news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حمص بين الحنين و الحنين .. بقلم : حبيب ابراهيم

عندما شاهدتها تبكي في جوقة ( كورس )  المودعين من أهل و إخوة الشهيد الدكتور حسن عيد ،عدت بذاكرتي خمسة و عشرون عاما يوم كانت زميلتنا ( أخت الشهيد ) خديجة  تنسى نتائج امتحاناتها في المواد الجامعية التي كانت تصدر تباعا بعد عدة أيام من موعد انتهاء آخر مادة في كل فصل، تنسى موادها و تأتي مبتهجة  لتتحدث عن تفوق أخيها حسن في دراسته ..حسن الذي كان بالنسبة لها الأخ و الابن و الصديق ...أذكر وجهها الأسمر الجميل و هي تستقبل غيرتنا البريئة من حبها لأخيها و كنا أخوة لها، لكن لا أحد يقارب مكانة حسن.  


خمسة و عشرون عاما نسينا فيها تفاصيل كثيرة عن أجمل أيام الحياة، الدراسة و الطفولة و الصداقة....

في المدن الجامعية السورية كان لقاء أبناء المحافظات و تفاعلهم في علاقات زمالة نادرة من الصدق و الوفاء و النزاهة و التفاني لا شيء أقدس من زميل المقعد و زميل الغرفة و زميل الصف من أية محافظة كان و من أي منبت جاء ..نحن أبناء هذا الوطن لم يكن أنقى منا في ذاك الزمان سوى الماء الذي شربناه من منابع قرانا و ما كان قد تلوث بعد.

 

خديجة يا أختي الحبيبة ..اليوم ذكرتك و عدت لتفاصيل صغيرة لا علاقة لك بها ..لكنك كنت عنصرا من عناصرها كأي فرد يخلق حوله حالة من التأثير غير المبرمجة..عدت لجلسات إقليمية كنا نبحث فيها عن أبناء محافظاتنا في دمشق و في الوحدات السكنية أو في قاعة الصف فقط لنشحذ حبنا لأهنا و لنعبر عن تعلقنا بتراب الأرض الذي جئنا منه.. وكنت الأخت الحمصية بجدارة ...فماذا وهبتك حمص .

 

أذكر أنني بحثت كثيرا عن زملاء الصف في المرحلة الإعدادية و الثانوية بل عدت إلى المرحلة الابتدائية...لم نكن في تلك المراحل نهتم بالانتماء و لا بالمستوى المادي فقط كان يهمنا أن نتعامل مع الزملاء الطبيعيين الذين أتوا من أسر طبيعية و يعيشون في بيوت طبيعية و يعودون إلى بيوتهم في نهاية اليوم ، و لهم أهل يسألون عنهم، و يدرسون لأنهم يعلمون ما قيمة العلم و المعرفة ..

 

في فترة لاحقة لم نكن نواكب فيها أخبار كل الزملاء و كنا نضطر للسؤال عن هذا أو ذاك من الزملاء هل هو ما زال طبيعيا، أي لم تبعده عن ما اعتدنا عليه من صداقة أية طوارئ تتعلق ببيئته و انتمائه أو بمستواه المادي، و بالحقيقة كنا نخسر البعض من أصدقائنا لظهور الفارق الطبقي ،أو لبعده سلوكيا بسبب انتماء ديني أو إقليمي، و أيضا بسبب إما تفوقه الشديد في الدراسة و ترفعه عن الناس العاديين، أو بالعكس بسبب فشله و انزوائه .

 

اليوم نعود بعد كل حادثة مؤسفة تودي بحياة أحد الأشخاص من محيطنا الضيق في حمص بالأخص لنسأل عن ذلك الشخص الشهيد ، فنجد أننا نعرف عنه الكثير فهو ذلك الشخص الذي كان يسكن في المكان الفلاني و هو أخو فلان و صديق فلان و كان يشتري من عند فلان و تزوج من فلانة ابنة عم أحد الأصدقاء، و ما شابه من هذه التوصيفات ،فبلدنا صغير و الناس تعودت على التواصل و المحبة فلا غرابة بأن نجد بيننا و بين هؤلاء الشهداء الكرام ألف صلة وصل آخرها الإنسانية و حب الوطن.

 

لكن المفجع في الأمر في الأحداث  الأخيرة التي جرت في حمص هو أننا لا نعرف الشهيد فقط بل و نعرف المجرم الذي ارتكب هذه الجرائم الفظيعة ،نعرفه جيدا فهو أيضا فلان و ابن فلان الذي كان يسكن بيننا و يدرس في نفس المدرسة و عمه فلان و خاله أبو فلان، هم من أهل الحي الذي ضمنا سويا عمرا من الزمن .

 

المؤسف أن هؤلاء الأشخاص غادروا حياتنا في مرحلة ما بسبب التقصير في الدراسة أو بسبب أنهم عندما كبروا قليلا توضح الفارق الطبيعي ما بيننا كأن تنشأ في نفس الحديقة حمل و ذئب فإنهما قد يشربان من نفس الضرع و يباتان في حضن واحد عندما يكونان (فرخان)  إلا أن التقدم  في السن و الإدراك ( مع التحفظ على هاتين الصفتين ) سيجعل كل منهما يخرج من عالم الآخر لأسباب طبيعية ، هذا ما ثبت بالنسبة للبعض و هذه حقيقة كنا ننكرها حتى اللحظة لكن بعد ما شهدناه من مغالاة لدى البعض منا بالإعلان عن هذا المرض و ممارسته على الملء أصبح من المفروض أن نخضع  جميعا لفحص فيزيولوجي و نفسي  لنحصل على شهادة تؤهلنا للعيش في المجتمع بشكل طبيعي، و بالتأكيد فإن هذه الشهادة لا يجب أن تحتوي على توقيع أحد من هؤلاء المرضى .

 

في حمص غادرنا الكثيرون من الأصدقاء و الأحباب شهداء قتلوا بلا ذنب على أيدي أبناء وطنهم و أفراد يعيشون هنا و هناك في الجوار،فكم منهم تمت معالجته أو معالجة أحد من أفراد عائلته على يد الدكتور حسن عيد رحمة الله عليه و كم منهم كان له قريب يدرس في قاعة يقودها علما ومعرفة الدكتور عقيل أو الدكتور نائل دخيل ..و كم منهم كان يجب يفخر بأنه ابن مدينة أنبتت المهندس النووي أوس الخليل ..

 

أفراد من بلدي تحولوا إلى وحوش، و ما زال البعض من الداخل و الخارج يبارك هذا التحول باسم الثورة و الانتفاضة و حرية و التغيير.. إلى آخره من شعارات لا علاقة لهؤلاء (الذين قتلوا نفسا بغير حق من أجل مبلغ زهيد) فيها..... لكن ما ذا نقول لهؤلاء و من يدافع عنهم: لا تعرفون ..لا تشعرون ..لا تهتمون ..بلا و الله تعرفون ما تفعلون و تكترثون بما تفعلون و تقصدون ما تفعلون و نعرف لماذا تفعلون ذلك... بلا و الله لأنكم هكذا أنتم....هذه طبيعتكم ...و حوشا ... بالمختصر لا يمكن القبول بعيشكم بيننا.

 

2011-10-06
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد