وقوميته وخطه النضالي ، وما أحوجنا إلى وجود هذه المقومات في هذه الأيام في خضم ما يحيط بالوطن العربي وما يعصف به من مخاطر تستهدف أمنه ومصيره .
اليوم يتجه ملف فلسطين إلى الأمم المتحدة ، وقد نفى صائب عريقات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي الأنباء التي تحدثت عن احتمال تأجيل طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة . وقال إن “قطار الاعتراف بدولة فلسطين قد انطلق فعلاً نحو نيويورك”، ويبدو أن الأمور اليوم تظهر أن أغلبية دول العالم مع إعلان دولة فلسطين ، فقد اعترفت بها حتى اليوم 128 دولة ، والقطار متوجه بقوة والفيتو الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني قد يعرقل انطلاقته . وتشير تقديرات الخارجية الإسرائيلية إلى أن نحو 130 إلى 140 دولة ستصوت لمصلحة الفلسطينيين ، في حين أن هناك علامات استفهام بشأن تصويت دول الاتحاد الأوروبي . ونقل عن مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية يعمل بشكل مكثف على عرقلة المسعى الفلسطيني ، قوله إن 5 دول غربية فقط تعهّدت بالتصويت ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي الولايات المتحدة ، ألمانيا ، إيطاليا ، هولندا وتشيكيا ، في حين أن بقية الدول الغربية ليست على استعداد لحضور الجلسة والتصويت ضد الدولة الفلسطينية . ووفقاً للتقديرات فإن الدول الأوروبية المؤلفة من 27 دولة ، سوف تنقسم إلى مجموعة كبيرة تصوت إلى جانب المسعى الفلسطيني ، ومجوعتين أخريين الأولى تمتنع والثانية تعارض . لقد سبق تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 إلى الأمم المتحدة وإعلان الاستقلال عام 1993 في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في عام 1987 . وتوصلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى بلورة هذا الموقف في اجتماعات المجلس الوطني في دورته الطارئة رقم 19 التي استضافتها الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 وذلك بصيغة قانونية أطلقت عليها “إعلان الاستقلال”، وخلال فترة قصيرة اعترفت بالدولة الفلسطينية واستقلالها ما يزيد على100 دولة .
وجاء في إعلان الاستقلال "واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية فإن المجلس الوطني يعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا وعاصمتها القدس الشريف” . وإن إعلان ولادة الدولة الفلسطينية في عام 1988 ترافق مع صدور 3 قرارات دولية مهمة من مجلس الأمن هي القرارات رقم 605 و607 و608 التي اعترفت بكون الأراضي الفلسطينية التي هي تحت الاحتلال الإسرائيلي أراضي محتلة . وإن مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة والقسم الشرقي من القدس المحتل عام 1967 والذي أعلنت إسرائيل ضمّه إليها بموجب قرار الكنيست عام 1980 يصبح موضوعاً هاماً يسبب إشكالات جديدة فيما يتعلق بالحدود الجغرافية للدولة الفلسطينية التي يفترض أن تعترف بها الأمم المتحدة .
في 10 آب 2011 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن احتمالات ما أسماه السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ستتراجع إذا اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في شهر أيلول ، وقال نتنياهو خلال لقائه مع وفد يضم 26 عضواً في الكونغرس الأمريكي في القدس المحتلة إنه إذا اعترفت الأمم المتحدة بالخطوة الفلسطينية فإن احتمالات تحقيق السلام ستتراجع . وأضاف أن الطريق الوحيدة لتحقيق السلام بيننا وبين الفلسطينيين هي مفاوضات مباشرة ونحن مستعدون للبدء فوراً في مفاوضات من دون شروط مسبقة . فيما رأى رئيس إسرائيل شمعون بيريز أن الخطوة الفلسطينية ستكون بلا مضمون ، في وقت مارس الغرب ابتزازاً اقتصادياً إزاء التحرك الفلسطيني من بوابة المساعدات للسلطة . وكان دبلوماسي غربي قال خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب في 10 آب 2011 إنه يتوقع أن يتقلص التعاون بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية بشكل كبير إذا أصر الفلسطينيون على مسعاهم في أيلول المقبل . ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن الدبلوماسي الغربي من دون الكشف عن هويته قوله إنه “إذا ذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة فسيكون من الصعب علينا الاستمرار بالعلاقات التي نقيمها معهم ، وهذا سوف يؤثر أيضاً في المساعدات الاقتصادية الأمريكية للسلطة وفي المسـاعدة بتدريب قوات الأمن الفلسطينية وأشار إلى أن واشنطن تركز جهودها حالياً على محاولات منع حدوث مواجهة بالأمم المتحدة في شهر أيلول ورأى أن التنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين هو قصة نجاح وأدى إلى تحسن كبير بالوضع الأمني الميداني، نريد أن نرى التعاون مستمراً .
وأعلن مسؤول أمريكي أن نحو 50 عضواً جمهورياً في الكونغرس الأمريكي سيزورون إسرائيل هذا الشهر . وسيرافق رئيس الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب اريك كانتور زملاءه الجمهوريين في زيارتين ، الأولى في 13 آب ، والثانية في 21 أب . وقال كانتور في بيان إنه “بتوجههم شخصياً إلى إسرائيل سيفهم أعضاء الكونغرس بشكل أفضل أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودورنا في إشاعة الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة . وفي 31 آب 2011 جددت إسرائيل موقفها الرافض لخطة السلطة الفلسطينية التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطين معتبرة هذا الأمر بالخطأ الاستراتيجي . ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مصدر سياسي إسرائيلي وصفته بالكبير تهديده بأن هذه الخطوة الفلسطينية وفي حال الإقدام عليها ستسدل الستار على المفاوضات مع إسرائيل نهائياً . وأكد المصدر أن بلاده لم تتخذ أي قرار حول طريقة ردها على هذا التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة واستدرك قائلاً "إن إسرائيل أتمت دراسة جميع السيناريوهات وإن الرد سيتخذ وفقاً للتطورات على أرض الواقع". ووصف ما تقوم به السلطة الفلسطينية بالخطأ الاستراتيجي موضحاً " ليس بمقدور الجانب الفلسطيني إدارة دولة مستقلة له في المجالين الاقتصادي والأمني دون الاستعانة بإسرائيل ، والدليل على ذلك هو أن هناك العديد من المعارضين من الجانبين الفلسطيني والعربي لهذا التحرك" . وفي نفس اليوم قال رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين من حزب الليكود الحاكم خلال جولة في الضفة الغربية" إن أرض إسرائيل كلها لليهود ، وأن السلام سيتحقق عندما يوافق الفلسطينيون على أن يعيش اليهود معهم . وأضاف أن “الاستيطان هو جزء من الصهيونية التي كلها سياسة استيطان، والسلام مع جيراننا سيتم عندما يوافقوا على أن نعيش معاً في هذه البلاد” .
وفي 4 أيلول 2011 أخفق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين وبعد يومين من المداولات في بلدة سوبوت في بولندا في التوصل إلى أرضية مشتركة بشان تعامل دولهم مع الخطة الفلسطينية المعلنة بالتوجه إلى الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بدولة مستقلة لهم . وقد أكدت الممثلة الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية كاثرين اشتون أنها لم تتمكن من جر الدول الأوروبية إلى موقف اتخاذ مشترك ، رغم إشارتها إلى وجود موقف أوروبي صلب وأن الصراع لا يمكن حله سوى عبر مفاوضات عربية إسرائيلية" . وأن الاتحاد الأوروبي يؤيد قيام دولتين في الشرق الأوسط وعبر المفاوضات المباشرة . وقد أعلنت جمهورية التشيك وبلغاريا والمجر أنها لن تصوت لصالـح الدولة الفلسطينية ، فيما شككت ألمانيا وايطاليا وهولندا من جهتها في التحرك الفلسطيني المعلن . في حين دعا وزير خارجية لكسمبورغ جان السنبورن الذي تؤيد بلاده بقوة اعتراف الاتحاد الأوروبي السريع بالدولة الفلسطينية أنه يجب التوصل إلى اتفاق ضمني أوروبي بتجنب أية تصريحات مثيرة قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال 3 أسابيع وأنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي الأخذ بالحسبان كرامة الشعب الفلسطيني قبل كل شئ ، أما بولندا التي تتولى الرئاسة الدورية الأوروبية فإنها تعمل حسب الدبلوماسيين على جمع الأصوات الأوروبي وأكد وزير خارجيتها أن وارسو ستدعم أي موقف واقعي يمكن أن يحظى بتوافق داخل الأمم المتحدة ، في حين امتنعت ألمانيا عن طريق وزير خارجيتها غويدو فيسترفيلة من توضيح موقف حكومته .
قد يعتقد الكثيرون أنه في حال عدم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية فتكون إسرائيل قد حققت انتصاراً سياسياً جديداً يضاف إلى رصيدها من الانتصارات التي تحققت بفضل الدعم المطلق للولايات المتحدة ، لأنه في هذه المرة أيضاً لن تتردد أمريكا في اتخاذ قرار الفيتو لعرقلة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ، وسيتبع أمريكا في هذا المجال حلفاء لها في الاتحاد الأوروبي ، ولكن السؤال المطروح هل تكون إسرائيل قد حققت بالفعل انتصاراً جديداً على الفلسطينيين ؟ أعتقد أن الإجابة المنطقية أنه في حال إخفاق السلطة الفلسطينية في الحصول على الاعتراف الدولي فإن إسرائيل ستكون هي الخاسر الأكبر ، وليس الشعب الفلسطيني كما تعتقد ويعتقد أنصارها من الدول الأوروبية ، فإن الرد الفلسطيني هذه المرة لن يكون سلبياً ، فالمارد الفلسطيني سيخرج من القمقم الذي أجبر على الدخول إليه نتيجة مفاوضات سياسية متعثرة لم تقدم شيئاً للشعب الفلسطيني واعتقد أن الانتفاضة الثالثة لن تقلق إسرائيل فحسب بل ستحرك شعوباً عدة في المنطقة وستقلب الموازين رأساً على عقب . سنشهد انتفاضة تشمل جميع أنحاء فلسطين وليس فقط ما هو خارج عن السيطرة الإسرائيلية ، نعم سيثور الشعب بأجمعه وليس الفصائل الفلسطينية المسلحة فقط للتعبير عن حالة الغضب المتسم بالمرارة والقهر من ظلم المجتمع الدولي الذي يعتمد الازدواجية في المعايير لحساب إسرائيل متذرعاً بحجج لا يجد المنطق لها سبيلاً . الكتائب الفلسطينية الآن في حالة ترقب لما تفرزه الأيام القادمة ، وهي تضغط على أعصابها وتهدئ أنصارها أملاً بأن تحقق السلطة الفلسطينية ما تريد من خلال الحل السياسي ، وفي حال عدم تحقيق هذا الحلم وترجمة الأماني على أرض الواقع فليس هناك ما يخسره الفلسطينيون وتبقى الانتفاضة السبيل الوحيد لتحقيق ما دحضته الشرعية الدولية .
واعتقد أن الشعب الفلسطيني قد كسر حاجز الخوف منذ سنوات عديدة ، وليـس أمامه الآن ما يخسره فهل سيعود إلى النضال والكفاح المسلح الذي انتهجه قبل أن يقوم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاق غزة أريحا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في 9 أيلول 1993 بحضور الرئيس المصري حسني مبارك ، ووزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ، ونظيره الروسي واندريه كوزيريف ؟ هل ستشهد الأراضي الفلسطينية في الأيام أو الأسابيع المقبلة جمع غضب ؟ وكيف سيواجه المجتمع الغربي هذه المعارضة ؟ وهل سيعترف بأنها ثورة أم سيصنفها في إطار الفوضى والإرهاب كما هو الحال في بريطانيا ؟ هل سيشارك بتسمية أيام الجمعة كما يحدث في العديد من الدول العربية ؟ وهل سيدعم الانتفاضة الفلسطينية ؟ كلا بالتأكيد إنه سيحمل الفلسطينيين مسبقاً ما سيحصل ، وسيدافع عن أمن إسرائيل وسلامتها ولن يساهم بالتأكيد بتسمية أيام الجمعة ، ولن يدين انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان وقتلها للمتظاهرين ، ولن يتحدث عنها في إعلامه الرسمي ، ولن يسمح للإعلام العربي الذي يدور في فلكه بتجاوز الخطوط الحمر في إعلامه ، هذه الخطوط التي تجاوزها في تغطيته لثورات الربيع العربي ، قد يندد الاتحاد الأوروبي أو أمريكا بعض الشيء استحياءً منهم ، ولكن لماذا الخجل الآن واللعب أصبح مكشـوفاً أمام الجميع ، فما كان يحاك وراء الكواليس وفي الغرف المظلمة أصبح اليوم مكشوفاً ويمارس بحرية وبجرأة لا مثيل لها فإما أن تكون معنا أو تصبح عدواً لنا . ولكن السؤال الذي يحيرني وقد يحير العديد من المهتمين هل ستلتزم المحطات الإعلامية العربية التي تقف إلى جانب الثورات العربية الصمت يومها أم تقف مع إسرائيل في قمعها للمواطنين الفلسطينيين ؟ إنه سؤال من الصعب الإجابة عنه في الوقت الراهن وسنتركه للأيام أو الأسابيع المقبلة . وسأتابع معكم لاحقاً الجزء الأول من الدراسة التي ستأتي تحت عنوان فلسطين الجذور والتاريخ .