يتعرض الإنسان خلال حياته للكثير من الظروف والمحن والأزمات التي تتطلب منه مواقفاً ثابتة ومبدئية وواضحة من دون التردد في إتخاذها لأنها مرتبطة في بعض الأحيان بوجوده في هذه الدنيا وبعرضه وشرفه وكرامته وبعد مرور سنين من عمره يجد نفسه قد كون خبرات وتجارب تجعل نظرته للحياة تتغير ويبدأ يهتم بأمور ومجالات أخرى لم تخطر على باله من قبل إلا أنه أحس بأهميتها وإنخرط فيها ..
فمثلاً هناك العديد من السوريين الذين لم تكن تعنيهم السياسة ولم يكونوا حتى يتابعون ولو موجزاً للأخبار وفجأة بدأوا يتابعون ويحللون ويكتبون بالسياسة بعد أن بدأت ما تسمى بالثورة السورية على حسب فهم بعض السوريين الذين لديهم مطالب في بعض المجالات من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية والخدمية ومحاسبة الفاسدين وغيرها من المطالب التي هي من حق أي شعب في العالم أن يطالب فيها إلا أنها من وجهة نظر البعض الآخر من السوريين تسمى بالفورة السورية أو المؤامرة على سورية وهم أيضاً لهم وجهات نظر وحقائق وأدلة بينت أن ما يحدث هو مختلف تماماً عما هو متعارف عليه من حيث كلمة ثورة وما تحمله هذه الكلمة من أهداف ومطالب وبرامج ثورية وشخصيات قيادية بكل معنى الكلمة حتى إتسعت الدائرة وأصبح معلناً أنها فعلاً مؤامرة وغاية لدى كل الدول الإستعمارية بالقضاء على سورية وحتى شعبها الذي ليس له ذنب إلا أنه شعب سورية الذي لا يرضى أن يكون تحت رحمة دول الشعارات الكاذبة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بل يريد أن يبقى كما تعود أن يكون شعب عزيز النفس والكرامة وكله إرادة وحب للحياة ولأخيه الإنسان مهما كان دينه وإنتماؤه لأن الدين معاملة ..
ولكن هناك بعض السوريين الذين وبعد مرور سنة ونصف على الأحداث في سورية ما زلنا لا نعرف لهم موقف ولا إنتماء ولا حتى إن كان ما يحدث في نظرهم هو ثورة أم فورة أو مؤامرة أو مغامرة ولا نعرف إن كانوا مؤيدين أو معارضين وقد أطلق عليهم البعض لقب السوريين الرماديين فهم يسمعون الأخبار ويتابعون ما يجري على الأرض ويدلون بتصريحات على حسب الأحداث التي تنتج عن الطرفين أي المؤيدين والمعارضين وفي حال حالف أحدنا الحظ وإلتقى بأحدهم وسأله مع من أنت أو ما رأيك بما يحدث يقول لك بأنه ليس مؤيداً ولا معارضاً بل هو مع من ينتصر ويفرض وجوده وسيطرته بغض النظر عن دينه أو حزبه وما هو ممكن أن يقدمه له ولغيره من السوريين
وإن حاولت أن تحدثه عما يقوم به المعارضين والمؤيدين لكي تقنعه بأنه عليه أن يحدد موقفاً واضحاً أي إما هو ضد أو مع لأن هذا السؤال هو الذي أصبح دارجاً في هذه الأيام وكأننا نحضر مباراةً بكرة القدم ولكن هذا المواطن السوري الرمادي لا يغير ولا يتغير وما زال إلى هذه اللحظة على الهامش ولا يعنيه أن يكون له رأي أو مبدأ ولا حتى موقف يكون معروفاً من خلاله فهل هو أيضاً في حياته الطبيعية من دون موقف ولعله لا يعرف أن يعبر عن رأيه أو أن يدافع عنه فهو ربما كما نقول في العامية مصلحجي ولا مشكلة لديه في أن يمشي وراء مصلحته وبغض النظر إن كان يؤمن بالشخص الذي يمشي خلفه أو أمامه أو لا يؤمن به نهائياً فالمهم أنه يعيش حياته ويأكل ويشرب وينام ولا أعرف إن كان مع الأيام سيفقد صفاته كإنسان وعذراً على هذا التعبير ولكن ما فائدة الإنسان إن كان من دون مبدأ أو موقف ورأي وغير قادر أن يعبر ويتكلم ويناقش فهل سيكون فرحاً بضميره الرمادي وبهذه التسمية التي يطلقها عليه بعض الناس ولكن عليه أن يفكر بأنه بعد إنتهاء الثورة من وجهة نظر بعض السوريين والمؤامرة من وجهة نظر البعض الآخر فهو لن يسلم من أي طرف وخاصة عندما يتذكرون بأنه كان محايداً ويصرح ويتحدث على ضوء ما يجري فلن يبقى له مكاناً عندهم ولا يهمهم موقفه أو رأيه إن كان مؤيداً أو معارضاً فهو على هامش الحياة لأنه هو من إختار أن يكون مهمشاً في حياته وحتى مماته .