لا يجادل أحد أن الأنظمة السياسية وعلى امتداد الساحة العربية ، وخاصة جزيرتها وخليجها ، تحتاج الى إصلاح شامل من المغرب العربي وحتى المشرق ، أو من المحيط الهادر الى الخليج الثائر .
كما كنا ننشد في يوم من الأيام لعملاق هذه الأمة المرحوم جمال عبد الناصر، وذلك قبل أن يتندر البعض على ما آل إليه الحال ، ويُحوِّل الأنشودة إلى عبارة أخرى على نفس الوزن ، ولكن شتِّان ، فيردد ساخرا : من المحيط الدا..... الى الخليج العا .... ( وأترك إملاء الفراغات للقراء ) ، وذلك بعد أن استبدلنا غزلاننا بالقرود ، كما يقول المثل العامي ، وبعد أن ماتت رابطة العروبة وحلّت مكانها رابطة "" شالوم ياعرب شالوم "" ، وبعد أن بتنا ننهش لحم بعضنا حيِّاً ، وليس ميتا ، ثم نتناول القهوة التركية والكوكاكولا الأمريكية لنهضم لحومنا ، وقد باتت لدى البعض اشهى من لحوم العَوَاس ، ولكنها عسيرة قليلا على المعدة والأمعاء وتحتاج الى المُهضمات التركية والأمريكية والاسرائيلية ، وبعدها لا بد بالطبع من بعض حلويات فطير صهيون كي نشعر بالشبع ونحمد الله ونشكره على نعمته هذه ، وهو من أعزَّنا قبل كل شيء بنعمة الإسلام !!!.
لِمَ لا ، والعقل اليهودي كما وصفه أحد ملوك العرب الراحلين ( ذكي) ويمكن الإتكاء عليه في رسم خارطة مستقبلنا ، وها هو اليوم يخترع لنا الاعداء والأصدقاء ، ويبتدع لنا الحلول الأنجع لثقافتنا وإنتماءاتنا ، وهي أن يذهب كل إلى كانتونه الخاص به ويعلنه دويلة مستقلة على أساس الطائفية والعُرقية والجهوية ، وسيسارع العقل اليهودي الصهيوني لمساعدتنا بإعلانه الإعتراف بنا جميعا ، وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الجميع حتى لا يُتَّهم بالإنحياز ، وتزويد الجميع بالسلاح ليفتكوا ببعضٍ أكثر ، وحتى لا يُقال عنه أنه مع هذا الطرف أكثر من ذاك ( وحاشى له ذلك) فهذه تهمة لا تتماشى مع قيم الصهيونية التي فاقت جرائمها في التاريخ جرائم النازية !!!.
ألَسنا نعيش سخريات الأقدار التي قرأنا عنها في كتب السحر والشعوذة والبِدع والخرافات ؟؟؟. ألَيست من سخريات الأقدار أن يجلس العثماني السلجوقي في مجلس اسمه مجلس العرب ، بدلا من بلد عربي يختزل كل تاريخ العرب وفخرهم ، اسمه سورية !!!. وهل يمكن لعربي أن يتحدث عن تاريخ العرب دون أن يتحدث عن سورية !!. أليست هي من صنع مجد العرب الذي يعتزون به عندما كانت أوامرها تُنَفَّذ من أسبانيا وحتى حدود الصين !!!. وإن شَطَبنا تاريخ سورية من تاريخ العرب ، فهل سنفخر بتاريخ الجاهلية عندما كانوا ينهشون بعضهم ، كما باتوا يفعلون اليوم مجددا بعد أن عادوا الى جاهليتهم الأولى ؟؟؟ وهل كان على خطأ المرحوم نزار قباني عندما قال :
فمن المحيط الى الخليج قبائلٌ تَرُفتْ فلا فِكرٌ ولا آدابُ
في عصرِ زيتِ الكازِ يطلُبُ شاعرٌ ثوباً وتَرفلُ بالحريرِ قِحابُ !!
أليست من سخريات الاقدار أن يضع بعضنا يده بيد الصهيوني ضد الآخر ويستعين به عليه !!!. ماذا بات ينقصنا سوى تطوير المناسف العربية بإستبدال الخِرفان المتنوعة فوقها بالجثث المتنوعة ، ونُصَنفها كما الخرفان ، بحسب الفصيلة المذهبية والطائفية ، ثم لا ننسى آداب الطعام في الاسلام وضرورة أن نُسمي باسم الله قبل أن نمد أيدينا على الطعام ، ونشكره ونحمده على فضله هذا بعد الإنتهاء منه !!
يا للعار ،، يا للعار ، ماذا يمكننا القول سوى ذلك في ظل جنون التطرف الديني والسلفية التكفيرية التي تقبل راضية مرضية بأن يأتي اليهود من كل حدب وصوب الى مصر ليحتفلوا في شهر كانون ثاني من كل عام بمولد الصوفي اليهودي " أبو حَصيرَة " على طريقتهم ،، بينما ينكرون ذلك على أحبة حفيد رسول الله ،إحياء لذكراه ، ويعتدون عليهم بالضرب في ذكرى عاشوراء ، ويفجرون بهم القنابل في أماكن أخرى ؟!! وأنا لا أُناقش هنا رأيي الشخصي في هذه الإحتفالات ، ولكن أي كان ، فَلِمَ هذا الحقد !!!.
أَلَيسَتْ من سخريات الأقدار أن لا نسمع من أفواه البعض إلا كيفية مواجهة إيران وكأنها هي الجسم الغريب ، أو الطارئ ، على المنطقة ، أو أنها هي من يحتل فلسطين ويطرد شعبها ، ويُدَنس مقدسات المسلمين ،، بينما كانوا في عهد الشاه لا يجرأون في الهمس عليه حتى في غرفهم الخاصة وهو من كان يُلَقَّب بـ ( شرطي الخليج ) !!!. هل نسيوا أن اسرائيل قامت عام 1948 ، أي قبل قيام الثورة في ايران بـ 31 عاما !! وأن اسرائيل شَنَّت عدوانها عام 1967 واحتلَّت الضفة الشرقية والقدس والجولان وسيناء ، أي قبل 12 عاما من قيام الثورة في ايران !! وأن اسرائيل احتلَّت جنوب لبنان عام 1978 ، أي قبل عام من قيام الثورة في ايران !!
فمن كان يتآمر على هذه الأمة كل ذاك الزمن ؟؟ هل نسيوا أن أمريكا احتلَّت العراق عام 2003 بموافقة ومساندة ودعم ومباركة بلدان مجلس التعاون ومصر حسني مبارك ، وأن ايران كانت مُتفرجة فقط !!! أم أنهم كانوا ينتظرون من ايران أن تتصدى لإحتلال العراق الذي انطلق من أراضيهم ومياههم وأجوائهم !!! ولو فعلتْ ذلك أمَا كانت دخلتْ في مواجهة مباشرة معهم كشركاء للأمريكان في احتلال العراق !!!
وها هي أمريكا تُهيمن على المنطقة ، والمشروع الصهيو – أمريكي واضح في تقسيم المُقَسَّم الذي لن ينجو منه أحد ، إن نجح لا سمح الله ، فماذا تبقى لإيران لتتآمر عليه بربِّكم !!!. وهل لولا مساعدة ايران لحزب الله كان تحرَّر جنوب لبنان ( طبعا لا أحد يمكنه تجاهل الدور السوري أيضا ) فهل جنوب لبنان أرض عربية أم ايرانية !!. وهل نتجاهل مساعدة ايران لحركة حماس والفصائل الأخرى في المقاومة الفلسطينية للصمود في غزة ،، فهل هذه أرض ايرانية أم عربية !!!. لماذا لا يقوم المُحرضون على الكراهية والفتنة ، ويُغذون المشاعر المذهبية بدور ايران بدعم الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني لإسترجاع أراضيهم وحقوقهم المغتصبة ،، ويفرضون على إسرائيل ومن يقف خلفها بعضاً فقط من العقوبات التي اتخذوها بحق سورية كنوع من الضغط لتقبل مبادرتهم التي وضعوها منذ آذار 2002 ورَمَتها اسرائيل في سلة المهملات ؟؟؟!!
أنا لا أدافع عن ايران ، وهي ليست بحاجة لي ولا لقلمي ، ولكن أتحدث من خلال رؤية سياسية تحليلية واقعية ... والتحليل السياسي ، كما البحث العلمي ، يجب أن يلامس الموضوع من كافة جوانبه حتى يكون البحث صحيحا ويتمتع بالمصداقية ويصلح كبحث علمي !!..
أليسَ كل شيء في هذه الأمة يوحي أنها ذاهبة نحو الإنحدار و الإندثار بسرعة البرق مع استمرار التطرف الديني والتعصب المذهبي والطائفي ، وانتشار الإسلام السياسي ، والفكر السلفي التكفيري الذي يرفض ثقافة الآخر والإعتراف به ، ويُشَرِّح المجتمعات طائفيا ومذهبيا !! وهنا يجب أن نُميِّز بينه وبين الفكر السلفي الإيماني الذي يعني التمسك بالمحبة والتسامح والقيم واحترام الآخر ، بعكس الأول الذي ينشر الكراهية والحقد والفرقة بين مكونات الأمة !!!.
المسلمون هم الأكثر بين الأديان مباهاة وإعتزازا بدينهم ،، وبالمقابل هم الأوحد بين بني البشر فتكاً ببعضهم البعض بإسم دينهم !!! أليست هذه مفارقة عجيبة !! أهلنا وأخوتنا في الطوائف المسيحية بكل تنوعاتها وكنائسها وخصوصياتها ، يُوحدها الثالوث المقدس ، ورمز الصليب ،،، واليهودية بكل مدارسها وتفرعاتها واختلافاتها ، من مذهب الكبَّالة (القبَّالة) ومدرسة موسى ابن ميمون ، وإسحاق لوريا ، وحتى أبو حَصيرَة ، وغيرها من عشرات المدارس المختلفة ، مع الأشكنازي والسفارديم ، تتوحد جميعا خلف نجمة داوود !!!. ويتوحد البوذيون خلف تمثال بوذا ، الذي إنهال عليه البعض بالمهدات والمطارق ، كي يزيلوه عن سطح الأرض ،، ويتوحد الهندوس حول ( البقرة ) كما يُقال ..!! وهناك من يتوحدون على عبادة الشيطان !!! بينما لم يتمكن إجماع المسلمين على القرآن الكريم ، وعلى الرسول محمد (ص) وعلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وعلى الصوم والصلاة والحج والزكاة ،، لم تستطع كل هذه القواسم المشتركة بين كل المسلمين أن توحد بينهم شعرة واحدة !!!.. أليس هذا عجب العجاب !!! ماذا يعني كل ذلك ؟؟ هل يعني أننا أسلمنا ولكن لم يدخل الإيمان الى القلوب ؟؟ وأنا أتسائل فقط وأشمل نفسي بالسؤال حتى لا اُفهَمَ خطاً !! وأترك الجواب لمن يهمه الجواب !!!..
مطلوب منا كمسلمين لنعيد تصويب الإسلام ونجدده كل مائة عام ، تيمما بما قاله رسول الله (ص) ، أن الله يبعث في أمتي كل مائة عام من يجدد لها دينها ، مطلوب من المسلمين إعادة فلترة وتنقية الدين على الأسس التالية ، وسأجتهد قليلا ، طالما أن الإجتهاد أصبح مُباحا للجمبع ، والفتاوى حسب الطلب ودونما ضابط ( وما حدا أحسن من حدا ) :
** أن نلفظ من الاسلام كل دعاة الفتنة والتحريض والكراهية ، من أي مذهب كانوا ...
** أن نلفظ كافة الكتب الدينية التي وُضِعت عبر التاريخ من أي طرف ، ودعت الى الكراهية والتشكيك والتكفير ، ورفض الآخر والإستهزاء من مذهبه ....
** أن تعترف كل المذاهب الإسلامية ببعضها ، أسوة بالمسيحية واليهودية ، وأن يلتزم الجميع بأساس من أسس الإسلام وركائزه وعقيدته وهو : كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وعرضه وماله ...
** التوقف عن تسييس الدين والإستثمار به لأغراض دنيوية زائله ، وتحقيق مطامح خاصة قد تجعل منا عبيدا للدنيا ، وتتوقف أرواحنا من التحليق عاليا نحو السماء والصفاء لأنها إنشغلت بماديات الحياة ، فالدين لله والوطن للجميع ....
** الإبتعاد عن كل أشكال التربية والثقافة التي تزرع الحساسية والكراهية بين أبناء الطوائف والمذاهب ، في البيوت أو سواها ...
** أن يتم ضبط الفتاوى من أية جهة كانت ، لا سيما إن كانت تنعكس سلبا على الأمة ، أو تزيد من الشروخ بين أبنائها ،، أو تعطي للغرب صورة سيئة ومتخلفة عن الاسلام ، وهاهم في الصحف الغربية والمواقع يتهكمون من عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة ، وعدم السماع لذات العيون الجميلة من إظهار عيونها ، وإعتبار وجه المرأة عورة كما (فر.. ها ) !!!
** إحترام أديان كل البشر ، حتى لو كانوا من عَبَدة البقر ، فالله هو من سيحاسب الجميع في ما بعد الموت ، أو يوم القيامة ، وليس من حق مخلوق في هذا الكون أن يعتبر ذاته الحقيقة المطلقة ، ومن حقه ، أو واجبه محاسبة أحد على عقيدته ، لأن في ذلك تَعَدٍّ على حقوق ومهام الخالق ،، الذي لو شاء لخلق البشر كلهم أمة واحدة ،، وهو من قال لا إكراه في الدين ،، ومن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ،،، وإنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ،، والتقوى لا تستقيم مع الكراهية والقتل والخطف والحقد والثأر والإنتقام !!! ( إلا إن كان هناك من يمتلك هاتف ثريا من نوع خاص جدا يتواصل فيه مع الخالق كل يوم ويتلقى التوجيهات والتعليمات مباشرة ) !!! ومن لديه ذلك فعليه أن يُثبت لنا ، وإلا أن يتوقف عن إعتبار ذاته مُميزا ويمتلك الحقيقة ، فهذه ليست ملكا لأحد !!! وإذا سلَّمنا بذلك فحينها يجب أن نُسَلِّم بإدعاء اليهود أنهم " شعب الله المختار " ،، وأن نُسَلِّم بخرافة الرئيس السابق جورج بوش ، أن الله هو من أوحى له بإحتلال العراق ، وهو من يوحي له بماذا عليه أن يفعل !!!.ش
هذه اجتهاداتي وإن أخطأت فلي أجر ، وإن أصبت فلي أجران ، أي بالنتيجة سأبقى في الجانب الرابح ، والله من وراء القصد ....