لم يعد الحديث عن مجموعات مسلحة توجد في الأماكن الساخنة وتمارس العمل المسلح على الساحة السورية، يتطلب الكثير من الجهد لإثباته..
فقد اعترف عدد من رموز المعارضة الخارجية بذلك، وإن جاء تحت لافتة ما يسمى بــ”الجيش السوري الحر” الذي يقوم بعمليات الكمائن والخطف والقتل، بل ذهب بعض أركان المعارضة وقوى خارجية أخرى منذ مدة إلى المطالبة بإنشاء “مناطق عازلة” أو “ممرات إنسانية آمنة”، وحظر للطيران، وبالتالي تدويل الأزمة.. وكل هذه المطالبات تعني شيئاً واحداً هو الدعوة للتدخل العسكري الأجنبي المباشر في سورية.
إن كثرة تداول هذه المصطلحات توحي للمتابع أن التدخل العسكري، أكان دولياً أم من قبل حلف الناتو أو تركياً مدعومة منه ومن دول عربية معينة، أصبح وشيكاً أو قدراً لا رادّ له، في محاولة لنشر الهلع والقنوط بين أوساط الشعب السوري. غير أن الكثير من الوقائع على الأرض تشير إلى أن الإقدام على مغامرة عسكرية مباشرة دونه العديد من العوائق التي تجعله صعب التنفيذ، ومن أهمها
1- إن العمل العسكري المباشر تحت أي مسمى، يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه الآن، بسبب الموقف الصلب الذي تتخذه روسيا والصين ودول أخرى، وهو موقف نابع من مصالح استراتيجية لهذه الدول، تتعلق بأمنها ومصالحها السياسية والاقتصادية ودورها في الحياة السياسية الدولية، وإدراكها المخاطر الجدية على أمن المنطقة والسلام العالمي، بسبب هيمنة القطب الأمريكي.
2- إن أي مغامرة عسكرية ضد بلد مثل سورية، يتطلب إنفاق مئات مليارات الدولارات، في الوقت الذي تعاني أوربا والولايات المتحدة أزمة مالية حادة وعميقة وطويلة الأمد، أوصلت عدداً من الدول إلى حافة الإفلاس، وفجرت فيها احتجاجات شعبية واسعة.
3- رغم قرارات الجامعة العربية الأخيرة، التي عملت قطر ودول أخرى لتكون مقدمة للتدخل الدولي، إلا أنه يلوح في الأفق بوادر تذمر من قبل عدد من الدول العربية من هذه القرارات، إما بسبب الأضرار الاقتصادية التي ستتكبدها، وخاصة دول الجوار لعلاقاتها الشديدة التشابك مع سورية، مثل لبنان والعراق والأردن، أو بسبب توجس بعضها الآخر من الدور الذي تلعبه قطر وطريقة تعاطيها معها بشكل يؤدي إلى إضعاف دور دول عربية كبرى مثل مصر والسعودية، بل وتهميشها، الأمر الذي يتعارض مع تاريخ هذه الدول ودورها ووزنها وإمكاناتها الموضوعية.
4- بدء تكوّن مصالح إقليمية مشتركة لا يمكن إهمالها وستكون ذات تأثير متزايد مؤلف من إيران وقدراتها الاقتصادية والعسكرية وعلاقاتها الاستراتيجية مع سورية، ومن العراق الطامح بعد زوال الاحتلال للعب دور إقليمي وعربي فاعل، إضافة إلى علاقاته الاقتصادية المهمة مع سورية.. هذه المصالح ستقود على نحو أو آخر إلى تحالف ما، سوري- إيراني - عراقي، يشكل رادعاً لتركيا أو للناتو من القيام بحماقة تُدفَع إليها.. وإذا أضيف إلى ذلك دور ووزن حزب الله وحركة حماس يصبح العائق أكبر.
5- هناك قوى فاعلة في صفوف المعارضة السورية الوطنية، عملت طوال تاريخها من أجل أهداف وطنية مبنية على الدفاع عن استقلال البلاد ومصالح الشعب، وهي إذ تطالب محقة بالحرية والكرامة والديمقراطية ومكافحة الفساد والقمع، ترى أن عملاً عسكرياً أجنبياً لن يحقق هذه المطالب، بل سيؤدي إلى المزيد من القمع وفقدان الحرية الشخصية والوطنية، وضياع الأهداف القومية.
6- إن قدرات سورية العسكرية التي يمكن أن تكبد الغزاة أثماناً باهظة قد لا يستطيعون تحملها، تشكل رادعاً لا يمكن إسقاطه من الحساب.
7- إن تعلق السوريين بأرضهم خلال نضالهم الطويل واحتضانهم لكل من يناضل ضد الاحتلال والظلم والقهر، يشكلان تربة خصبة ستنبت مقاومة لا حدود لها، تشمل جميع مكونات الشعب، وبضمن ذلك المعارضة الوطنية.
إذا كان العمل العسكري الآن غير ممكن، فما هو المسار الذي يمكن أن يكون بديلاً له لإنهاك سورية الوطن والدولة، إضافة إلى العقوبات؟
من المرجح أن يتوجهوا إلى الداخل ليتصاعد العنف وأعمال القتل والاغتيال والتخريب وانعدام الأمن إلى مستويات غير مسبوقة، لتفتيت وحدة السوريين، في ظل الإصرار على تنفيذ المؤامرة الكبرى على سورية.
إن الرد الصحيح الذي يفتح الباب لحل الأزمة في سورية، ويطوق مساعي الحملة الشرسة المستمرة عليها، ويضع الأسس الكفيلة بإعادة الثقة والانتقال إلى عملية التحول الديمقراطي، يكمن في تلبية المطالب المحقة لجماهير الشعب، وتنفيذ حزمة الإصلاحات السياسية بشكل يشعر معه كل مواطن بأن تغييراً يجري على الأرض، وخصوصاً إنجاز الدستور التعددي الجديد. ولا ريب أن إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والمعتقلين الأبرياء من أي عنف في المظاهرات التي جرت، والعمل الجاد لعقد مؤتمر للحوار الوطني برئاسة السيد رئيس الجمهورية، يخلق ظروفاً مواتية لعملية التحول الديمقراطي ولرص صفوف الشعب السوري، وإذا كان لابديل من الحوار لرسم ملامح مستقبل سورية بمشاركة كل القوى الوطنية، فإن تنفيذ ما يُتفق عليه في الحوار هو المحكّ.
في غمرة هواجسنا السياسية، وخطر التدخل العسكري المباشر، ولو كان منافياً للمنطق، يجدر بنا أن لا ننسى أن طبقتنا العاملة وجماهير الفلاحين وجميع العاملين بأجر، لهم مطالبهم الخاصة، وهي تتمثل بتحسين أوضاعهم المعيشية، وهم اليوم في ظروف العقوبات المفروضة على سورية، سيكونون أول وأكثر المتضررين منها، وعلى الحكومة أن تعمل على حمايتهم.
لنختلف كما نشاء، ولنتفق على حماية الوطن!
“النور”