بلغ عمر الإنسان على هذه الأرض آلاف السنين ووصل عدد السكان الآن إلى سبع مليارات نسمة تقريباً وقد غير الإنسان هذا العالم خلال السنوات الماضية وما يزال يسعى لتغيير كل شئ من حوله حتى أصبح يشكل هو المعضلة ..
وهذه الأرض التي نعيش عليها هي معجزة بكل ما تحتويه من ماء وهواء وتراب وسماء ومع ذلك لم يكتفوا البشر بكل ما أعطاهم إياه الله عز وجل فالحياة سر غامض لطالما كان هاجس الإنسان إكتشاف ما هو غير معروف لديه وغامض بالنسبة له وقد بدأوا بتوسيع حدودهم مع أن توسعهم هذا قد جعلهم يخوضون الحروب ويلحقون الكوارث والأذى ببعضهم وكانوا يدمرون بعض الأماكن التي يصلون لها ويغيرون حتى تضاريس الأرض من حولهم وكل هذا من أجل تأمين لقمة العيش وأحياناً طمع البشر كان يوصلهم لنتائج غير متوقعة ومصائب لم تكن بالحسبان ..
وقد سخر الله الحيوانات لخدمة البشر إلا أن تلك الحيوانات لم تسلم أيضاً من بطش الإنسان وجبروته ولم يكن رحيماً بالتعامل معها لأنه لم يكن رحيماً حتى بالتعامل مع أبناء جنسه وكل هذا أيضاً من أجل لقمة العيش هذه اللقمة التي بررت غزوه للدول الأخرى وإنتهاكه لسيادتها وحرماتها والإعتداء على شعوبها وأعراضهم ومالهم وكرامتهم ..
وبالرغم من قيام الثورات الزراعية والصناعية التي فتحت للبشر أبواباً جديدة لتأمين بعض متطلبات حياتهم وفرصاً للعمل والتطور ولكن الشيء المهم الذي غير وجه العالم هو إكتشافه للنفط وما ترتب عليه من إنتعاش في حياة الإنسان وتطور كبير جعله يشيد ناطحات السحاب ويدخل التكنولوجيا والتطور إلى مجالات كثيرة في حياته وبالرغم من كل ما بناه وأنجزه من خلال النفط فإنه أيضاً قام بالقضاء على العالم لأن طمعه وسعيه لم يتوقف فقط عند لقمة العيش بل أراد السيطرة على الأرض والبشر الذين يسكنون هذه الأرض .. ولم يبق للرحمة مكان في قلوب بعض البشر مع أن الله عندما أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرسله رحمةً بالبشر ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ) والله أرحم الراحمين وخير الراحمين ومن يهديه الله كان نصيبه من الرحمة أوفر ولا تقتصر الرحمة على القريب أو الصديق فقط بل هي عامة وتشمل البشر كلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) .. لذلك أيها البشر إتقوا الله فيما رزقكم وأعطاكم من نعمه وإرحموا بعضكم ليرحمكم وخافوا على أوطانكم وأرضكم وشعوبكم ..
وإلى الشعب السوري العظيم الذي جسد أروع ملحمة وطنية وحس وطني من خلال ما قاموا به المواطنون السوريون من حملات تبرع بالدم وإيداع النقود في البنوك ورفع الأعلام بأطوال مختلفة وزيارة بعض مواقع الجيش وشكره على وقوفه بجانب الشعب السوري وإستبساله في حمايته والمحافظة على عرض وكرامة الوطن والمواطن وغيرها من الأفعال التي قام بها هذا الشعب الراقي والمحترم والمثقف فالشعب السوري أثبت وطنيته ولم أشاهد في العالم كله شعباً يفعل ما فعله شعبنا ويقف هذه الوقفة التي سجلها التاريخ وستتحدث عنها الأجيال القادمة ..
وأما بالنسبة للبعض الذين ما زالوا يقفون على الخط الرمادي ويتحدثون تحت سقف الوطن أريد أن أقول لهم بأنكم نسيتم وجودكم بين الشعب السوري الذي أصبح مدركاً تماماً لمن يريد خير هذا الوطن وأمنه وسلامته ولا يمر عليه أي كلام معسول فالولد الذي بعمر العشرة سنوات إستطاع أن يكون رأي وفكرة حول إجتماعكم الأول أو الثاني كما تقولون بعد سنة 2011 فلا تجعلوا الوطن ساحة للإنتقام والحقد وتحقيق المصالح الشخصية على حساب أمن وسلامة وخير الوطن وشعبه الرائع والفرصة ما زالت قائمة لتحديد خطوطكم التي لن تعبروا من خلالها إلاعن أنفسكم سواء كان خطكم أبيض أو أسود أو رمادي ولكن المهم أن تختاروا ..
ولم أتفاجأ بوقف بعض الشخصيات المعارضة من الداخل والخارج خصوصاً بعدم قبولهم بحضور مؤتمر الحوار الوطني ومنهم من يريدون إرسال ممثلين عنهم بحجة عدم توافر المناخ المناسب فهل تريدون الإجتماع أن يكون في الشتاء مثلاً لأن درجة حرارة الصيف تعيق أفكاركم ولا تناسبكم ومنهم من يقول بأن الظروف الصحية لهذا المؤتمر لا تناسبهم أيضاً فهل سمعتم عن إنتشار أمراض وأوبئة خطيرة ومميتة لأن كل هذه الحجج لا تنفعكم ولا تبرر مواقفكم ..
وأنا أقول لكم لا داعي أن تكلفوا أنفسكم وترسلوا ممثليكم لأنهم تلامذتكم وتربوا على أيديكم وأكيد رأيهم ورأيكم معروف حتى قبل حضور المؤتمر فهذا ما تعودنا عليه ولكن عليكم ان تدركوا بأنكم أمام فرصة تاريخية وذهبية لتوضيح موقفكم من الوطن ومن سورية وعلى الأقل حضور المؤتمر ومن ثم تحكمون إن كان قد لبى طموحاتكم أم لا وليس الحكم عليه مسبقاً لأننا في مرحلة لا تحتمل الإستعلاء على الوطن ورفض القدوم إليه وإلا فأنتم موضع للشبهة والمسائلة , فإذا كانت سورية لا تهمكم ولا تعنيكم لدرجة رفضكم أي حوار وأي مؤتمر فكيف ستبررون أفعالكم السابقة والمكشوفة للشعب السوري ومع ذلك فقد دعيتم وفتحت سورية لكم الباب للرجوع والحوار تحت سقف الوطن فإما أن تبيضوا صفحتكم أو أن تبقى سوداء حتى قيام الساعة ولا مشكلة في أن تراقبوا هذا المؤتمر من بعيد في حال كانت هذه رغبتكم المبدئية على أن تعتمدوا فيما بعد على حضور المؤتمرات القادمة وحتى لو أنتم بادرتم إلى عقدها ونسقتم مع الحكومة لإقامتها ولكن أن تكون تحت سقف سورية وأن تكونوا موجودون ولديكم الرغبة في الحوار والمشاركة فإذا كان الله سبحانه وتعالى رحيماً بعبده ألن تكون الحكومة رحيمة معكم وهي من دعتكم لهذا الحوار ولهذه الفرصة التاريخية وأعود وأقول لكم إنظروا لهذا المؤتمر من زاوية مختلفة عن الماضي ومن زاوية تعبروا من خلالها عن حبكم للوطن ومصلحته وخير شعبه لأن هذا المؤتمر يشرفكم أكثر بكثير من المؤتمرات التي يعقدها البعض في الخارج مع الإسرائيليين والدول الإستعمارية وتحت سقف الخيانة والمؤامرة وقريباً ستجدون هذه الدول تركض لسورية وتغير مواقفها وتسعى لتحسين علاقاتها معها وأنتم تكونوا قد وضعتم على الهامش لأنكم لستم سوى مجرد أدوات ولا تظنوا أن إهتمام هذه الدول بكم سيدوم فالتاريخ موجود وإرجعوا إليه حتى تعرفوا ماذا ينتظركم فيما بعد ..
وما أستغربه فيكم ألم تحنوا لبيوتكم وأهلكم ورفاقكم ألا تحسون بضيق في أنفاسكم وانتم بعيدون عن وطنكم ألا تتذكرون أيام طفولتكم ومدرستكم ولم تشتاقوا للشوارع التي مشيتم فيها وللأماكن التي كنتم تجلسون فيها مع أحبابكم وأصدقاء الدراسة فأنا عندما جربت الغربة والعمل في إحدى دول الخليج لم أتحمل أكثر من خمسة أشهر وقررت العودة لأنني منذ اللحظات الأولى أحسست بأني فقدت شيئاً غالياً وقد تعبت نفسيتي كثيراً ولم أقدر أن أتحمل البعد أكثر وكل لحظة كنت أتذكر فيها سورية ورفاقي وأهلي كنت مستعداً لأدفع مال الدنيا كلها لو كنت أملكه لكي أعود إلى وطني لأنني وصلت لقناعة بأنه مهما كانت مستوى معيشتي في سورية ومهما كان ألمي من وضعي المادي كله يهون وأنا في سورية وبين كل الذين أحبهم وتربطني بهم مشاعر وأحاسيس لن أجدها في أي دولة أسافر لها ..
وأنتم إن كنتم قد فقدتم هذه الأحاسيس والمشاعر وهان عليكم الوطن لهذه الدرجة فأقول لكم لا حول ولا قوة إلا بالله وصدقوني ستندمون في ويوم لن ينفعكم فيه أحد ولن يتذكركم أحد أو يدعوكم للعودة إلى وطنكم وأنا أعرف أنكم ملتزمون بإتفاقيات مع الدول الإستعمارية وهناك وثائق ومعلومات يهددوكم بها في حال تراجعتم عن موقفكم المعارض ولكن لا تنسوا أن هذه اللحظة الوطن يناديكم ويدعوكم للحضور فإما أن تحضروا وتضربون عرض الحائط كل هذه المؤامرات وهذه التهديدات وان لا تخافوا من شيء وكما قلت لكم فالوطن يدعوكم وليس هناك أعلى من سلطة الوطن والتي نقدرها ونفهم رغبة المسؤولين في سورية بأن تشاركوا في بناء الوطن والتمتع بكل الإصلاحات وكل ما طالبتم به مسبقاً مع أنه أنا والكثيرين من الشعب السوري لسنا بحاجة لمن يطالب لنا بحقوقنا ويدعي خوفه على مصلحتنا لأننا قادرون أن نطالب بكل ما نريد وهناك الآذان التي أصبحت صاغية ومهتمة بنا فلا تنسوا هذا الموضوع لأن التاريخ لن يرحمكم ولا حتى الشعب السوري والآن مازال أمامكم فرصة لتحديد مواقفكم بوضوح لأن مواقفكم الراهنة مشبوهة في أقوالكم وأفعالكم على أرض الواقع وخاصة رفض البعض منكم أي مجال للحوار الوطني
ولا تظنوا أننا لا ندري ماذا تفعلون وما هي نواياكم وكما قلت لكم نحن نسجل ولن نرحمكم عندما نسمعكم ما سجلناه لكم لأننا عندها لن نسمح لكم بالكلام ونحن من سنملي عليكم ولسنا عاجزون لأننا فهمنا وأدركنا ما يكفي لنكون على قدر من المسؤولية المطلوبة .. لذلك إما أن تكونوا أو لا تكونوا وأتمنى من الله أن يهدي الجميع إلى طريق الخير والصواب لكي نرحم بعضنا حتى يرحمنا الله سبحانه وتعالى ..