news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
وداعاً يا ابنتي وفي أمان الله ... بقلم : محمد عصام الحلواني

بسم الله الرحمن الرحيم


كان لدي خليط من المشاعر المتناقضة من فرح وحزن وألم يعتصر قلبي  وغصة طعمها مر وسعادة وسرور وكلها قد اجتمعت في قلبي مساء أمس .

 

بالأمس كانت فرحة أبنتي البكر ( ملكة ) وقد أعددنا لها حفلة صغيرة جمعت الأهل والأقارب . وعدد قليل جداً من الأصدقاء . وودعها المحبون لأنها ستسافر إلى محافظة أخرى لتسكن بيت الزوجية حيث يقطن زوجها . وقد شكل هذا الحدث منعطفا في حياتي النفسية .

 

هي أرادت أن أزفها إلى بيت زوجها بسيارتنا . فأعددنا العدة للسفر وكانت العروس بكامل أناقتها ورونقها . وقد أتى خطيبها إلى الشام  رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا , أتى مع أهله ليأخذوا عروسهم من بيتنا . وكان ذلك . وبكى معظم من كان حاضراً إلا أنا . أوصلناها وبكى هناك أيضاً كل من كان حاضراً إلا أنا . ثم زفت العروس إلى بيت زوجها وجلسنا معهما دقائق وودعناها وبدأنا بالخروج من الباب . فبكت ابنتي وقالت لي     ( بابا أريد أن أعود معكم إلى دمشق ) وبكى الجميع وقد كادت تخرج روحي مع  دمعتي من عيني قهرا لكني سيطرت على نفسي وداعبتها ممازحا ( يا أبنتي صار هذا بيتك )  

 

وعند النزول على درج البناء كادت الغصة في حلقي تقتلني . لكني صبرت وحمدت الله على هذه النعمة  .  ثم رجعنا وحدنا على الطريق من صافيتا إلى دمشق . وطول الطريق وشقيقتها الأصغر سناً تبكي بحرقة ومرارة شديدتين  . ولم أبكي أيضاً . وصلنا إلى دمشق ومنذ وصولنا تحولت إلى رجل عصبي المزاج حاد الطباع  ورد الفعل عندي سريع وأحمق . أنا ناقم على كل ما يجري حولنا وعندي كلام كثير أود البوح به . ولم يعد صدري يتسع لكل ما يحيط بي كعادتي . على كل حال .

 

 وبعد مرور عدة أيام وتتالي الاتصالات بيننا وبين ابنتي وشعوري أنها بخير وسعيدة . هون ذلك كله علي وبدأت أعود إلى طبيعتي تدريجيا , لا أقول أنني صرت كما كنت سابقا ولكنني أعود إلى رشدي . إلا أن ما أود قوله هو أن كل ما يحيط بنا سينتهي ذات يوم وستجد الأيام منفذاً لتبدد ما نجمع وتفرقه . وسيتفكك الحصن المنيع الذي نحصن أنفسنا فيه فنحن مخلوقون للفناء لا للبقاء .

 

كنت أرى أن ابنتي قد كبرت ونضج عقلها وإدراكها وأنه قد أن لها أن تجد أبن الحلال وتتزوج  . وما أن تحقق ذلك حتى شعرت بأنها عادت تلك الطفلة التي أحببتها طوال عمري وتعلق فؤادي بها لدرجة الجنون . وأنها خرجت من بيتي صغيرة جداً . هكذا شعرت وأشعر الآن ,

 

الآن أنا وحدي في عالمي في غرفتي  مع الكتابة والرسم ولا أحد يراني على غير ما أحب إلا الله .  لذلك فإن دموعي الغزيرة تمنع عني رؤية ما أكتب . ولم أعد أرى الحروف جيداً فلقد خرج ما كبتت في نفسي طيلة تلك الأيام .

 

ماذا أقول : أأقول  ( لا أفجعكم الله بعزيز ) , أم أقول ( عقبا للأحبة ولكل من عنده بنت يريد أن يفرح بها ) , أم أقول  ( عقبا لكل فتاة تريد الزواج ) ,

تركت ابنتي فراغا شق فؤادي نصفين ولن يرتق هذا الشق إلا أن أراها سعيدة . 

 

صحيح أنني كنت أختلف معها في معظم نهج تفكيري . وأنها كانت تواجهني برأيها بكل شجاعة . لكن كل ذلك ذهب أدراج الريح الآن . فلقد أصبحت في عالم الواقعية المؤلم وستدرك وحدها صوابية بعض أفكاري التي كانت تجادلني فيها . لأن حكمها كان يستند إلى المعلومات النظرية فقط والآن ستتكشف لها أبعاد واقعية ما كانت لتدركها  إلا بالتجربة الحسية والمباشرة المادية الواقعية .

 

الحقيقة أنني ارتكبت خطيئة قاتلة في علاقتي بابنتي فلقد فتحت لها أبوابا من قلبي وحجرات لم أدخل إليها أحد سواها . وبذلك كان تعلقي فيها مرضيا ولم يكن طبيعياً . 

 

( أحبب حبيبك هوناً ما  فقد تفارقه يوما ما ) . وهذا سبب الغصة الكبيرة جداً عندي الآن . فلقد فقدت ركنا مهما في حياتي . ولا أخفي شيئاً إذا اعترفت أنني تمنيت أن لا تفارقني  (ملكتي ) أبداً .

 

لا أعلم علاجا ناجعاً للحالة الهستيرية من البكاء التي تنتابني ولا تتركني الآن ولكني على يقين أن الله سينزل السكينة على قلبي الذي تعلق به سبحانه طوال عمري .

 

أنا جداً أسف أنني أكتب عن فرحة ابنتي بهذه الظروف ولكن أقسم بالله أنني قد أجلت فرحها كثيراً على أمل أن تفرح هي وبلدنا في عرس واحد ولكن الأمور طالت وقلت الخيرة فيما اختاره الله . 

 

ابنتي الغالية وعمري وعيوني . شق علي فراقك جدا فلقد بكى الجميع في البداية قليلا ولكني الآن كل يوم أبكي كثيراً . وفقك الله وأنار دربك بهداه أنت وزوجك . ولا أراني فيكما مكروها أبداً .

 

ابنتي الغالية أطيعي زوجك ثم أعبدي الله فإن مقدمة قبول العبادات طاعة زوجك . وكلما كنتِ حسنة معه كان لكي أحسن .

بني وصهري الغالي . يا من أعطيته أعز ما لدي لا أريد منك إلا أن تكون بخير وترعاها وتكون لها عوضاً فتنسيها ألم البعد عن أهلها . فكلما كنت رجلاً سهلت لق ولانت . وكلما كنت عطوفا صارت لك أرضا تزرعها بما تشاء . بارك الله بكما وحماكما من كل مكروه .

 

هذه كلمات من أب فقد فقداً جميلاً من يحب . فلا أفقدكم الله عزيز إلا بخير . 

2012-02-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد