اتخذت عنوان المقال إذا لم تأتوا إلى الديمقراطية ، فإنها في الطريق إليكم ، بعد مشاهدتي تقريراً تلفزيونياً جريئاً لصحفية تركية تم نشره على اليوتيوب يحمل عنوان "الربيع العربي والشتاء السوري" .
وفي البداية لا بد من الإشادة بشجاعة المذيعة التركية التي عرضت هذا البرنامج الهام على القنوات التركية ، وهو يشكل إسقاطات هي الأهم من نوعها لرصد مجريات الأحداث في سورية منذ قيام المعارضة بتظاهراتهم الأولى في 15 آذار 2011 . ومن يرغب بمعرفة المزيد مما جاء في البرنامج المؤلف من أربع حلقات فعليه العودة إلى اليوتيوب لمشاهدته والتأكد من حقيقة ما جاء فيه من أخبار ليست مفبركة كسواها من الفضائيات العربية التي تتبع سياسة حكوماتها ، وليست من نسج الخيال أو التسويق الدعائي لصالح الحكومة السورية ، فهو تقرير لا يمت بأي صلة للإعلام السوري أو لأي محطة إعلامية عربية موالية للنظام السوري على اعتبار أن معظم القنوات الفضائية أكدت وقوفها الواضح والصريح ضد الرئيس السوري بشار الأسد والحكومة السورية ، معلنة في الوقت ذاته دعمها المطلق للمعارضة سواءً أكانت المعارضة على حق أو على باطل في مطالبها أو تحركاتها الميدانية .
نعم لقد تم بث البرنامج في المحطات التلفزيونية التركية رغم أن الصحفية ومعد البرنامج أشارا صراحةً إلى تورط الحكومة التركية وخضوعها إلى الضغوطات الأمريكية ، مشيرة ومنتقدة موقف تركيا التي تحولت من موقف الصديق لسورية إلى موقف النقيض تماماً ، حيث تأثرت بالضغوطات الأمريكية والأوروبية ، فقد تحول الموفد أو المبعوث التركي إلى ناقل أو حامل لرسائل التهديد والوعيد إلى الحكومة السورية على لسان الحكومة الأمريكية .
أقول إن هذا التقرير التلفزيوني قد دفعني للكتابة حول ما جاء فيه من أخبار جريئة من خلال تطرقه إلى المؤامرة التي تستهدف سورية حكومةً وشعباً ، كاشفاً عن تواطؤ عربي ودولي للإيقاع بسورية من أجل تقسيمها وفق خطط تم الإعداد لها منذ سنوات عديدة . نعم لقد تم التطرق إلى الأزمة السورية وتفاصيلها وكيف تم التخطيط والتنفيذ . تم تسمية دول عربية ، في الوقت الذي لم تتجرأ أي دولة عربية من الإشارة إلى هذه الدول لا من قريب ولا من بعيد .
ولهذا فعندما يتحدث البعض عن وجود مؤامرة وأقصد بهذا البعض المؤيدون للنظام أو الراغبين برؤية سورية سليمة معافاة بعيدة عن التناحر الذي لا يخدم سوى إسرائيل وأمريكا والدول صاحبة المصلحة في عدم الاستقرار في الوطن العربي . في حين نجد الطرف الآخر أي المعارضة يسخرون من أصحاب الإدعاء الأول ويقولون كلا لا توجد أية مؤامرة . الشعب قد انتفض من تلقاء ذاته ، ثار في وجه النظام لأخطاء كثيرة ارتكبها بعض أقطابه وخاصة بعد أن لمس نجاح التجربة التونسية والمصرية وإسقاط نظام الرئيسين زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك خلال فترة قياسية .
وفي مقال سابق تحدثت عن مخطط لضرب سورية من خلال تصريح الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك أحد المرشحين الديمقراطيين السابقين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 حول مهاجمة 7 دول تبدأ حسب الجدول الزمني بالعراق ، سورية ، لبنان ، ليبيا ، الصومال ، السودان وأخيراً إيران ، وحددت مدة 5 أعوام لإنجاز المهمة ، وهي معلومات موثقة عبر اليوتيوب ، وتحدثت عن عملية الياسمينة الزرقاء التي وضعتها الإدارة الأمريكية ، وعن الاتفاق الفرنسي - التركي ، وأخيراً وليس أخراً عن خطط وضعها الأمير السعودي بندر بن سلطان والتي تهدف إلى إثارة الفتن وصولاً إلى تقسيم سورية .
وفي عودة إلى التقرير التلفزيوني للصحفية التركية فقد أشارت إلى دور القنوات الإعلامية التحريضية في إسقاط الأنظمة العربية ، وقالت إن قناة الجزيرة استضافت خبيرة الشرق الأوسط لميس اندوني التي أعلنت من هذه المحطة أن هذه الشعوب ترغب بإنهاء الأنظمة القمعية ، وقالت إنهم يريدون الحرية رغم كل ادعاءات هذه الأنظمة . وتقول الصحفية التركية "جميع هذه العبارات كانت أشبه بالشبكة التي أحاطت بالمجتمع السوري وهدفها هو اصطياد هذا الشعب والسيطرة عليه وشل حركته وتفكيره" . وسارعت بالقول إن أمريكا سارعت بإعلان دعمها للمعارضة السورية وقدمت لها الأموال بلا حساب ، وقد خافت المعارضة من افتضاح أمرها من قبل أمريكا بعد أن كانت تحبك المؤامرة في الخفاء .
وجاء في التقرير أن التجمعات في البداية ركزت على طلاب المدارس والجامعات والنداءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، وأن زعماء الثورات في مصر وتونس وليبيا وسورية تلقوا تدريباتهم في معاهد يوغسلافيا ، وبدؤوا أولى خطواتهم بهدف إسقاط الأنظمة العربية ، مع تلقيهم الدعم المادي الكبير بموافقة سيناتورات أمريكا حتى يأخذوا مكانهم على خشبة المسرح ومن خلفهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجون ماكين وتحدث التقرير عن أقطاب المعارضة السورية وتصدر القائمة نائب الرئيس السوري الأسبق عبد الحليم خدام الذي هرب إلى فرنسا واتخذها منبراً له للتحريض ضد سورية معلناً عن رغبته بتشكيل حكومة ظل بمساعدة المعارضة في الداخل والخارج ، وكان يتلقى بحسب التقرير نقلاً عن الاستخبارات الأجنبية الدعم المادي والسلاح من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية . وأشار التقرير إلى القرابة العائلية التي تجمعه مع العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ومع رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري .
وتحدث التقرير أنه بتاريخ 18 آذار 2011 أي بعد ثلاثة أيام فقط من بداية الاضطرابات تم عقد اجتماع سري لأقطاب المعارضة في العاصمة التركية أنقرة مع وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا الذي كان رئيساً للاستخبارات لوضع الخطط لتأجيج الوضع الداخلي في سورية ، وبعد ذلك بدأت سورية تنزف دماً بتخطيط الغرف السوداء المنتشرة في العديد من دول العالم لهذا الغرض .
ومن الجدير ذكره أن ريزن بيرك كتب في مجلة السياسة الخارجية أن أمريكا تقوم بإسقاط الحكومات التي لا تتفق سياساتها مع السياسة الأمريكية ، وبعد ذلك تقوم بتنصيب أنظمة ذات ولاء للولايات المتحدة ، وهذا ما يمكن ملاحظته على أرض الواقع ، فقد عرضت قناة العربية احتفالاً للثوار في ليبيا بتحرير مدينة طرابلس من قوات العقيد معمر القذافي وأظهرت الصور بعض الثوار وهم يقبلون العلم الأمريكي . وهذا إن دل على شيء فأعتقد أنه يعبر عن الولاء للولايات المتحدة التي كان لها الفضل الأكبر في القضاء على نظام العقيد القذافي من خلال دعم الثوار الكبير وتسخير قوات حلف شمال الأطلسي لقصف مواقع الرئيس الليبي بغارات تجاوزت 19000 غارة جوية تم خلالها إسقاط عشرات الآلاف من الصواريخ والقنابل لتدمير البنية التحتية للبلاد ناهيك عن الخسائر البشرية الفادحة . وأنا أشرت إلى تقبيل العلم الأمريكي فقط لتصوير الواقع وما جرى على أرض الواقع وليس تحاملاً على الثوار أو انتقاصاً لهم ، فلكل دولة الحق في اختيار الطريق الذي تسلكه ولها قناعاتها وطرقها ، فالذي يهمني بالتأكيد من خلال هذا المقال هو الشأن السوري .
إدا لم تأتوا للديمقراطية فإنها ستأتي إليكم ، هذا ما أشار إليه التقرير وقال إن الخطط الذي وضعت لتطبيق هذه المقولة اعتمدت على عناصر ثلاث :
1- التظاهرات : والهدف منها أن تعم البلاد حالة من الفوضى والخراب ، كي يقوم الإعلام العالمي والإعلام العربي الموالي له بنشر وتجييش هذه الأحداث حتى لو خرج العشرات أو المئات فقط ، أما في حال خروج عشرات الآلاف أو الملايين من أنصار النظام فيهمل الموضوع وكأن شيئاً لم يكن ، وتم التركيز على المعارضين في الخارج للقيام بعملية التحريض واستضافتهم اليومية في الشبكات الإخبارية وضرب التقرير الإخباري مثلاً مدير جمعية حقوق الإنسان السورية وليد صفور المقيم في إنكلترا ، وبالتأكيد فقد عرضت القنوات العربية عدداً من المعارضة في الخارج وكان للقسم الأكبر منهم حظوظه في التعبير عن رأيه المعادي للنظام داخل استوديوهات القنوات ذاتها .
2- الاجتماع أمام السفارات السورية في الخارج : من أجل نقل صورة تعبر عن رفض المغتربين السوريين في الخارج للنظام في بلدهم ، (وعندما أخفقوا في ذلك بدؤوا الاستعانة بسكان البلد الذي توجد به السفارة السورية ) .
3- تدويل القضية : وذلك بأن يكون سيناريو الأحداث في ليبيا مثالاً يطبق ضد سورية أي استخدام القوة العسكرية لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه الخطط السياسية ، وتبدأ الحكاية بأن تبدأ دول العالم بإبداء انزعاجها وقلقها جراء ما يجري من أحداث تهز الضمير العالمي من انتهاك حقوق الإنسان وقتل المدنيين ، ثم تشتد اللهجة بالتهديد باستخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين . وبتطبيق هذه البنود الثلاثة فالديمقراطية ستتحقق بالتأكيد وستصل الديمقراطية إلينا شئنا أم أبينا ، ديمقراطية القوة ، ديمقراطية الإذلال ، ديمقراطية الأمر الواقع .
قلت وأقول وأكرر القول علينا أن ننتبه لما يحيط بنا من مؤامرات ، أنا أكتب المقال تلو المقال ليصل صوتي إلى أصحاب الضمير الحي ، إلى عاشقي سورية وسلامة ترابها ، أنا أسلط الضوء على الحقائق وأكشف ما أحصل عليه من وثائق وأخبار لا دخل للنظام السوري فيها لا من قريب ولا من بعيد ، ما يهمني هو أن أرى بلدي الحبيب سورية سليماً معافى من كل مكروه وأذى ، أراه قوياً أبياً عزيز النفس كما عودنا دائماً ، أرى أبنائه يداً واحدة في مواجهة الشدائد والمحن ، فالحزن يعتصر القلوب عندما نجد الأخ يقتل شقيقه ، والجار يهدد جاره لأنه قد خالفه الرأي والهدف مما يجري من أحداث مؤسفة . نعم هي دعوة للمعارضة السلمية لا تستمعوا إلى قنوات التحريض العربية التي تسخرها دولها لتدمير سورية ، وهي دعوة للحكومة لاعتماد لغة الحوار ، إن أي مكروه سيصيب سورية لا سمح الله سيجعلنا نشعر بالندم .
أنا أكتب حول ما سمعته في هذا التقرير وما جاء فيه فقد قالت الصحفية التركية "واقعياً لم يعد مهماً كل ما يقال أو كل ما يمكن أن نفعله ، لأن المجتمع العالمي قد جهز نفسه لسفك الدماء ، فالهدف الأساسي هو تقسيم الخريطة الجغرافية وجعلها دول صغيرة سهل ابتلاعها ومناطق رمادية اللون ليسهل التدخل العسكري فيها" . وأشارت مقدمة البرنامج إن أول دفعة من اللاجئين السوريين وصلت إلى منطقة بايلاداغ التركية ، مستغربة حدوث ذلك في الوقت الذي لم تكن هناك أية مشاكل أمنية ، كما أشارت إلى دخول مهاجرين سوريين من درعا وجسر الشغور قبل وقوع أي أحداث فيها" . نستنتج من ذلك أن المخطط المرسوم لدخول اللاجئين سبق وقوع الأحداث لاستغلالهم في تأجيج الرأي العام والتركيز على معاناتهم الإنسانية داخل المخيمات التركية .
إن الخطر المحدق بسورية سببه التعاضد السوري الإيراني ووقوف البلدين كسد منيع في وجه المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط . ولعل التقارب السوري التركي كان أيضاً أحد الأسباب الذي سرع من المؤامرة لأن متانة العلاقات بين البلدين بدأت تقلق الغرب . لقد وضعت الخطط لتقسيم المنطقة على أساس المذهبية والقومية ، صراع يبدأ بين السنة والشيعة . ففي عام 1982 صرح أوديد يونون المسؤول في وزارة الإعلام الإسرائيلية يجب علينا أن نعمل جاهدين لتقسيم العراق إلى مجموعات سنية وشيعية وكردية ، وأن نعمل على تقسيم لبنان إلى خمس مناطق مسيحية مورانية وإسلامية سنية وشيعية وممسيحية كاثوليكية ودرزية , كما يجب تقسيم سورية إلى مناطق سنية وعلوية ودرزية . ويجب استغلال الوضع في سورية لتأجيج الأحداث نظراً لأن الطائفة العلوية التي تحكم تمثل الأقلية على حساب السنة الذين يشكلون الأغلبية ولهذا يجب استثمار هذه الثغرة لتحقيق ما نصبو إليه . ومن الضروري إقحام سورية في دائرة النزاعات الدينية وعندها يتوجب على الدول السنية مثل المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية ومصـر التدخل لمواجهة الدول الشيعية مثل سورية وإيران .
كل هذه المخططات تهدف أيها القارئ الكريم إلى إعادتنا إلى عصر الخلافات التي كانت متأججة في العصور الإسلامية ، خلافات بين الأمويين والعباسيين ، وخلافات بين العباسيين والفاطميين ، خلافات بين المماليك والأيوبيين ، نعم يريدون بنا أن نعود إلى عصر الخلافات المذهبية ، لتحقيق أغراضهم دون أن يدرك بعض الزعماء العرب مقدار الخطر وحجم الضرر الذي سيصيب الأمة العربية جميعها .
وبحسب الكاتب الأمريكي سيمون هريش فإن الجبهة السنية ستدعم من قبل السعودية ، أما ساحة القنال فستكون لبنان ، وفي الوقت الذي يتم خلاله التحريض الديني ، سيتم تقديم الدعم المادي الكبير للمعارضة .
وأخيراً أقول إن الضغوط التي تواجه سورية لن تكون خاتمة المطاف ، فقد أشارت الصحفية التركية أن سورية لن تكون المحطة الأخيرة ولن تكون الحلقة الأخيرة من مسلسل الثورات العربية الهادفة إلى تقسيم الشرق الأوسط . فهل ترحبون بالديمقراطية التي يبشر فيها الغرب ، أترك هذا لكم ، فكل واحد يختار الطريق الذي يراه مناسباً للخروج من الأزمة ، البعض يقف مع النظام ، والبعض يقف ضد النظام ، والبعض الآخر يمسك العصا من المنتصف فهو يترقب الأحداث . انتبهوا إلى ما خطط لنا وما هو الطريق الذي يريدون أن نتوجه نحوه وعندها تدركون حجم المؤامرة ، والله يحمي سورية من أي مكروه .