من الواضح أن جامعة الدول العربية قد أصبحت اليوم وبشكل فاضح دائرة أوسع لبلدان مجلس التعاون الخليجي ، الذي سبق وفتحَ باب العضوية لكل من المغرب في أقاصي الوطن العربي ، وللأردن وهي من بلاد الشام !!
ولو شاء أعضاء هذا المجلس تسمية الجامعة العربية ، "بمجلس التعاون الخليجي الموسع" لأمكنهم ذلك ،، إلا أن هذا ليس في مصلحتهم ، لأنه حينها لا يستطيعون إضفاء مظلة عربية ، حتى ولو كانت وهمية وخادعة ، على قراراتهم التي ينتزعونها اليوم بإسم العرب ( طبعا كحكومات ، وليس كشعوب ، لا تؤمن ولا تثق بهذه الجامعة !!) .
هذا الوضع شهدناه مؤخرا وبشراسة ضد سورية !!. فالجامعة العربية ، أو مجلس التعاون الخليجي الموسع ، إن شئتم ، يُنفذ بحق سورية مشروع قرار أمريكي لتغيير النظام ، ويرفض كل الإصلاحات التي يقوم بها ، وذلك لسبب بسيط جدا ، وهو أن الأمريكي لم يتمكن حتى اليوم من تنفيذ بند واحد من بنود / إنذار الجنرال باول / التي جاء بها بعد احتلال العراق عام 2003 !!
وها هو ينسحب من العراق بعد ثمان سنوات ولم يُنجِز أيٍ من شروط ذاك الإنذار ، فبات كما الذئب المجروح !!! والجميع يعي شروط ذاك الإنذار الشهير ، والتي تخدم بالمجمل مصالح وأهداف اسرائيل ، قبل مصالح الولايات المتحدة !!. فسورية يجب أن تخرج من معادلة الصراع مع اسرائيل كما خرجت العراق ، وهذا لا يتم إلا بتحطيمها ،، بعد فشل الإنذارات والضغوط !!!.
ومثل أي مشروع خدمي أو استثماري ، مُراد إنجازه ، يتم التلزيم عادة لمتعهد ما لتنفيذ المشروع بشروط الجهة المُلزِّمة !!! وفي الحالة السورية المتعهد هي بلدان مجلس التعاون ، وفي مقدمتها قطر التي وقَّعَتْ شروط العقد بإسم الجميع ،، أما الجهة المُلزِّمة فهي الولايات المتحدة التي تستثمر في الدم السوري النازف !!!. ولا بُد لإنجاز المشروع من التعاقد أيضا مع بضعة شركات متخصصة ، وكان أهمها شركة أردوغان – أوغلو للمقاولات السياسية ( وعنوانها الآستانة – الباب العالي الجديد ،، وهي فرع من شركة الأطلسي أخوان لقتل الشعوب واحتلال البلدان ) وهذه ستُقدم المخططات والمهندسين والمُنفذين وكثير من العتاد واللوازم اللوجستية الضرورية للتنفيذ ، لا سيما أنها شركة حاضنة للإسلاموية السياسية التي ما زالت تتغنى بالعثمانية البائدة ، وتعتبرها خِلافة ، وليست استعمار واحتلال !!!. وبالمقابل يَعتبر التركي أردوغان أن البلدان العربية مازالت إرث عثماني ويحلم بعودتها ولايات تابعة للباب العالي ، خاصة أن مشروع إعادة رسم خارطة المنطقة مطروح وبقوة من طرف الأمريكي الذي قال ذات مرة للمرحوم ياسر عرفات ، عندما رفض التوقيع على شروطهم : / عليك أن تعلم أنك من منطقة قابلة لتعديل الحدود والبشر في أي وقت / !!!.
أما الفرنسي فليس بإمكانه إلا الإنخراط في أي مشروع يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية ، إذ لا يريد أن يخرج من المولد بلا حمُّص ، كما يُقال بالمثل الشعبي ،، ويطمح بالإستحواز على حصته ضمن التوزيع الأمريكي الجديد لمناطق النفوذ والهيمنة ، ولذا لابد له من تنفيذ الدور المرسوم له ضمن إطار توزيع الأدوار على أبطال المسلسل الإستعماري الجديد ، القديم !!!.
وقد يسأل أحدهم ما هي مصلحة مجلس التعاون ، وقطر بالتحديد من هذا المشروع الذي يستهدف سورية ؟؟ وهناك من يُجيب أن مصالحهم كثيرة ، وقسم كبير منها يتقاطع مع مصالح الأمريكي والإسرائيلي :
وأولها القضاء على حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، التي تعتبرها دول مجلس التعاون وامريكا واسرائيل ( أذرع نفوذ ايرانية ) وضرب سورية يعني حُكما القضاء على هذه الأذرع ، بحسب التخطيط الأمريكي ، وهذا ما عبّر عنه جيفري فيلتمان بإحدى لقاءاته مع حلفاء لبنانيين بقوله ،، أن سورية هي الرأس هنا ، وضرب الرأس يعني موت الأطراف .....!! وهذا يعني حُكما الحد مما يصفونه " نفوذ أو تمدد " ايراني في المنطقة !!.
أما قطر تحديدا فهي تعاني عقدة نقص كبيرة كجزيرة صغيرة ، وأسرتها الحاكمة غير محبوبة خليجيا ، وتبحث دوما عن دور لها كنوع من التعويض ،، وعندما تُوكِل لها الولايات المتحدة دوراً ما ، فهذا يُشعِرها بالأهمية والعظمة – حتى لو كانت وهمية -- وهذا ما عبّر عنه مؤخرا وزير الخارجية الليبي السابق ومندوبها الحالي في الامم المتحدة ، عندما انتقد بشدة التدخل السلبي لقطر في ليبيا ، واصفا إياها بأنها أضحت مُصابة بجنون العَظمة !!!. طبعا هذا فضلا عن مسألة بديهية ومعروفة للجميع وهي أن قطر لا يمكنها أن تخالف أية مهمة أو وظيفة تُسندها لها أمريكا ، لا سيما أنها كما شقيقاتها ، محميات أمريكية بإمتياز ، بعد أن كانت قبل ذلك محميات بريطانية بإمتياز ،، وقسم كبير من أرض قطر هي قواعد أمريكية !!!. والأمير القَطري الأول لم يُخفِها عندما أفصح لأحدهم ذات مرة قائلا : " يمكن أن أسير معكم الى النقطة التي لا تتناقض مع مصالح أمريكا ، وعندما تتناقض أتوقف فورا لأنهم ببضع دقائق يخلعوني ويضعون ابن عمي مكاني " !!!.
وهذا يعني أن التنافس يجب أن يكون قائم دوما بينهما لتنفيذ تعليمات الأمريكي للإستمرار في الأستحواذ على الثقة !!!. لا أعتقد أن شيئا مما تقدم سيُزعج أحدٌ ، لأنه الواقع ، ولا ينكروه ، بل أن كوندوليزا رايس سبق وصرَّحت أن هؤلاء يخدمون لنا مصالحنا !!. وطبعا ضربْ سورية من بين هذه المصالح ،، وأعتقد العديد شاهد كوندوليزا رايس وهي تتحدث بسعادة ونشوة على قناة سي ان ان قبل أيام وتقول : ( ان الإطاحة بنظام الأسد سيخدم مصالح أمريكا ) والجميع متفق أن في مقدمة هذه المصالح هي مصالح اسرائيل !!!!.
إذا هؤلاء جميعا هم من رسَى عليهم عقد الولايات المتحدة لإنجاز مشروعها في سورية ، وشروط العقد واضحة هي تغيير النظام ، وعدم قبول أي إصلاح منه ، ومن هنا كانت الأعمال التمهيدية لهؤلاء منذ البداية تعجيزية واستفزازية وعدائية تجاه سورية ،، وكان الضغط كبيرا إن لجهة الشروط المطروحة أو لجهة الزمن ،، الأمر الذي لم يحصل في الحالة اليمنية ،، حيث استمر الحوار أشهرا طويلة ، ولم يتم هذا التصعيد ،، وبذات الوقت ترعى قطر وبلدان خليجية أخرى مشروع قرار في اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة ضد سورية ، وصَفَه المندوب السوري بأنه اعلان حرب سياسية ودبلوماسية !!. فَلِمَ كل ذلك وبهذه السرعة ؟؟. وهل يحق لهؤلاء أن يكونوا وسطاء في الأزمة السورية ؟؟.
أما بالنسبة للبحرين فكانت مبادرتهم الوحيدة هي إرسالُ قوةٍ مما يُعرف – درع الجزيرة – وخلافا لميثاق المجلس ،، لدعم الأسرة الحاكمة عسكريا في قمع الحراك الشعبي السلمي بإمتياز ،، إذ لم يحصل حتى الآن أن شاهدنا في البحرين مُعارض يستخدم السلاح ويقتل ويخطف على الهوية المذهبية ،، وحتى الحكومة لم تجد حالة من هذه !!!. هؤلاء لو سَخَّروا واحد بالمليار من جهدهم هذا وأموالهم من أجل تحرير الأقصى ، لَحرَّرناه منذ أربعين عاما !!!. وللمفارقة ، أنهم هم من يرعون قرارات في اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالجمعية العامة وسجلاتهم في هذا الموضوع من أسوئها بالعالم !! والبارحة فقط أفتُوا بمنع المرأة من إظهار عينيها الجميلتين لأنها تُثير غرائزهم ، فألا يستحق ذلك عشرات القرارات في لجان حقوق الانسان ؟؟!!! والنكتة أن البحرين تنضم إليهم !!. وهذا أشبه بذاك الأعمى الذي وقف على السطح عاريا مُعتقدا أنْ لا أحدٌ يراه ؟؟!!.