كان مصطلح الدول الفاشلة قد استخدم للمرة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون، ونعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان، ومثل الصومال حاليا، حيث أصبحت القرصنة البحرية تنتشر على سواحلها....
ولكن التقرير لم يستند على نفس الرؤية الرسمية الأمريكية في تحديد الدول الفاشلة، وكانت نظرة الخبراء المستقلين الذي أعدوا التقرير اقرب إلى نظرة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي أصدر العام الماضي كتابه "الدول الفاشلة"، ليؤكد من خلاله أن الولايات المتحدة الأمريكية ينطبق عليها تعريف الدولة الفاشلة، والتي احتلت المرتبة 161 في مؤشر هذا العام، خلف بريطانيا، ولكن الاثنين خرجا من المساحة الخضراء، ليكونا في آخر المساحة الصفراء.
إن تقرير مجلة «السياسة الخارجية» ومؤسسة صندوق السلام يستخدم 12 مؤشراً لتحديد مواقع الدول المختلفة في ترتيب الفشل، ويقدم تقديراته الكمية لكل من هذه المؤشرات.
اعتمدت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية المختصة بتقدير حالة الدول , مسألة القلق الأمني وتدني مستويات الخدمات وما يحصل فيها من نزعات، وكوارث طبيعية وغير طبيعية.
و"صندوق السلام" هو منظمة تسعى إلى منع الحروب ومكافحة الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع صراعات مسلحة، وتتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقراً لها.
المؤسستان تعرِّفان الدول الفاشلة بأنها تلك التي لا تستطيع أن تقوم بوظائف أساسية وتحديداً التعليم والأمن والحكم.
وهناك تقرير «بروكنغز» يتعامل مع أربعة مؤشرات فقط، هي النمو الاقتصادي، والمؤسسات السياسية وخصوصاً قوة البرلمان، والأمن، والرفاهية الاجتماعية. ويميز تقرير «بروكنغز» بين دول فاشلة ودول ضعيفة ودول ذات وضع مقلق.
اعتمد التصنيف على عدد من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن بينها شرعية الدولة، مستوى الخدمات العامة، الضغوط الديمغرافية وحقوق الانسان , وعلى 12 مؤشرا اجتماعيا، اقتصاديا ، سياسيا، وعسكريا، مؤشراً لقياس مدى نجاح وفشل حكومات الدول في التعامل مع المشكلات المختلفة التي تواجهها , مثل الزيادة في عدد السكان، وسؤ توزيعهم، الحركة السلبية للهجرات و اللجوء ، الميراث ألعدائي بين الطوائف، والقبائل، والأعراق . غياب التنمية . مستوى الفقر , وانعدام المساواة. فقدان شرعية الدولة، وغياب القانون. تدخل دول خارجية في شئون الدولة بما في ذلك التدخلات العسكرية، كما يحدث في العراق وأفغانستان.
ووفق التصنيف السنوي الرابع الصادر عن المجلة الأمريكية، بالاشتراك مع "صندوق السلام"، فقد جاءت الصومال على رأس قائمة الدول "الفاشلة"، برصيد 114.2 نقطة، تلتها السودان في المركز الثاني برصيد 113 نقطة.
أما الخامسة فكانت العراق، التي جاءت بالمركز الخامس برصيد 110.6 نقطة، ثم لبنان في المركز الثامن عشر برصيد 95.7 نقطة، فاليمن في المركز 21 برصيد 95.4 نقطة , وبالنسبة لمصر، فقد احتلت المركز 40 بالتصنيف الدولي، الذي شمل 177 دولة، برصيد 88.7 نقطة، لتصبح سابع دولة عربية تأتي ضمن المراكز الـ60 الأولى، في حين جاءت إسرائيل في المركز 58 برصيد 83.6 نقطة، ولأول مرة منذ بدء التصنيف العالمي قبل أربع سنوات. بحسب (CNN)
وفي تقرير هذا العام ترتبت الدول العشر الأكثر فشلاً في تقدير الباحثين الذين أعدوا هذا التقرير كما يلي: الصومال- السودان- زيمبابوي- تشاد- العراق- الكونغو- أفغانستان- كوت ديفوار- باكستان- إفريقيا الوسطى . ثم تلتها عشرون دولة أخرى فاشلة أكثرها يقع في إفريقيا جنوب الصحراء، ولكن بعضها في آسيا: كوريا الشمالية (رقم 15)، وأوزبكستان (رقم 26)، و طاجيكستان( رقم 39).
وجاءت النرويج في المركز 177 والأخير برصيد 16.8 نقطة، ففنلندا في المركز 176 برصيد 18.4 نقطة، والسويد بالمركز 175 برصيد 19.8 نقطة.
وأشار التقرير إلى أن التصنيف اعتمد على 12 على مدار العام، تتنوع ما بين مؤشرات اجتماعية، وأخرى اقتصادية، وثالثة سياسية، بالإضافة إلى مؤشرات عسكرية.
وتم التوصل إلى هذه المؤشرات بعد استطلاع آراء نحو 30 ألف خبير دولي خلال الفترة من مايو/ أيار 2007 إلى ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، وفقاً لما جاء في التقرير.
واكتست قائمة ضمت الدول الـ35 الأولى ضمن التصنيف باللون الأحمر، في إشارة إلى أن تلك الدول دخلت المرحلة الحرجة، ثم الدول من 36 إلى 127 باللون البرتقالي، وهي مرحلة الخطر، ثم الدول من 128 إلى 162 باللون الأصفر، أي المرحلة المتوسطة، ومن الدول 163 حتى 177 باللون الأخضر، وهي مرحلة الأمان.
عربيا احتلت عمان المرتبة الأولى حيث حلت في المرتبة 146، متقدمة على بولندا، وبعد اليونان مباشرة، ولكنها في المساحة الصفراء مع كل من الإمارات العربية المتحدة، قطر، والبحرين، أما بقية الدول العربية فقد احتلت المساحة البنية، ما عدا الدول الستة التي احتلت المساحة الحمراء ، أما ليبيا فقد احتلت المرتبة 111 متقدمة عل كلا من أوكرانيا وأرمينيا.
وبحسب التقرير فإن الدولة "الفاشلة " هي : الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة.
ولو نظرنا إلى الدول الثلاثة الأولى المتربعة على قائمة الدول الفاشلة وهي:
الصومال - والسودان - والعراق ، لوجدنا أنها لم تكن فاشلة كما هي الآن , قبل التدخل الخارجي في شؤونها .
فالصومال أبان المحاكم الإسلامية شهد أمنا واستقرارا . لكن بعد اجتياح القوت الإثيوبية لأراضيه، ليمارس الاحتلال بالنيابة عن القوات الأمريكية، فقد الأمن والاستقرار، وباتت أرضه تعج بمسميات التنظيمات المسلحة المقاتلة للاحتلال، علاوة على قطاع الطرق والقراصنة الذين يمتهنون خطف الرهائن لمبادلتهم بالدولارات وأصبحت حركة الشباب المجاهد من أقوى التنظيمات المسلحة بالصومال، وحلت محل المحاكم الإسلامية المشهود لها بالاعتدال.
السودان لا يختلف الحال فيه عن الصومال، فما الذي حوله إلى دولة فاشلة سوى التدخل الخارجي بجنوبه وفي دار فور، فتحولت تلك المنطقتين إلى مرتع للجماعات المسلحة ، وأصبح حرق مدن وقرى بأكملها خبرا يوميا.
العراق أيضا، لم يكن قبل احتلاله دولة فاشلة، وكان ينعم بالأمن والاستقرار، ولم يكن به لا مليشيات ولا حتى أحزاب، غير الحزب الحاكم آنذاك، وأصبح الآن بعد خمس سنوات من الاحتلال، يعج بعشرات المليشيات، من مختلف الطوائف المتصارعة .
تلك النماذج الثلاثة تؤكد أن التدخلات الخارجية هي التي حولت تلك الدول إلى دول فاشلة , لأنها هزت أسس دستورها وتشريعاتها وقوانينها وأبطلت فاعليتها.
لنشبه الدولة الناجحة أو الفاشلة كما يفعل الكثيرين بجسم الكائن الحي مقارنة بخلاياه وأعضائه , فهذا يوضح لنا الأمور , ويسهل تحديد عوامل نجاح أو الفشل .
في الأساس عوامل النجاح أو عوامل الفشل أكانت للشخص أو الجماعة أو أي كائن حي , هي متعددة . يمكن أن يكون الحظ أي الظروف والأوضاع هي مصدر النجاح أو مصدر الفشل , وعندها يكون النجاح أو الفشل , كاذباً , وغالباً يزول بزوال الظروف والأوضاع , فهناك فرق بين الدولة الناجحة والدولة الغنية .
ويرى البعض أن التصنيع أو العلمانية أو الديمقراطية أو التنوير أو الحداثة , هم من أهم عوامل نجاح الدول , ولكن هذه العوامل في رأي البعض الآخر غير كافية وغير أساسية .
عوامل نجاح وقوة الدولة :
1 - أرض وموارد مناسبة وكافية للنجاح
2 - يتطلب في أول الأمر انتماء موحد وقوي يوحد الأهداف والطاقات والموارد , وتوفر عوامل بناء دولة المؤسسات والقوانين , والانتماء القوي لا يكفي إذا كان هناك عوامل وظروف معادية كبيرة . لماذا مصر لم تستطع الآن بناء دولة ناجحة مع أن أفرادها لهم انتماء قوي موحد . بينما إيران الآن مثلها,هناك انتماء قوي موحد لغالبية أفرادها , وهي سائرة في بناء دولة ناجحة وقوية .
دولة الولايات المتحدة مثال :
تعتبر دول ناجحة وقوية , ولكنها مؤلفة من ولايات وجماعات وانتماءات متعددة ومختلفة , أي الانتماء القوي للدولة غير محقق من قبل كافة الأفراد أي ليس هناك قومية أو أمة واحدة متماسكة , وهذا يعني أن شرطاً هاماً لنجاح الدولة لم يتحقق , ما تفسير ذلك ؟
في الواقع إن بناء الدولة ذات الدستور والتشريعات والقوانين المناسبة والفعالة والمطبقة على الجميع , قد تم نتيجة جهود وتضحية مؤسسي الدولة . وأصبحت مشكلة تعدد و تضارب الانتماءات مسيطر عليها بالتشريعات والقوانين النافذة . وسوف يظهر تأثير الانتماءات المتضاربة إذا ضعفت سلطة الدولة , وعندها سيحصل انهيار كامل للدولة , كما هو حادث الآن في العراق والصومال ولكن على مستوى أكبر .
3 – بناء أنظمة وتشريعات وقوانين مناسبة ويلتزم الجميع بها , بناء حكومة ومؤسسات المناسبة والفعالة والمتطورة ( السياسية الداخلية ) .
4– نشاط و فاعلية وثقافة ( التعليم ونسبته) وحضارة الأفراد , فمن عوامل نجاح أو فشل الدولة , درجة نشاط وتعليم وثقافة وحضارة الأفراد , والملاحظ بشكل عام أن شعوب الشمال البارد أنشط من شعوب الجنوب الحار . أفريقيا – أمريكا الجنوبية - المكسيك – بعض الدول العربية
5 – قدرات مناسبة وكافية للحماية والدفاع عن الدولة , والمشاركة المناسبة والفعالة مع الدول الأخرى ( السياسية الخارجية ) .
6- عدم وجود عوامل طبيعية معادية , أو أعداء من الخارج
7 – استغلال غيرها من الدول ( استغلال مواردها أو شعبها ) .
عوامل فشل وضعف الدول :
1 - انتماءات متعددة ومتضاربة وصراعات داخلية .
2- أنظمة وحكومة غير مناسبة وعدم قوانين مناسبة ويلتزم الجميع بها .
3 – أرض وموارد غير كافية .
4 – نشاط وثقافة ( التربية والتعليم ) وحضارة الأفراد غير كافية .
5 – ظروف طبيعية غير مناسبة , وأعداء أقوياء من الخارج .
أمثلة على الدول الناجحة وأهم عوامل نجاحها .
الصين الآن : تحقق العوامل النجاح الخمسة , وهي لا تستغل غيرها من الدول .
اليابان : حققت الشروط الأربع , مواردها متواضعة , استغلت في وقت سابق دول أخرى .
إنكلترة : مثل اليابان , مواردها متواضعة واستغلت دول أخرى .
الولايات الأمريكية المتحدة : محققة الشروط الأربعة , الانتماء الموحد القوي غير محقق , فهناك الكثير من الجماعات والانتماءات المختلفة المسيطر عليها بالقوانين والتشريعات , تستغل غيرها من الدول .
النيروج - والسويد - كندا : محققة الشروط الخمسة , لم تستغل غيرها من الدول
ماليزيا : محققة الشروط الأربع , هناك انتماءات متعددة مسيطر عليها , ولم تستغل غيرها من الدول .
ظاهرة سنغافورة - هونغ كونغ – تايوان – الإمارات العربية المتحدة .
أن الشركات والمؤسسات الجبارة التي نشأت نتيجة التطورات الاقتصادية , قد نمت وأصبحت بعضها بنيات تفوق بعض الدول قوة وتأثيراً . تؤثر الآن و تتحكم في الدولة فتجعلها ناجحة أو تجعلها فاشلة , وهونغ كونغ مثال وكذلك دبي أو دولة الإمارات . . . مثال على ذلك .
لماذا نجحت دولة كوريا الجنوبية وفشلت دولة كوريا الشمالية , وكذلك ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية , وكذلك تايوان والصين الشيوعية . مع أنهم شعب واحد , وبنفس الظروف والخصائص انقسم إلى قسمين ؟
في رأيي البعض : هذا كان فقط نتيجة اختلاف أنظمة الحكم , أي اختلاف الدستور والتشريعات والقوانين هو الذي أدى لذلك.