عرف ( الماكياج ) منذ القدم , وقيل أن أول من  استخدمه كان الفراعنة حيث كان يتزين به ملوكهم في أعيادهم الدينية وحتى في مجالسهم مع الرعية وكانت المواد التي يصنعون منها ماكياجهم كلها طبيعية بخلاف وقتنا هذا إذ أن معظمها مصنع من مواد كيماوية تؤذي البشرة

وما دفعني لكتابة مقالتي هذه خبر نشر مؤخرا في إحدى وسائل الإعلام مفاده أن إحدى الفنانات العربيات ( الجميلات ) تبرأت من صورة لها نشرت في الصحف والمجلات تظهرها ( بدون ماكياج ) وبشكل مختلف جدا عما هو معروف عنها من جمال .

ومع يقيني التام أن الشكل الحقيقي لها هو الذي سارعت وتبرأت منه , فقد جال في خاطري الكثير من التساؤلات التي لم أجد لها أجوبة شافية عن الدور الذي بات يلعبه الماكياج في حياة كل منا  لنداري أو نتستر به عن وضعنا الحقيقي الذي نحاول إخفاءه بنسب متفاوتة أو حتى طمسه كليا ولبس قناع جديد يختلف كليا عن حقيقتنا لدرجة أننا نسينا أو تناسينا جوهرنا وأقنعنا أنفسنا أنه بات هو الصورة ولكن بعد الماكياج !!!!

 وأسأل نفسي إلى أي مدى تغلغل الماكياج في علاقاتنا الأسرية والعاطفية والاجتماعية أو حتى الدينية  وكذلك في حياتنا و تعاملاتنا اليومية ؟

لو أخذنا الكلمة بمعناها الحقيقي سنرى أن ماكياج المرأة أصبح أساسيا ليس في حياتها وحسب بل في حياة الرجل أيضا , وهذا يعكس مدى اهتمام المرأة الشرقية بمظهرها إذ أصبحنا نلاحظ الانتشار الكبير لصالونات تجميل السيدات في كل مكان ونسمع عن أرقام خيالية تدفع داخل صالونات التجميل

وتعتبر بعض النساء الماكياج وسيلة لإخفاء بعض الملامح مثل التعب والإرهاق وحتى الضيق وأنه لا يمكن أن يكون وسيلة خداع خصوصا للزوج بل قد يكون وسيلة " تعزيز ثقة للمرأة " ولكن ما يحدث أحيانا يناقض هذا الافتراض تماما ففي بعض المجتمعات التي لا يسمح للخطيب فيها أن يرى خطيبته إلا من خلال " النظرة الشرعية " تبالغ أغلب العرائس في وضع الماكياج في ليلة زفافهن مما يثير خوف العريس حول ما يخفيه هذا القناع في أول ليلة تجمعه مع زوجته وقد ذكر لي أحد الأصدقاء وهو متزوج منذ خمسة أشهر أن هذا ما حصل معه بالضبط وقال أنه عندما تقدم لخطبة زوجته لم يرها إلا مرة واحدة من خلال النظرة الشرعية فقط وقد شعر بالخجل في ذلك اليوم من النظر إليها والتمعن في ملامحها ..

.. وفي ليلة الزفاف رأى إنسانة أخرى بسبب الألوان التي وضعتها على وجهها سواء فوق العينين أو بالأسفل جعلتها جميلة للغاية على عكس ما رآها أول مرة وقد ولد ذلك في نفسه مخاوف كبيرة مما قد يخفيه هذا " القناع " وهل هو جمال حقيقي أم أنه جمال زائف مؤقت لعدة ساعات  وبالفعل فقد تفاجأ بشكل زوجته الحقيقي بعد أن قامت بإزالة الماكياج  وأنوه هنا بأنها قد تكون حالة وليست قاعدة تصلح للتعميم فهناك نساء تستخدم الماكياج بالحدود المقبولة دون مبالغة على قاعدة أن "كل شيء زاد عن حده قد يقلب ضده "

فكم من عيون جملها ماكياج الخداع والنظرات الكاذبة , وكم من شفاه زينتها الابتسامات الزائفة وكم من أناس احترفوا فن التملق والمحاباة والغش والكذب  مع الآخرين .

وتستحضرني في هذا المجال قصة  عن فأر رأى في منامه أن مارد المصباح قد ظهر له وسأله عن أمنيته ليحققها له فقال له الفأر إني أخاف القط وطلب منه أن يحوله إلى قط  فحقق له المارد ما طلب ولكن الفأر عاد إليه من جديد وقال له إني أخاف الكلب وطلب منه أن يحوله إلى كلب ثم عاد الفأر للمارد من جديد وطلب منه أن يحوله إلى أسد عندها أجاب المارد الفأر قائلا له: " عد كما كنت فإنك ستبقى تحمل قلب فأر حتى ولو صرت أسدا" !!

أحبائي : ما أردت أن أوصله لكم هو ما أجمل أن نحيا حياتنا على طبيعتها ... ببساطة  ودون تكلف ومغالاة  فلن ينفعنا أن نتقمص شخصيات وطباع بعيدة كل البعد عن جوهرنا وحقيقتنا فالجبان يبقى جبانا مهما لبس من الدروع وتشبه بالفرسان .

هذه مساهمتي أرجو أن تتقبلوها ولكم مني أصدق التحيات ودمتم سالمين