كان المطر ينهمر بغزارة والبرد قارص . وقف تحت أحدى الأشجار في الشارع المظلم والفارغ من المارة . كان يضم ياقة قميصه ليتقي لفحات البرد القادم مع هبات الرياح التي تتخلل عظامه .
وقف ينظر يمينا وشمالاً وهو يرتجف من البرد . كأنه يبحث عن أحد ما أو شيء ما .
كان غارقاً في الفكر : كيف رحلت ولم تلتفت وتركته مع برد الشتاء .
تركته مع الوحدة ومع الألم الكبير الذي يعتصر قلبه فينهمر الدمع بأرق من الماء وأغزر من المطر .
كان يصرخ في أعماقه ويتأوه فتخرج الآهات على لسانه غصباً .
أين رحلت حبيبتي ؟ وهل أنت الآن أمام الموقد تتدثرين جمالك . ويدفئ قلبك الحنون جميع من حولك .
لمن تركتني ؟ . للضياع . للوحوش التي تنهش لحمي . للناس تأكلني نظراتهم . لمن تركتني . لنفسي . أم للهوى واللهو ولمغامرات الحب الكاذبة التي لا تنتهي .
هل أخافك مني شيء حتى رحلتِ .
كان ينظر فيرى وجهها في كل شيء حوله .
مر من أمامه رجل مسن يمشي بكل طاقته ليصل بيته ويتقي هذا البرد .
لمح العجوز طيفا فالتفت العجوز نحوه فإذا الشاب . و رفع رأسه ليرى من هو هذا المجنون الذي يقف هنا في هذا الشتاء .
سأله بني ما وقوفك هنا ومن أنت وما أسم أبيك ؟ .
أجاب الشاب أنا فلان وبيتي هناك . وقد أتيت إلى هنا مع حبيبتي ثم أضعتها .
فسأله العجوز متعجباً . وما كانت ترتدي حبيبتك وما لون ملابسها وكيف تضيع . أهي طفلة صغيرة ؟ .
أجاب الشاب هي أجمل نساء الكون . فتاة في مقتبل العمر ترتدي فستان مزركش بالياسمين وتضع على جيدها عطر الورد الجوري . وعلى كتفيها وشاح أزرق متموج . ولها عينان خضراوان بهما بريق وحنو ما مثله بين العالمين . وشعر كستنائي وقلب أبيض كبير يتسع الكون جمالاً . وهنا دمعت عينا الشاب من جديد .
فاقترب منه العجوز وهو يربت على كتفه ويقول له : هون عليك بني لا تبكي لابد أن تجدها .
بني ما أسمها : أقترب الشاب من العجوز وهمس في أذنه اسمها .. فبكى العجوز بكاءً شديداً وقال له : بني هلم نبحث عنها سوياً . فأنا أيضاً أعرفها وأفتقدها . سقا الله أيام كنت شاباً ألاعبها وأتفحص كل شيء فيها وأشم عطرها ويسحرني جمالها .
تعال بني لنبحث هناك وهنا ربما نجدها أو تجدنا هي .
سارا تحت المطر يبكيان ويصرخان سوريا حبيبتي أين أنت .
وما من مجيب .
دمشق محمد عصام الحلواني 9/11/2012 م الساعة الثامنة مساءً .