هذا الموضوع نشرته منذ أكثر من 3 سنوات في " جريدة العرب الأسبوعي "
- إن المهام الأساسية لقيادة أي جماعة أكانت خلايا جسم أو مجموعة كائنات حية تعيش حياة جماعية، أو أسرة، أو قبيلة، أو دولة هي:
1 – إدارة أمور المعيشة للجماعة من مأوى وطعام وكافة مستلزمات المعيشة، والتعامل مع البيئة.
2 – حل التناقضات أو التضاربات بالدوافع والأهداف والصراعات التي تنشأ بين الأفراد أو الجماعات، وتنظيم العلاقات بينهم.
3 –الدفاع والحماية للجماعة من كل الأخطار الخارجية.
وفي كل جماعة بشرية تعيش معاً، مهما كان عددها، المهم التالي:
1. الأفكار والعقائد والدساتير والقوانين الموجودة
2. المصالح والأهداف للأفراد أو الجماعات.
3. القدرة على الرعاية وتأدية الأعمال والخدمات وإدارة الأمور المعيشية للجماعة.
4. القدرة على الحماية والدفاع عن الجماعة.
البنيات التحتية لأي نظام حكم وأسس أي حكم
أولاً: يأتي المقدس أو العقائد والأديان (الأخلاق والقيم المعتمدة من قبل الغالبية)، والعادات والتقاليد والأعراف، والتشريعات والقوانين والدساتير الموجودة.
وهم الأساس لأي طريقة أو نظام حكم، فالشعب أو الأفراد لا يستطيعوا أن يحكموا كما يحلو لهم وإن حكموا فسوف يجابهوا بهذه الأسس. فالأفكار الموجودة (أو المتوارثة اجتماعياً) هي أهم العوامل التي تتحكم في أي نظام القيادة أو الحكم.
ثانياً: طبيعة وخصائص الأفراد (الفردية والجماعية) النفسية والثقافية والمادية ودوافعهم وقوتهم.
ثالثاً: طبيعة بلادهم وخصائصها المادية والجغرافية، والإمكانيات المتاحة لهم، وللشعوب المجاورة تأثيراتها الكبيرة.
رابعاً: البنيات والمؤسسات الاجتماعية الموجودة، والتي كانت قد تشكلت سابقاً نتيجة الأوضاع والظروف.
فالمقدس والعقائد والتشريعات (بالإضافة طبعاً لخصائص الأفراد ودوافعهم)، هم الأساس الذي يحدد ويوجه أي نظام حكم. فيجب أن تسعى هذه الأسس لتحقيق المساواة والعدالة والحرية لكافة الأفراد، وتضبط العلاقات بينهم لتحقيق ذلك.
إن نظام الحكم لدى أي جماعة أو شعب في حالة تطور سريعة أو بطيئة، والديمقراطية نشأت خلال تطور أنظمة الحكم وطرق اختيار الحكام والحكم. وكان كل نظام جديد للحكم يتفاعل مع الأوضاع الموجودة، وكذلك أنظمة الحكم السابق تؤثر به وتتفاعل معه. وهذا بمثابة صيرورة لتطور إدارة المجتمعات البشرية، تتقدم فيها كفاءة أنظمة الحكم في مجال تحقيق تكيف أفضل الأفراد مع بعضهم ومع المؤسسات التي تنشأ نتيجة الحياة الاجتماعية، وكذلك تحقيق تكيف أفضل للمجتمعات البشرية مع بعضها ومع الواقع.
إن غالبية المفكرين (الآن) تعتبر أن الأسس اللازمة لأي شكل حكم مهما كان ليكون صالحا ومفيدا للأفراد وللمجتمع ككل بكافة مؤسساته هي:
أولاً: وجود تشريعات (أو عقائد) وأنظمة وقوانين أو دساتير مناسبة يتم العمل بموجبها. و وجود سلطة تقوم بالتشريع لما يحصل من مستجدات لا يوجد لها تشريعات.
ثانياً: وجود سلطة أو حكومة تقوم بتنفيذ التشريعات والقوانين والإشراف على التنفيذ.
ثالثاً: وجود سلطة قضائية تراقب وتحاسب الهيئتين السابقتين، وتخضع للسلطة التشريعية في نفس الوقت.
رابعاً: وجود المؤسسات الصحافية والإعلامية ترصد وتلاحظ وتنشر بشفافية وصدق ما يحصل في الهيأت الثالثة، وتخضع للسلطة التشريعية في نفس الوقت.
ويجب أن يحدث تفاعل وتأثير متبادل بين هذه السلطات أو الهيأت بحيث يتم إجراء التصحيحات المناسبة والتكيف مع الأوضاع بأسرع وقت وبأقل خسائر. وتوفر هذه الأسس في أي نظام حكم أكان ملكي أم جمهوري أم اشتراكي يجعله ناجح ويحقق النمو والتطور للأفراد وللمجتمع أو الدولة .
وإن أي خلل في أحدى هذه الهيأت وعدم عملها بشكل صحيح حسب المطلوب منها، يمكن أن يؤدي إلى أن يصبح نظام الحكم غير صالح لتأدية مهامه بشكل يحقق المطلوب الذي هو نمو ورفاهية الأفراد واستمرار ونمو وتطور الدولة بكافة مؤسساتها.
السُلطة
أبسط تعريف للسلطة هو أنها "قدرة الفرد أو الجماعة على التأثير في سلوك الآخرين، برضا الآخرين أو رغمًا عنهم ".
تشير الموسوعة الفلسفيّة إلى أنّ السلطة (Autorité،Authority)، » مفهوم يشير إلى النفوذ المعترف به لفرد أو نسق من وجهات النظر أو لتنظيم مستمدّ من خصائص معيّنة أو خدمات معيّنة مؤدّاة.
وقد تكون السلطة، سياسيّة أو أخلاقيّة أو علميّة، و ينضوي تحت هذا المفهوم عدة أنواع من السلطات:
1 ـ السلطة الفردية: و هي ما يطلق عليها اسم السلطان الشخصي، و التي تتمثّل في قدرة الإنسان على فرض إرادته على الآخرين، نظراً لقوّة شخصيته و شجاعته، و قدراته العقليّة المتفوّقة.
2 - سلطة الأب أو سلطة الأم على أولادهم، سلطة رئيس العشيرة،…
3 ـ السلطة الدينيّة أو العقائدية: و هي مستمَدّة من الوحي الذي أنزله الله على أنبيائه، و من سنن الرسل، أومن المقدس أو غيرها من العقائد.
4 ـ سلطة البنيات الاجتماعيّة كالسلطة السياسيّة و القوانين والدساتير والتشريعات والأعراف والتقاليد وغيرها.
وفي أي نظام اجتماعي لا بد من وجود سلطة أو سلطات عليا مسؤولة عن كافة الأمور العامة، حتى تتمكن المجموعة من القيام بعمل مشترك، وهذه السلطة تسمى السلطة السياسية ويمكن تعريفها على أنها مجموعة العمليات والأدوار الاجتماعية التي بواسطتها يمكن اتخاذ القرارات الجماعية وتنفيذها.
فالسلطة هي وسيلة تحكم وهي قوة، وكل سلطة تستمد قوها من بعض الأمور التالية:
1 – المقدس الفكري الموروث، أو العقائد أو التشريعات والأعراف، أو الدساتير والقوانين الموضوعة مسبقاً.
2 – القوة المادية أو العسكرية الثورة أو الإنقلاب. أو بالوراثة (الملك والأمير….)
3– القوة الاقتصادية والأغراء بالمال والجاه، والقوة السياسية المؤلفة من قوى متعددة.
4 – قوة الفكر والإعلام والصحافة.
والسلطة يمكن توظيفها لتحقيق الكثير من الأمور أو الأهداف أو المكاسب إن كانت شخصية أو لمجموعة أفراد معين أو لكافة الأفراد، فالسلطة والإدارة ضرورية في تسيير الأمور الجماعة.
ولكن السلطة عوضا عن أن تكون في خدمة الأفراد وتحقيق مصالح الجماعة أو الدولة، قد تتحول إلى تسلط بخروجها عن قواعد العمل الجماعي.
لذا يجب أن تحدد مهام هذه السلطة وإلى من توكل بشكل واضح في القوانين أو الدستور، كي لا يختلط الحابل بالنابل وتميل الأمور إلى صراع على السلطة وتفتح الأبواب أمام الحيل والمناورات الهدامة. فالسلطة هي بمثابة تفويض من أعضاء الجماعة تعطى إلى الإداريين لتسيير الأمور بشكل يحقق الفائدة والنمو للجميع. لكن حين تنفصل الإدارة عن قاعدتها وتتحرك دون أي اعتبار لها، تتجه بذلك إلى منزلق خطير قد يطيح بالجماعة ككيان جماعي.
وقد رأى مونتيسكيو بأن كبح السلطة لما فيه صالح الجماعة، هو توزيع السلطات وفصلها عن بعضها، وهذا ما يحقق توازِن السلطات الثلاث. فينبغي ألاّ يمارس السلطة التنفيذيّة أعضاءُ السلطة التشريعيّة، بل أن تودع في عهدة الملك الذي يكون قابلاً للعزل إذا ما أتى أعمالا تتجاوز سلطاته.
وفي مقولته المشهورة "السلطة توقف طغيان السلطة" ومقولته "كل من له سلطة يميل إلى إساءة استعمال السلطة " رسم (مونتيسكيو) نظريته في السلطات، والتي جاءت بعد دراسته لأكثر من شكل من أشكال الأنظمة التي كانت تحكم في عصره، وأعتبر بها أن بناء النظام السياسي المتوازن يقوم على مبدأ السلطات التي تمارس الرقابة المتبادلة فيما بينها لتشكل بذلك حماية للنظام السياسي وضمان استمرارية هذا النظام من خلال توزيع واضح لاختصاص كل سلطة من السلطات الثلاث – التشريعية – والتنفيذية - والقضائية.