يقولون أن النجاح بالدراسة أو بالأعمال أو بالمشاريع يلزمه قوة إرادة .
إن هذا لا يكفي فيجب توفر أيضاً البنيات التحتية الجسمية والفكرية والثقافية والظروف المادية والاجتماعية المناسبة لتحقيق هذا النجاح .
هل يستطيع مدمن التدخين أو مدمن الكحول أو مدمن المخدرات أو مدمن القمار . . . الخ التوقف عن إدمانه ؟
البعض يقول : أن هذا راجع لقوة إرادته فالذي قوة إرادته قوية يستطيع التوقف عن إدمانه والذي قوة إرادته ضعيفة لن يستطيع , ولكن إلى أي مدى تكون هذه القوة ؟
أنها طبعاً لها حدود , فإذا كانت قوة إدمانه كبيرة جداً كإدمان الهيروين مثلاً , فلن يستطيع مهما حاول , ويجب أن يتلقى مساعدة من الآخرين .
إلى أي مدى كانت قوة إرادة البوذي ( الفكرية) الذي شاهدناه منذ بضع سنين في التلفزيون , والذي أحرق نفسه احتجاجاً , وظل جالس وهو يحترق يقاوم ألم الاحتراق فترة طويلة ثم مال ووقع .
وهل يستطيع المتعبد الملتزم المداوم على ممارسة شعائر دينه أن يقوم بإرادته بالانقطاع عن ممارسة هذه الشعائر ؟ على الأغلب سوف يكون هذا صعب جداً عليه .
ما هي خصائص النفسية والجسمية والفكرية والثقافية للشخص القوي الإرادة , والشخص الضعيف الإرادة ؟
و ما هي عناصر وعوامل قوة أو ضعف الإرادة ؟
لقد نجحت بتفوق فتاة درست على ضوء الشمعة وفي ظروف صعبة , ورسب شاب أمّنت له كافة الظروف المريحة للدارسة . لقد كان الدافع القوي للفتاة هو الذي قوى إرادتها على بزل أقصى ما تستطيع من جهد وحققت النجاح والتفوق , بعكس الشاب فقد كان دافعه للدراسة ضعيف وكذلك قوة إرادته على الدراسة وبزل الجهد ضعيفة . إن لقوة الدافع تأثير أساسي على قوة الإرادة .
ونحن نلاحظ قوة أرادة الرياضي الذي يتمرن ألاف الساعات في سبيل تحقيق فوز في الألعاب الأولمبية , وقوة إرادة لاعبي فريق كرة القدم لتحقيق الفوز .
ما هي قوة إرادة المشرف على الغرق للسعي للنجاة , أو قوة أرادة الهارب من النار ؟
هي حتماً في قمة القوة .
إن للمكافـأة والعقوبة تأثير كبير على إرادة الأشخاص . إن كافة أشكال التعلم تعتمد على المكافأة والعقاب من أجل توجيه المتعلم والتحكم بإرادته . فالطفل نريبه ونوجهه ونعلمه بالاعتماد على المكافأة والعقاب , ربما نستخدم المكافأة أكثر , ولكن لابد من استخدام العقاب .
كانوا سابقاُ يقولون : إعمال صالحاً تذهب إلى الجنة وتكافأ , وعمل شراً تذهب إلى النار وتعاقب . " وأنت حر في اختيارك " أي كف عن التصرفات التي تضر بك أو بالأفراد الآخرين أو بالمجتمع وعمل ما يفيد , ولكن ظهر أن هذا لا يكفي .
فالآن هناك الأنظمة والقوانين والعقوبات التي تفرض على إرادتنا عمل ما يفيدك ويدعم المجتمع , أي المطلوب فعله والمسموح به , و تحاشى الممنوع . و بذلك يوجهون ويتحكمون بإرادتنا .
إرادة البنيات
هل للجماعات والدول والشركات والمؤسسات . . إرادة ؟
كانت الجماعات تعتمد توحيد أرادات أفرادها وتقويتها عندما يكون الوضع بحاجة ليعمل الكل في سبيل تحققي الحاجات الأساسية والضرورية للجماعة , كتأمين الطعام والمأوى والدفاع عن الجماعة وعن ممتلكاتها , وكانت العادات والتقاليد والأخلاق تدعم ذلك . وكما ذكرنا كان يتم التحكم وتوجيه إرادة الأفراد وكذلك الجماعات بالعقوبة والمكافأة .
بعد أن يقوم الأفراد بتكون الشركات أو المصانع أو المؤسسات أو الأحزاب أو الدولة , الملاحظ أنه تتكون لهذه البنيات التي أنشؤوها ما يشبه الإرادة , فهي تسعى للحفاظ على نفسها واسمرارها ونموها . وفي كثير من الأحيان تصبح إرادة هذه البنيات أقوى من إرادة الأفراد الذين أنشؤوها , وتفرض إرادتها عليهم , ويمكن أن يضحوا حتى بأنفسهم في سبيلها . وهناك الكثير من الدلائل والوقائع التي تؤكد ذلك .
والآن تطورت الأمور وتعقدت , وصار كل شيء منظم ومدروس وله تشريعاته وقوانينه . وأصبحت الأمور كبيرة وواسعة , على شكل مشاريع يجري دراستها والتخطيط لها , ودراسة تكاليفها وجدواها, وعند تنفيذها لا يكون لتأثير إرادة العاملين فيها كبير وحاسم , فكل شيء مدروس احتمالاته وبدائله . وهناك مدراء أو مجلس إدارة هو المسؤول .
السلطة والإرادة
كلما كبرت وتوسعت سلطة الفرد أو كبرت ثروة الفرد , أو الجماعة , توسعت مجالات إرادتهم , فامتلاك المال هو شكل من امتلاك السلطة فالمال هو بمثابة سلطة . و هذا أدى للسعي المحموم للأفراد وللجماعات لامتلاك السلطة أو المال , وبشكل غير محدود , وبالتالي الصراع الدموي على امتلاك السلطة أو المال . وأصبح الصراع على امتلاك السلطة أو المال هو صراع الإرادات .
فبواسطة السلطة أو المال نفرض إرادتنا على الآخرين . وفرض الإرادة الذاتية على الآخرين والتحكم بإرادتهم وتوجيهها هو أهم الدوافع والغايات لدى الكثير من الناس .
وأدى الصراع الهائل على السلطة , إلى نشوء أفراد أو جماعات أو دول سلطتها كبيرة وتتزايد باستمرار . وهذا له نتائجه الوخيمة على أكثر من مجال . وهنا نجد أن أهمية توزيع السلطات وعدم جعل فرد واحد أو جماعة معينة واحدة امتلاكها , الوقوف في وجه هذه ومنعه , وجعل السلطة موزعة على بنيات عديدة ولا تملكها أو تسيطر عليها بنية واحدة .
فنحن نلاحظ أن العمليات الأساسية والهامة جداً بالنسبة للكائنات الحية و لدى الإنسان , مثل عمل القلب والهضم والتنفس . . لا تخضع لسيطرته وإرادته التي يمكن أن تكون متقلبة وتضربه , فلا يستطيع أي إنسان إيقاف نبض قلبه , أو إيقاف تنفسه بقصد الانتحار .
وكذلك يجب أن تكون العمليات والقضايا الأساسية والهامة لدى الجماعة أو الدولة , غير خاضعة لمشيئة أحد , بل هي معتمدة ومقررة سابقاً نتيجة ثبوت ضرورة التقيد بها حفظاً على الجماعة واستمرارها ونموها . وهذه تكون ممثلة في الدولة الآن بالدستور .