في ظلمة حالكة بدأت تمر أمامي أوراق متساقطة لا أعرف كيف ولماذا ؟؟؟؟
تركتها حرة تطير ... تارة تلمع وتارة تختفي ... حتى في غيابها أراها وأتمعن مليا في سقوطها ... أحزن عليها وأفرح لها ....
هناك ورقة ممسك بها طفل خرج ولم يعد ... تاركا وراءه ألعابه وحذاءه الجديد الذي يحلم به يوما للعيد وأخته الصغيرة منتظرة عودته كي يهديها ابتسامة ...
.......................................................................................................أما الورقة التي باتت ضعيفة مهترئة كانت أم ومازالت ... هل لأنها فقدت أعز وأغلى ما في الدنيا فلذة كبدها ... قدر لها أن تحمل به ... ويأتي هدية للحياة ... تطعمه وتسهر أمامه ... تقووووول : الله يحميك يا عمري ... في أول يوم لدخوله المدرسة كانت تطير ... نعم كبر ابني ... يا رب تتحقق أمانيه ... لقد قبل في الفرع الذي يحلم به ... تخرج ودموعها تملأ الوسادة ... رن الجرس وإذ بأصدقاءه يحملوه وثيابه ملطخة بالدم ... ماذا ستفعل هذه الكلمات لها ؟؟؟؟ بالروح بالدم نفديك يا شهيد ....
إنها ورقة لا أدري كيف سأصفها ... رجل كبير السن يمسك بعكازه وهو جالس يضع النظارات التي لم تفارقه أبدا ... عندما يقرأ عن قريب يرفعها قليلا إلى الأعلى أما عندما يتابع التلفاز يمسك بها جيدا والدموع تملأ عينيه ... لا يستطيع أن يظهرها أمام زوجته العجوز ... تناديه قائلة : يا رجال حاجتك ريح حالك وريح فكرك والله أنا تعبت عنك ... هو لم يسمعها لأنه منتظر يومه الأخير ....
لقد أزعجتني هذه الأصوات أنه عرس سيتزوج أحد الجيران وعمة العريس على ما أعتقد هذا الذي سمعته لن تكون متواجدة في الزفاف لأن زوجة أخيها لم تأخذها معها في جهاز العروسة ... والعروسة اشترت فستان زفافها الذي كلفها 20000 ألف ليرة سورية لأن صديقتها كان سعر فستانها 17000 ليرة سورية ... أما أخو العروسة ينتظر تعينه في الشركة التي قدم أوراقه لها حتى يؤمن مستقبله ويساعد أخته وزجها الفقير وما في عل لسانو إلا هالكلمات ( بدنا نعيش ورانا كوم لحم ) وحلمه أن يجمع رأس مال ليفتح مطعم فلافل ... هيك سمع أنو إلي ماشي بالبلد الفلافل .... بلا فلافل بلا فول ...
عندي ألك مشروع مابدو رأس مال ... الله وإيدك يا رفيق العمر ... كني بدك تشغلني معك بالورشة مع أنو هادا معلمك ماهضمتو أبدا يا لله بدنا نعيش ورانا كوم لحم ... شوف وين راح فكرو أصلا نحنا بالورشة منتشمس ولولا ابن خالي بيعرف معلم الورشة لكنت شايفي بالشوارع تركنا هلق ... يا سيدي روح اشتريلك سطل بلاستيك بعشر ليرات وكالون لودالين من هادا المغشوش وسفنجة وخرقة للمسح إلي بتخيطها مرتك من قمصانك الهريانة مساحات غبرا ووقف عند الإشارة بتعرف لبين ما تخضر بتكون ماسحلك كام سيارة وخاصة هدول السيارات الي نازلين جدد كل يوم اسم جديد تعال عريف أسماءن بالانكليزي ومحسوبك متخلف فيا المهم آخر النهار بتلم الغلة والبقشيش من أصحاب السيارات على الطراز الجديد ....
والله فكرة بس يا خوفي من ام عبدو بدها دراسة ... هادا إلي ناقصنا مسح سيارات بدك ياني صير ملطعة على لسانات نسوان الحارة شوفوا جوزا بيشتغل مساح سيارات أصلا أنا كنت أحلم برجال ... دكتور ... غني ... عندو فيلة ومسبح ... وكل اسبوع بيشتريلي طقم دهب ... حتى جيت انت وصرت نصيبي ... والله بيع البطيخ عند مفرأ بيروت الشام أشرفلنا ... يامرة البطيخ موسمو بالصيف بس مسح السيارات صيف شتي ... يا مرة بدنا نعيش ورانا كوم لحم ...
نعم هذه الحياة مستمرة وتستمر بمرارتها ... لا أحد يشعر بأحد ... حتى الدعاء اختفى ... ناس نيام نوم أبدي ... هذه الأوراق سقطت منذ أن ولدت ...
أما الورقة الأخيرة كانت تمر أمامي مع سقوط الأوراق ...لتذكرني بنفسها ... تذكرني بحبها وحبي لها ... تدمع عيناي لمرورها ... يقطر قلبي دما لرؤيتها وفراقها ... أخاف عليها من السقوط ... أخاف عليها من الإنهيار .......
إنها ورقة وطني الغالي الحبيب ... وطني الجريح ..