هي التي كونتنا وشكلت خصائصنا وقدراتنا ودوافعنا . . , وهي التي برمجتنا بالاستجابات والدوافع والغرائز . . . الخ , فهي التي شكلت أحاسيسنا ومشاعرنا وعواطفنا وانفعالاتنا, أكانت لذيذة أو سعيدة أم مؤلمة وقاسية . . . الخ
ربما نقول عنها أنها قاسية ولا تعرف الرحمة أو الشفقة , ولا تعرف العدالة أو المساواة , فقد اعتمدت التنافس والصراع بكافة أشكالهم , والافتراس والقتل , والغيرة والحسد والكراهية ( فهي اعتمدت قانون الغاب - السمك الكبير يأكل الصغير - كما نقول). . . , مترافقة مع الرحمة والشفقة والحنان والتعاون والمساعدة والتضحية . . . الخ كل هذا تمت ممارسته من قبلها .
وإذا أردنا تحديد أهم العوامل التي أدت إلى نشوء الكائنات الحية وتطورها لتصبح كما هي عليه الآن , فهي :
1ً - وجود ظروف سمحت بتكوًن سلاسل من التفاعلات الكيميائية العضوية .
2ً - تكوّن دارات مغلقة من التفاعلات المتسلسلة , تبقى لفترات زمنية طويلة , نتيجة استمداده الطاقة من الوسط الموجودة فيه
3ً – توفر آلية تفاعلات كيميائية عضوية , يمكن أن تنسخ سلاسل الأحماض النووية بطريقة بسيطة ( النسخ بالقالب ) , وهذه ساهمت مع التفاعلات الكيميائية الأخرى في تشكيل أوائل البنيات الحية البسيطة جداً , التي تستطيع نسخ نفسها أو نسخ بعض أجزائها ( نسخ الإعلام ) .
خصائص البروتينات المميز التي تشكلت من الأحماض الأمينية, فهي سمحت كأنزيمات في حدوث ملايين التفاعلات التي لا يمكن أن تحدث في الأحوال العادية
4ً - دور التغذية العكسية الهام جداً في انتظام وثبات هذه البنيات الحية .
5ً – آلية المحاولة والخطأ والتصحيح بالإنتخاب , نتيجة بقاء البنيات الحية المتوافقة مع الأوضاع والظروف . والتي تساعد بتطور وارتقاء هذه البنيات الحية .
6ً – توفر زمن طويل جداً مليارات السنين كافي لحدوث هذه التطورات , وأهمها تطور ونمو الاعلام البيولوجي الذي يتم ( توارثه) نقله للأجيال التالية .
7ً – تشكل آلية الولادة والموت , وآلية الذكر والأنثى , وباقي الآليات الحيوية الأخرى . الذي ساهم بشكل فعال في الانتشار الواسع لأنواع الكائنات الحية , وبالتالي أدى ذلك إلى تسارع التطور والارتقاء .
لقد توصلت بنية الحياة إلى تشكيل أعقد الأجهزة وأعقد البنيات , وذلك دون تخطيط مسبق هادف . توصلت لذلك بتعاملها مع الخيارات المادية المتاحة فقط .
لقد حققت كل ذلك نتيجة وجود العناصر وتفاعلاتها المادية خلال ثلاثة ونصف مليار سنة , وقد كانت تقوم بعملها بتشكيل البنيات المتماسكة المستقرة ودون تخطيط مسبق .
لقد شكلت الأعضاء والأجهزة لملايين الأنواع من الكائنات الحية , فهي شكلت الرؤيا بعدة طرق مختلفة , وكذلك شكلت آلية الطيران بعدة طرق , وذلك حسب العناصر والتفاعلات الموجودة المتاحة .
وشكلت أنواعاً متعددة من الكائنات الحية التي تستخدم آليات تفاعل وطاقة مختلفة الضوء , أو طاقة البراكين , أو حرق المواد العضوية . وشكلت مليارات الأنواع من الكائنات الحية . وأهم من هذا كله شكلت الأحاسيس والوعي والفكر لدينا . وكل ذلك دون تخطيط مسبق .
الذي أريد الوصول إليه هو أن بنية الحياة , كافة الأحياء قديماً وحاضراً ومستقبلاً , هم بنية واقعية مادية وروحية , وهي لها دوافع وتوجهات , هكذا يتصورها الكثيرون الآن .
هذه البنية أدركها الكثيرون ، وبعضهم (مثل الخضر ) انتموا إليها واعتبروا أنفسهم جزءاً منها وهم يخدمونها ويدافعون عنها وهم يسخٌرون الفكر لها ليخدمها ويساعدها . فهي أم وأصل الفكر ، والتضحية في سبيلها وخدمتها مبررة جدا بالنسبة لهم .
وهذا يجعل بنية الحياة تكتسب قدرات فعالة جديدة , منها الوعي والشعور بذاتها من خلال أفرادها الذين أدركوها وعرفوها ويسعون لاستمرارها ونموها , فهم ممثليها لأنهم جزء هام منها .