news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
يوميات سورية ... بقلم : أحمد عودة

في حارة من حارات دمشق القديمة  حيث تضيق  الأزقة من الخارج و تتسع البيوت من الداخل  و تتمايل الجدران بغير انتظام و تتشابك الشرفات و تكثّر من العنّاق و تفوح من جنباتها رائحة النارنج و عطر ياسمين الشام .


وبعد طول سؤال و جهد مشكور استطاع الشرطي أن يستدلّ على بيت أبو صالح و دق على أهله الباب أول مرة و انتظر قليلاً  ثم دق  ثاني و ثالث مرة  قبل أن يسمع صوت  امرأة من بعيد تنادي : مين .... مين عم يدق الباب فرد عليها الشرطي : يا أختي مو هون بيت حسان أبو صالح  فردت عليه و لكن هذه المرة من خلف الباب و قالت : أيوه .....أيوه يا أخي مين بدوا إياه و فتحت الباب قليلاً و لمحت الشرطي ببزلته الرسمية فارتعدت مفاصلها و غاب اللون عن وجهها و قالت خير يا أخي شو بدك منه و الله أولادي بحالهم و ما دخلنا بالمظاهرات و لا بالمسيرات التي عم تحدث في البلد , فتابع الشرطي يا أختي أنا مالي علاقة بالمظاهرات ولا بالأحداث أنا فقط معي برقية من شعبة التجنيد العامة و ابنك مدعو للخدمة الاحتياطية و عليه الالتحاق بدورة تدريبية و من فضلك تعالي وقعي و استلمي هذه البرقية .

 

في البداية رفضت استلام هذه البرقية و طلبت من الشرطي سؤال جميع الجيران وأن يتأكد بنفسه بأن سمعة أولادها عطرة و هم بحياتهم لم يؤذوا أحد و لم يدخلوا مخفر للشرطة

 و هنا ضاق صدر الشرطي من ثرثرة أم حسان و هددها بأنها إذا لم تستلم البرقية و توقع عليها فأنه سيلصقها على الباب و يحملها مسؤولية ذلك و ينصرف إلى عمله .

وقعت على الاستلام بأيدي راجفة و عيون دامعة و قلوب رعشة و توسلت الشرطي إن يسامحها و لا يؤاخذها لأنها بتلك الأمور جاهلة و عن كل ما بدر منها آسفة .

و فور مغادرة الشرطي دخلت إلى المنزل اتصلت بابنها حسان و أخوته و طلبت منهم الحضور و نقلت إليهم هذا النبأ الجلل.....

 

أما بالنسبة لحسان فهو شاب لم يتجاوز الخامسة و العشرين من العمر طويل القامة و وسيم الطلة متخرج من المعهد المتوسط منذ أكثر من أربعة سنين و هو حالياً عاطل عن العمل و أبواب الرزق موصدة في وجهه و اختصاص المساحة الذي درسه في المعهد لا يجد له في مجال العمل سبيلاً و لا تصريفاً و تقطعت الدروب بكل آماله و تساوت كل أيامه و غاب عن الأفق أخر نجم من أحلامه .

و هو بصراحة و منذ بدأت الأحداث في البلد وجد ضالته و شغل نفسه و أصبح يخرج في المظاهرات التي تطالب بمزيد من الحرية و الإصلاح وإيجاد فرص عمل للشباب و لكن الشهادة لله بأنه لم يؤذ بشراً  و لم يسقط أحداً .

 

تردد قليلاً عندما استلم برقية شعبة التجنيد وأحس بسحابة سوداء وقفت فوق رأسه و شلت تفكيره لكن أخوه الكبير شد من أزره و صوب نظره و نصحه بأن أي تأخير عن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية له عواقب وخيمة و يترتب عليه مسؤولية كبيرة .

 

و فعلاً في صباح اليوم التالي استيقظ مبكراً و قبّل أيدي أمه و طلب دعائها و تمنى رضاها و طبع قبلة على جبينها و قال لها: لا الله إلا الله.... و ردت عليه :محمد رسول الله

ذهب أولاً إلى شعبة التجنيد حيث أخذوا منه الهوية المدنية و أعطوه برقية فورية للالتحاق بكتيبة حفظ النظام في المدينة و تم نقله مع عشرات من رفاقه إلى أحد معسكرات التدريب القريبة و هناك تم استقبالهم وتوزيع الألبسة العسكرية عليهم و تجهيزهم لحضور أول اجتماع مع  قائد المعسكر و لم يتأخر الاجتماع كثيراً حيث عرض عليهم قائد المعسكر الوضع الراهن الذي يمر به البلد و عن المؤامرة الخطيرة التي تحاك في الخارج و التي تستهدف صمود الوطن و مواقفه الوطنية و القومية و أكد على ضرورة الدفاع عن مكتسبات البلد و أمن الوطن و أمان المواطن و لكن أشد ما شد انتباهه و أثار استغرابه عندما علق قائد المعسكر بأن الدولة تعلم جيداً إن العديد من المدعون للخدمة الاحتياطية هم من العناصر التي كانت تشارك في المظاهرات و تخرج في مسيرات و إن من أهم أسباب دعوتهم للخدمة هو استكشاف الحقيقة و جلاء الغموض عن كثير من الأحداث التي تشهدها البلد .

 

و بعد فترة بسيطة لم تتجاوز الأسبوع الواحد تم من خلالها رفع الجاهزية البدنية و القتالية و النفسية للعناصر و تقرر توزيع العناصر إلى مجموعات و فصائل و إعطائها التعليمات اللازمة قبل أي تحرك و تم التأكيد على أن الهدف الأول و الأخير هو حماية الوطن و المواطن و الدفاع عن الممتلكات العامة و الخاصة و منع التخريب وحرمة الدماء السورية و عدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين مهما تنوعت الأسباب و اختلفت الأمور.

 

  وفي أول يوم الجمعة بعد هذه الأحداث كلفت فصيلة حسان بمهمة رسمية لحماية المركز الحكومية في إحدى ضواحي دمشق فحمل حسان درعه الواقي بيد و هراوته المطاطية باليد الأخرى و ركب مع رفاقه باص حفظ النظام و جلس في مقعده شارد الذهن مشوش التفكير .

 

و في الطريق تذكر انه بالأمس القريب كان يخرج مع المتظاهرين و هو اليوم يقوم بواجبه لمراقبتهم و ردعهم بالأمس كان يضرب الحجارة و اليوم بنفس اليد يحمل الدرع لرد هذه الحجارة بالأمس كان يدعوا الناس للتجمع و التظاهر و هو اليوم بنفسه يفرقهم و يردهم على أعقابهم , نظر حوله فوجد رفاقه من حوله بنفس الأسماء تقريباً و بذات الملامح  للشباب الذين كانوا يخرجون معه للتظاهر وأخذ يحك رأسه و يدور بخلده و يفكر ماذا جرى لنا و ما يدور من حولنا و لماذا نهدر وقتنا ونضيع كرامتنا ..

الوطن كبير يسعني و يسع غيري ... و خيراته وافرة تكفيني و تكفي غيري

وكان كل حلمي أن لا يسرق أحد قوت يومي

 

و كل ما أريده فرصة عمل تغني عن السؤال و بيت صغير يستر الأحوال

أما الآن فأي مصير ينتظر هذه الجموع و أي نفق مظلم يختارون و تحت راية من يسيرون .

وصل باص حفظ النظام إلى الضاحية السكنية و وقف في الساحة الرئيسية و انتظر خروج المصلين من حرم الجامع و لم يطل انتظارهم فخرج المصلون من المسجد بثيابهم البيضاء و رائحتهم الذكية صافح بعضهم بعضاً و تفرقوا بهدوء و سلام .....و ما هي إلا دقائق حتى جاءت الآوامر الجديدة فأدار السائق عجلات الباص و عاد بهم إلى المعسكر بسلم و أمان .

 

2011-07-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد