دخل البيت والعرق يتصبب من جسده وجبهته . وكانت العروق تبدو منتبجة . وصارخة في وجهه تكاد تنفجر . ألقى بنفسه على الأريكة . وأرخى رأسه إلى الخلف . وجلس يلتقط أنفاسه من شدة التعب والإعياء .
ركض أطفاله نحوه يهللون لمقدمه . فربما كان في جعبته بعض الحلوى كالعادة . عانق ابنتيه الصغيرتين وهو يقول : بابا كلي عرق لا تؤاخذوني رائحتي ليست جيدة . أجابت الفتاتان . بضمه إلى صدرهما وشم رائحته الزكية . ومسحتا الماء المتقاطر عن وجهه بيديهما الصغيرتان . هذه تسأله عن الأكلات الطيبة . والأخرى تقول له هل جلبت ما طلبته منك .
بعد أن التقط أنفاسه . بدأ يحكي عن أسعار المواد الغذائية في السوق . وأنه اشترى بعض الأشياء التي كان يشتريها بمبلغ خمسمائة ليرة سورية .اشتراها الآن بمبلغ ألفين وخمسمائة ليرة .وهي كيلو واحد من الجبن ونصف كيلو لبنة وعلبة حلاوة صغيرة وقالب زبده .
ورسم على وجهه علامات تقول : أنه أنفق ما كان يملك من مال ولم يعد معه ما يكفيه للغد .
وكان الرعب يملآ قلبه من الغد الأتي بما لا يعلم .
وعند المساء كان أطفاله يلعبون في البيت والضجيج يملآ المكان . أقبلت نحوه أحداهن وقالت : بابا لماذا لم يعلن شهر رمضان عن قدومه كالعادة . فأنا لم أسمع صوت المدفع الذي يثبت أن غدا يوم صيام في دمشق كالعادة . ؟ .
قالت : بلى سمعت أصوات مدافع و ( أنبجارات .. على طريقتها في الكلام ) أنفجارات كثيرة . ولكني لم أميز بين مدفع شهر رمضان وبين الأصوات الأخرى . لم اعرف ! . قالت هذا وهي تدلي شفتها السفلى وتهدل عيناها الرائعتان في علامة على الاحتجاج الطفولي والحزن ...
حار الوالد فيما يجيب طفلته وقد انضمت أختها لها في الاحتجاج والمطالبة بتفسير وقالت : كان يجب أن يتوقف صوت ( الإنبجارات ) ريثما يعلن مدفع العيد عن شهر رمضان ثم فليفعلوا ما يشاءون بعدها . ! أليس كذلك ؟ .
قال الأب : نعم يا صغيرتي معك كل الحق أنت وأختك .
لو أن الجيش أعلن هدنة لما بعد العيد لأجل الأطفال هل سيتجاوب الطرف الأخر معه ؟ .
وهل سيتحضر الطرف الأخر لمزيد من احتلال الأراضي والجرائم خلال الهدنة . وسيمارس مجلس الأمن نفاقه كالعادة وتضليله وكيله بمكيالين غير نزيهين ؟ ..
وكانت الأفكار تتوالى على رأس الأب المتعب وهو يراقب طفلتيه ويقول : كيف أشرح لهذه الملائكة الصغار ما يحدث . وهل سيذكر التاريخ صراحة ما كان يجري . ؟ . أم أنه سيسيس كالعادة لصالح قوة ما ؟ .
فالحسين قتل ظلما على يد يزيد بن معاوية . ونحن نقول سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين . ولعمري ما زال الحسين يقتل كل يوم ألف مرة .
قام فهللت الطفلتين لمقدمه إليهما فهما تعشقان لعبه معهما . وخاصة لعبة الحمار والسائس . فامتطاء ظهر الوالد متعة ما بعدها متعة .
كل شهر رمضان وأنتم بخير ..
دمشق محمد عصام الحلواني في 10/7/2013 م . الأربعاء الساعة الثامنة صباحا . أول يوم صيام من شهر رمضان المعظم ..