لا تقرأ هذا الموضوع .
ها أنا أكتب بعد أن بلغت نهاية العقد الرابع من العمر كشاهد على العصر .
مرت خمسون سنة إلا قليل كلمح بالبصر . ولم يبقى أكثر مما مضى . وأن لي أن أتحدث بما رأيت في كل حياتي السابقة .
رأيت : أن الفشل . حصاد لما نزرعه بأيدينا ونلوم عليه الآخرين ..
رأيت : أننا كلنا نلهث وراء سراب أسمه الحياة و السعادة وأننا نقضي عمرنا كله في سبيل الحصول عليها .
رأيت : أن الحق صار باطلاً وأن الباطل يلبس عباءة الحق ويجلس على كرسي الإفتاء بكل وقاحة .
رأيت : أن هناك شبه كبير بيننا وبين الأغنام والأبقار . فكل جنس له من يستحلبه وفي النهاية يذبحه ويأكله ..
رأيت : أن الشهوة الجنسية وغيرها من الشهوات هي الإله المسيطر وأن الله لغة نترنم بها في نوادينا لنعلن نفاقنا الواضح فيما بيننا .
رأيت : أن العالم كله جن وتعرى من كل ما يستر عوراته وأن الإباحية في كل شي صارت ديناً .
رأيت : الزوجة ترهق زوجها في طلب ما لا يستطيع تأمينه ولا مانع عندها من أن يقتل ويسرق ليسد حاجاتها ..
رأيت : أن المنظومة الأخلاقية ذابت في حر هذا العالم الملتهب بالرذيلة . وأن الأنا قد استفحلت ولم يعد بالإمكان استئصالها .
وأن الشرقية صارت غربية والسمراء صارت شقراء . والعربية اختلطت بالأجنبية . وكل الناس تتكلم بغير لسانها .
رأيت : أن الصدق صار ضعفاً والفجور صار فخراً . ولا تفاخر بالأنساب . بل التفاخر بالعمة فلانة والفنانة علانة وأخته ديدبانه وجسمها الذي يثير وهكذا .
رأيت : أن الرجال مسخوا على مكانتهم فلم يعودوا رجالاً بل هم صور لموضات و تقليعات غربية تغزونا في بيوتنا . وصار التمييز بين الشاب والفتاة يشتبه علينا .
ماذا أعد مما رأيت : رأيت : صوراً بشعة جداً . وألوان مزيفة . وطقوس عجيبة غريبة . وأناس غرباء . وفكر منحرف . وألسن منحرفة . وأشكال منفرة . وروائح نتنة . والعجب أنني رأيت أنها كلها تباع وتشترى بأغلى الأثمان .
فما هذا أيها الإنسان . أي درك نزلت وما الذي أوصلك إلى هنا . لقد صار القتل شي وارد وعادي جداً . وما المانع من تصفية من يخالفني الرأي .
لا أقول أنني لم أرى من الحياة إلا قبيحاً . ولكنها ساعة سرد السيئات ولا يحسن أن نجمع بينها وبين الحسنات . ولا أعتقد أنني وحدي من رأيت فلا بد أن غيري قد رأوا أيضا ً .
فيا للهول مما رأينا ومما سنرى ..
أعتذر عما رأيت فلم أره مختاراً بل مكرهاً .