news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
سايكس بيكو في حمص ... بقلم : حبيب ابراهيم

لم نكن نعلم في باحة المدرسة أو في قاعة الدرس من أين جاء فلان و لا أين يسكن فلان فقصة الشعر الموحدة و بدلة الفتوة كانت توحدنا و غرفة الصف بيتنا  و صوت مدرسينا هو الترتيل الذي نستخدمه جميعا في صلواتنا اليومية .


كان جورج يشعر بالحرج لأن اسمه يضطر الآخرين للتعامل معه بلطف زائد خشية إيذاء مشاعره فكان يرجونا أن نناديه بكنيته و طلب الآخرون نفس الطلب ..بالنسبة لأسمائهم منعا للحرج .

و لأجل ذلك اخترعنا أسماء جديدة ( تصلح لكل المناسبات و الطوائف ) و عشنا أصدقاء تجمعنا المحبة، و الصداقة، وحب أي شيء مشترك بيننا.... حتى الوطن

في حمص لا يفصل البيت عن البيت (بغض النظر) عن من يسكن فيه سوى جدار و لا يفصل الجامع        ( بغض النطر عن من يصلي فيه )عن الكنيسة سوى بضعة أمتار و هناك أحياء تفخر بأنها تضم من كل روض أغنية.

 

لم أزل أشعر بطعم  عرائس زعتر  أمهات أصدقائي و لا زالوا يتشهون عرائس الزعتر التي كانت تعدها أمي .

 

كم مرة تبادلنا الزيارات في بيوتنا و خرجنا عن العادات و التقاليد التي يفرضها البعض من الأهل و الجوار في بعض أحيائنا الغارقة في الخصوصية، و كان لنا حصة في مباركة  (ال أبونا) و بيض الحمام في أعياد الكنيسة كما كانت لنا بركة صلوات عيد الفطر و الأضحى و ما يتلوها من هبات و زكاوات .. ضف إلى ذلك مكاسب الأفراح و الأتراح في الجانبين .

كان يكفي أن تكون في أول مرة تدخل فيها إلى الجامع أو إلى الكنيسة مع أحد أصدقائك من رواد هذا المكان و في المرة الثانية لن تكون بحاجة لمنة هذا الصديق ..بل قد تسبقه إلى المكان و تعرف الآخرين به إن أحببت ..

 

الشعور بالاختلاف في محيط الصداقة لم يكن يشعرنا بالخوف بل كان سببا بتدفق أكبر للمودة و الدلال من قبل الآخرين ،و عندما كان بعض الأهل يتحفظون على التمادي في الصداقة و تبادل الزيارات و حتى الشعور بالانتماء للآخرين بسبب بعض الأفكار الخاطئة المتناقلة عن أبناء هذا الدين أو ذاك أو هذه الطائفة أو تلك ..كنا نعترض على الأهل و نصحح المعلومة فلا فرق بين لفافة الزعتر في بيتنا و لفافات الزعتر في بيوت أصدقائي ، و لا فرق بين محبة أهل أصدقائي لأولادهم و لنا وبين محبة أهلي لي و لأصدقائي ..لم ألحظ طقوسا منفرة في بيت من

البيوت التي كنا نقضي فيها كل يومنا، و لم ألحظ أنهم كانوا يتصنعون أو يوارون. فكل شيء كان على طبيعته البشرية التي تتوزع في كل بيوتنا و إن كان هناك اختلافات بسيطة في طريقة العيش أو بعض التقاليد فهي مصدر تنوع جميل لا بأس بأن نجربه في حياتنا فلعل له أثر أجمل مما نعيش في العادة  .

 

كانت دموع فرح النجاح في الثانوية العامة هي نفسها دموع الوداع الذي فرق الأصدقاء كل إلى دنياه الجديدة و عالمه الموعود، فالبعض سافر خارج سورية للدراسة و البعض الآخر توزع في محافظات و جامعات و معاهد في كل أنحاء سورية...

 

الإجازات الجامعية و الزيارات التي يعود بها أصدقاؤنا من الخارج هي المناسبات الرائعة لعودة لقاءاتنا التي شعرنا في الوهلة الأولى أن هناك عوامل جديدة تؤثر فيها، لكن كنا نعود لنتأكد أن كل منا على عهده بالآخر و أن الحارات  التي ضمتنا صغارا هي نفسها التي تضمنا و نحن كبارا .

الآن أصبح منا الطبيب و المهندس ،الضابط و المدرس ،الموظف و العاطل عن العمل، المتزوج و العازب ، و العاطل عن الزواج ، الفقير و الغني و لكننا ما زلنا أصدقاء.

 

أعود إلى حينا بين الفينة و الفينة بعد أشهر و أحيانا بعد أعوام أبحث عن أصدقائي أسمع أخبار بعضهم من بعضهم الآخر ليس سهلا أن نجتمع لكن من السهل أن نتذاكر بأخبار من نحب.

اليوم تعيش حمص محنة لم نكن نتوقعها في يوم من الأيام ، بعض الأهل و الجوار لم يعودوا أهلا و جوارا، بعض البيوت أصبح يشار إليها بالبنان بعض الحارات ممنوعة على أبناء الحارات الأخرى، هناك جيل قديم لم يستطع أن ينقل للجيل الجديد تلك الملامح التي كانت عنوان الحياة في هذه المدينة الرائعة ،و نشأ جيل جديد لا توحده ملامح و لا تربطه ذكريات. البعض لا يكترث بما في المدينة من معالم ، لقد كسروا الساعة الرباعية في الساحة الرئيسية للمدينة، و قطعوا الطرق التي كان المرور فيها في يوم من الأيام لا يحتاج إلى فيزا أو وساطة.

 

لملم أهالي حمص أريحيتهم المعتادة ، تقلصت مساحات التجول ،حددت أماكن التسوق بناءا على خرائط ديموغرافية جديدة، في ليلة و ضحاها أصبح هناك مناطق صفراء و حمراء و خضراء توزع على كل طائفة يجب الالتزام بها، و أعطيت مهلة لفك الارتباط يعني الذي زوج ابنته في  حي مخالف ( ليس من الناحية التنظيمية ) يجب أن يذهب لاستلام ابنته و حصتها من الأولاد، و من اشترى بيتا في منطقة من لون آخر

 

عليه أن يغادر مبدئيا ثم سيتم  لاحقا حل مشكلة الأملاك بالطرق الدبلوماسية. 

و أصدقائي استعادوا أسماءهم المعتادة..أحدهم لم يرد على مكالمة آخر لأنه اكتشف بعد عمر أنه ليس من بني جلدته!!

ترى إن عدت اليوم إلى حينا فأي طريق سأسلك ؟ ..و أولادي الذين قضيت عمري و أنا أقص لهم الحكايات عن حينا و بيتنا و بيوت أصدقائي و أولاد أصدقائي كيف سأفسر لهم أن كل ذلك كان حلما.

 

و أن الذين يموتون و تتقطع أجسادهم بسبب انتمائهم ( الذي ربما لا يمارسونه ) سيعودون إلى الحياة بكامل أعضائهم، و أن ما يجري هو مجرد لعبة شرطة و حرامية و لكن بطريقة درامية متقدمة أكثر . 

2011-08-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد