عندما خرج الناس في درعا طلباً
للكرامة، لم تكن هنالك كواكب كونية تحيك المؤامرات، ولم يكن يخطر على بال أحدٍ أن
في سورية من سيخرج ليعلن رفضه في الساحات. في هذه الأثناء تنفس الكثير من السوريين
رياح التغيير، وصُدِم آخرون من هذه الشعلة التي قد تنتشر إلى المدن السورية كلها.
منهم من خاف، ومنهم من توجس، ومنهم من بدأت حياته في هذه اللحظة.
اعترفت الحكومة والدولة بالسلبيات، وتمادى البعض في وضع أيديهم على عيونهم كي لا يروا أن هنالك من يقف ليقول كلمة لا، وأن هنالك بشراً أيضاً مواطنين شركاء في هذه الدولة غُيِّبوا وجرى الاستهتار بحقوقهم. وفوراً بدأت الدولة بإعلان الإصلاحات وقف قانون الطوارئ والبدء بمشاريع توظيفية، والخروج إلى الشوارع للالتقاء بالناس وسؤالهم عن احتياجاتهم الحقيقية، التي هي تفاصيل صغيرة تبدأ من الرصيف أمام البيت، وتنتهي باحتكار المشاريع لجهات وأشخاص محددين، وبدأ العمل من أجل دستور جديد.
وبعيداً عما تحقق أو لم يتحقق، فإن ما يهمنا هنا أن الدولة، باسمها الكلي، اعترفت
بهذا الحراك عندما اعترفت بالفساد والاحتكار والتقصير.
لا يمكن أن تحل الأزمة في سورية إن لم يُعامَل الأطراف كلهم معاملة واحدة، فالحساب
يجب أن يكون علنياً للجميع، والقضاء يجب أن يكون نزيهاً، وأن يكون الإعلام حيادياً
وأن يتسع لأصوات كل السوريين. لن تحلّ الأزمة إذا بقيت هنالك أصوات تخوّن من خرج
ليطالب بالإصلاح والتغيير، وتخلط ما بين الثورة بمعناها الحقيقي وبين العصابات التي
لم تكن وليدة المصادفة لأنها لم تخرج من تحت الأرض، ولم تنزل من كواكب زحل والمريخ.
ما كنا نعيش فيه يجب تجديده.. وعلى الإعلام الاعتراف علناً بثوار شرفاء، وعلى الناس في الساحات أن يحملوا راية اللاعنف لتبقى الوسيلة الوحيدة، بهذا فقط ننقذ ما بقي من سورية، لا بل سنبني مما بقي سورية جديدة تتسع لكل السوريين.