سوء استخدام السلطة وكيفية معالجتها
بما أن السلطة قوة ولها تأثيرات كبيرة على الأفراد وعلى المجتمع فيجب العمل على ترشيدها وتوظيفها بما يخدم ويفيد الأفراد وبنيات المجتمع، والعمل على منع استغلالها من قبل بعض الأفراد أو الجماعات وتوظيفها لتحقيق مصالحهم الخاصة ، والعمل بنظام حكم يعتمد السلطات المستقلة. وفصل السلطات عن بعضها هو أحد أهم طرق معالجة سوء استخدام السلطة، وبالالتزام بالتشريعات والقوانين (الدستور) وتنفيذها على الجميع، ومراقبة تنفيذها بدقة وشفافية وعدل على الجميع، وتداول السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة.
ونظام الذي يعتمد السلطات الأربعة المستقلة هو نظام الحكم الذي استطاع التعامل مع القوى التي تتحكم في الانتخابات،التي هي أساس الديمقراطية. فالمنتخبين لتولي الحكم هم مقيدين بأنظمة عمل السلطات الأربعة التي هي الأساس المعتمد من قبل غالبية الشعب، وإذا كان حكمهم سيئ ولم يرضى عنهم الشعب فسوف يعالج الوضع، ويتم الإسراع بإجراء انتخابات جديدة، فالتغيير دوماً متاح وخلال وقت قصير في ذلك النظام.
فيجب أن تفرض السلطات الأربعة قواها ولا يسمح باختراقها وتحكم بعض الأفراد أو الجماعات بها بتغيير أو تعديل مناهجها وأسس عملها إلا بموفقة غالبية الشعب، ويجب أن تكون السلطة العسكرية والأمنية تحت تصرفها بشكل كامل.
السلطات الأربعة :
أولاً السلطة التشريعية :
يقُصَد بالسلطة التشريعية، تلك الهيئة التي لها حق إصدار القواعد العامة الملزمة التي تحكم تصرفات الناس، داخل كيان الدولة وتتجه أنظمة الحكم الديمقراطية، إلى إعطاء حق التشريع النواب الشعب الذي يمثلون السلطة التشريعية، بإيجاد تشريعات لما يستجد من الأمور نتيجة للتطور، وتنظيم العلاقات سواء كانت داخلية أو دولية فيما لا يوجد تشريعات له، وهذه التشريعات تكون نتيجة لضرورة، وقد تتغير إذا ما رأى المشرع ذلك فالاحتياجات تتغير كما تتغير الرغبات.
ثانياً السلطة التنفيذية :
هي التي تسيّر أمور الدولة ضمن حدود الدستور والتشريعات وقوانين، ولها صلاحيات اقتراح مسودة قوانين جديدة لدراستها من قبل السلطة التشريعية والموافقة عليها. هذه العلاقة بين التشريع والتنفيذ لا يصح بشكله الأفضل إلا في استقلالية الأول عن الثاني.
ولكن في الواقع هناك علاقات بين السلطتين في كثير من الحكومات الديمقراطية، حينما تحصل الحكومة على الأغلبية البرلمانية. هذا يضعف من مزايا الديمقراطية. للخروج من هذه الإشكالية، يجب تفعيل آليات قانونية لحضور فعلي للمعارضة وعرض سياستها أمام الرأي العام.
ثالثاُ السلطة القضائية :
لا شك في ضرورة استقلالية هذه السلطة لحماية الديمقراطية. على القضاء أن يكون مستقلا في كافة مستوياته عن أي ضغوط سياسية أو اجتماعية أو مالية أو دينية…، فهدف القضاء الأساسي هو العدل تبعا للقانون.
إن لاختيار القضاة اعتبار حيوي في الحياة الديمقراطية. اختيارهم يجب أن يبتعد أكثر ما يمكن عن اللعبة السياسية الضيقة للحفاظ على استقلاليتهم. لذا من الأفضل أن يختار نواب الشعب أعضاء المحكمة الدستورية العليا عوضا عن الحكومة. أما القضاة الآخرون فيمكن اختيارهم عن طريق أندادهم.
إن الرجوع إلى السلطة القضائية في الأمور السياسية بشكل متواصل للبت في شرح القانون وحل الأمور الشائكة أو المستعصية يضعف السلطة التنفيذية والتشريعية لأننا بذلك نعطي الاعتبار الأول إلى هيئة غير منتخبة مباشرة من المواطنين ونخفف من قيمة السلطة المنتخبة. هذا يؤدي إلى "حكم القضاة" وإضعاف الديمقراطية بشكل عام. لكي نبتعد عن إقحام القضاء في الأمور السياسية على النواب تحمل مسؤولياتهم كاملة وكتابة قوانين واضحة منسجمة مع بقية القوانين وغير قابلة لتأويلات متعددة.
لحسن إدارة الدولة الديمقراطية الحديثة يجب وضع رقابة قضائية تضاف على الرقابة الإدارية العاديّة على المؤسسات المتعددة في الدولة لكي لا تخالف القوانين وأنظمتها الداخلية.
السلطة الرابعة
قسم مونتيسكيو السلطة إلى ثلاث سلطات مستقلة وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية ثم جاء بعده الفيلسوف الإنجليزي إدموند بروك وأعلن الاعتراف بنفوذ الصحافة وسماها السلطة الرابعة حيث قال: «ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا».
وتتقدم أهمية السلطة الرابعة على السلطات الثلاث لسبب واضح وهو أن السلطة الرابعة تمثل الشعب تمارس دورها باستقلال تام ولقد مارس البشر حركة الدفاع عن الحرية منذ القرن السابع عشر، حين صدرت كراسة ميلتون التي اعتبرت من الأعمدة الرئيسية التي قامت عليها حرية الصحافة والتي انتشر بفضلها مفهوم «السوق المفتوحة للآراء» التي تقوم على مبدأ إتاحة مناخ التجادل بين الناس حتى تسود الحجج الجديرة بالسيادة. ثم كتب المفكر (ستيوارت ميل) عن تطبيق المبادئ العامة لحرية التعبير قائلاً: إذا كان البشر أجمعون متفقين على رأي معين وظهر بينهم شخص واحد له رأي مغاير فليس للبشر مبرر لإسكاته تماما كما أنه ليس من حق هذا الشخص الواحد إسكات البشر.
والآن وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة من المناضلة للانتصار لحرية الرأي تعلن منظمة «مراسلون بلا حدود» المتخصصة في شؤون الحريات الصحفية عالميا، أن ثلث سكان العالم مازالوا يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة والإعلام بشكل عام والغالبية تعيش في دول ليس فيها نظام ديمقراطي أو حيث توجد عيوب خطيرة في العملية الديمقراطية.
وحرية الصحافة تعتبر مفهوماً شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم غير الديمقراطية، سيما أن إحكام السيطرة على المعلومات وصانعيها ومروجيها في العصر الحديث يعتبر، لمعظم الحكومات من أهم الأمور.
لا يجوز في الديمقراطية الحد من حرية التفكير لأن للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أو محاسبة عشوائية من الحاكم أو المجتمع.
المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله.
إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، تكون هناك صحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادرا وقديرا. فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.
أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجه أو ما يسمى خبثا الصحافة "الملتزمة" واتخاذ "القرارات" ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل مجموعة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالبا في الأنظمة الديكتاتورية.
أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو متقاربة أو مكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.