في أحد أيام الدراسة الجامعية ، وبعد خروجي من
محاضرة شعرية للدكتور محمد توفيق البجيرمي ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، وبعد
انتهاء دوام ذلك اليوم الربيعي الجميل ، حيث كانت النسمات تداعب شعر الطالبات ،
فتحرق قلوب شباب كلية الآداب ، توجهت لأستقل سيارة السرفيس قاصداً البيت.
جلست في الكرسي الأخير الذي يتسع لأربع ركاب و
ترنمت وانطربت لأغنية المطرب الشعبي أحمد عدوية التي يقول فيها : ( يا بنت السلطان
.. حني على الغلبان .. المية بإيديكي .. ومحسوبك عطشان).فارتفع منسوب الرومانسية
عندي ، وكاد يفيض إلى المقاعد المجاورة.
صعد السيارة ثلاث طالبات جامعيات من كلية الطب المجاورة لكليتنا ، وجلسن جميعاً إلى
جانبي ، فأشرقت روحي وفاضت الرومانسية ، وشعرت أن الحياة جميلة ، وأيقنت أن الرزق
مكتوب للإنسان أينما جلس ، حتى لو في المقعد الأخير.
قالت إحداهن لزميلتها :
ــ لقد أحضرت إصبعه معي.
شدني ما قالت ولفت انتباهي . ثم فتحت محفظتها وأخرجت منديلاً . وأخرجت من المنديل
إصبع رجل.
بهتني المشهد ، وطارت الرومانسية ، وهبطت عليَّ جدتنا الغولة لترعبني ، فقلت
متسائلاً:
ــ هل هذا إصبع رجل؟!
قالت :
ــ نعم ، إصبع رجل ، أحضرته من محاضرة التشريح ، لنراجع درس الأعصاب والعضلات في
البيت.
أحسست أن رأسي يدور ، وكاد يغمى عليَّ. ثم تذكرت أنه يجب أن لا أكون ضعيفاً ،
وبخاصة في حضور ملكات الأناقة والجمال ، ويجب أن أتماسك ، فقررت أن لا أنظر إلى
الإصبع ، ونظرت إلى وجه إحداهن كي أنسى المنظر، فوجدت أن وجهها جميل جدا يسبب
الإغماء أكثر من شدة جماله . فما كان مني إلا أن نظرت إلى رأس سائق السرفيس وأن
أغني مع أحمد عدوية : يا بنت الغالين مين في حلاوتك مين .. يلي جمالك فاكهة ..
وكلامك فيتامين) .
أقول قولي هذا ، ولست خائفاً من زوجتي لأن ذلك كان قبل الزواج بثلاث ساعات وخمس
سنوات وشهر ، وبداية مرحلة الطيش الثانية. يعني أن حقها باللوم والعتاب سقط
بالتقادم.
قال أحضرت إصبعه معي قال.