يمر في حياة كل منا يوميا الكثير من الأحداث التي تؤثر بشكل أو بآخر علينا وعلى من حولنا سلبا أو إيجابا , ومن الطبيعي أن يحدث ذلك طالما أننا نعيش في مجتمع ونحتك بشكل مستمر مع العديد من الأشخاص في بيتنا وعملنا وفي جميع نواحي حياتنا .
والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا : أخي .. أختي : هل عرفت نفسك وهل قمت يوما بوقفة صريحة معها تستجوبها وتحقق معها وتحاسبها في حق من قصرت وواجب من أدت ؟؟
وهل خرجت في النهاية بنتيجة عن مقدار رضاك الذاتي والداخلي عن نفسك ؟؟
الأساس إخوتي الأكارم أن يعرف كل منا نفسه , فنفسك هي ما بََطُن منك , ومعرفة هذه النفس هو المعرفة التامة بكل ما في داخلها , بكل ما تمتلك وتشتهي , بكل ما تشعر وتقدر على فعله , بما يفرحها ويحزنها ويغضبها , بما تحب وتكره , بما تأنس إليه وبمن تضحي لأجله وبمن تألف أو تأنف منه , بمن تقدره وتجله ..... , والطريق لمعرفة النفس هو عمل خريطة وتتبعها في حركتها وسكونها لتصل إلى معرفتها قبل أن يسبقك غيرك لذلك وتكون صك امتلاكه لك .
وبعد معرفتك لنفسك وخباياها تَوافق معها , لا تثرها ولا تحملها أكثر مما تحتمل , فلها طاقة وقدرة لا تستطع اجتيازها , تجنب عنادها إن لم تستطع كسرها فهي لن تريحك أبدا إن خالفتها , قم بترويضها وزكها بفضائل الأخلاق عملا بالآية الكريمة " قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دساها " , فإن صلح داخلك سلمت فالداخل أهم كثيرا من الشكل الخارجي وقد قيل " ذكي ذاك الذي صنع المرآة وعكس بمهارة جمال أو قبح أشكالنا , لكن ربما لم يُخلق بعد ذاك الذي يصنع مرآة لجمالنا أو قبحنا من الداخل !! "
التكنولوجيا تطورت وأصبح بإمكان عمليات التجميل أن تحول القبح الخارجي إلى جمال , ولكن الذي نفتقده اليوم هو عمليات ترميم وتجميل لأخلاقنا ... لنسيجنا .. لتعاملاتنا مع محيطنا , وأبجدية جديدة غير جارحة لأسلوبنا , أبجدية ناضجة نضج الحياة , واعية مناهضة للتصنع .
لحظة حقيقة نحتاجها لنزيل مساحيق الفهم الخاطئ , سوء التفاهم , الوجه الآخر ... ربما لنتخلص من العيش في شخصيتين واحدة نصنعها للناس وأخرى نخفيها لأنها حقيقتنا .
لحظة حقيقة " the moment of truth ".... إنه أحد أشهر البرامج الأمريكية عرض على إحدى المحطات العربية فكرته وضع شخص معين تحت إختبار فحص الكذب ليعرف إن كان المتسابق يكذب أم لا " بيصلح للمسؤولين العرب !! " , جائزة البرنامج نصف مليون دولار , ويقوم التحدي على الإجابة على 21 سؤال شخصي صريح وقد ينتهك أقصى حدود الخصوصة , وعلى المتسابق الإجابة بصدق , وكلما تقدمت المسابقة كلما كانت الأسئلة المقدمة أكثر عرضة لإجابات كاذبة وكلما تعلقت بأسرار دفينة ومخفية .
قد يُسأل الزوج عن خيانته لزوجته أو عن تفكيره بأخريات غيرها ( جهاز لخراب البيوت وحدة بوحدة ) , وقد تسأل الفتاة عن أموال سرقتها من أهلها أو عن رأيها بوالدها .
بعض الأسئلة التي يتم طرحها مثل : هل تعتبر نفسك إنسانا جيدا من الداخل ؟ هل قمت بمحاولة غير مباشرة لإثارة إعجاب احدى صديقات زوجتك ؟ هل سرقت يوما مالا من أهلك ؟؟ وهكذا ...
عندما تم عرض البرنامج بداية أثار دهشة العديدين كون مجتمعاتنا العربية محافظة جدا ولا تبوح بخصوصياتها وأسرارها حتى بينها وبين نفسها ولو تم عرض الملايين عليها , كذلك لقدرة المشاركين أن يكونوا بتلك الصراحة في أمور خاصة وحميمة جدا , وربما كان الفضول لمعرفة خصوصيات الآخرين هو ما شدهم لمتابعة البرنامج , وربما كان دعوة للتفكير فيما يدور في عقولنا من أفكار دفينة .
الغريب في الموضوع هو المشتركين الذين كانوا يكذبون ويخسرون مبالغ كبيرة من الأموال فهل كانوا يتعمدون إخفاء الحقيقة خصوصا أنهم يعلمون أن كذبتهم ستكتشف من الجهاز ؟؟
انظروا ماذا حصل لإحدى المشتركات التي سألت 20 سؤالا ونجحت في جميع إجاباتها من بينها أسئلة محرجة كانت كفيلة بانهيار زواجها , السؤال الأخير الذي كان سيعطي هذه المتسابقة الجائزة الكبرى هو سؤال قد يبدو أنه عادي جدا يعتقد الكثير منا أنه يستطيع الإجابة عنه بسهولة وهو : هل أنت تقدري نفسك أو تحترميها ؟ فأجابت بسرعة نعم , ماذا حصل ؟؟ أطلق الجهاز صوت إنذار يدل على كذب الفتاة وأنها بالحقيقة لا تقدر نفسها , بالطبع الفتاة لم تتعمد الكذب وصدمت كثيرا عندما علمت أن إجابتها كاذبة الموضوع وما فيه أنها كانت تكذب على نفسها وتقنعها بأمور غير صحيحة لتكون راضية عن نفسها بينما عقلها الباطن يعلم الحقيقة وبالتالي خسرت الفتاة كل أموالها من الإجابة على سؤال قد يبدو أنه عادي !!
ما حصل يدل على أن الإنسان قادر على الكذب على نفسه , قادر أن يقنع نفسه أنه مخلص بينما هو خائن قادر أن يقنع نفسه أنه صادق بينما هو كاذب , قادر على أن يقنع نفسه أنه جيد بينما هو في الحقيقة إنسان سيئ .
عندما يكذب الإنسان على نفسه فهو يحاول أن يقنع نفسه أنه بذل ما في وسعه واستنفذ كل طاقته لأداء ما يجب عليه ليسلم من عتاب النفس وتوبيخها ويصدق كذبته !! فهل كذبت على نفسك أخي يوما كذبة وكنت أول مصدقيها ؟؟؟
والذي يجعله ينجح بذلك هو تحييده لضميره وعدم السماح له كي ينبهه , ويهرب من مواجهة نفسه وهذا لا يحل المشكلة بل قد يعقدها والأساس هو الصدق مع النفس ولكي نكون صادقين مع أنفسنا يجب علينا أن نعرفها أولا فهل عرفنا أنفسنا ؟؟
كم منا غير راض عن نفسه ؟
كم منا لا يشعر براحة وسعادة مع نفسه ومع الآخرين ؟
لا تترك حالك أخي - وأختي على هذه الحال , واجه نفسك بأخطائك , فأول طريق للسعادة والرضا الداخلي هو مواجهة النفس , اجلس أمام نفسك واحصر عيوبك ومميزاتك , من هذه النقطة ستكون وضعت يدك على مشاكلك وعلى العادات السيئة التي تريد التخلص منها , احصرها وفكر في العادة البديلة لها أو كيف تحسنها من وجهة نظرك , مرن نفسك على العادة الجديدة بصورة يومية إلى أن تصبح جزءا منك عندها ستصبح جزءا من سلوكك لا تحتاج إلى تفكير لكي تقوم بها بل ستجدها تحدث بتلقائية , أهم ما في الأمر المثابرة والمصابرة لأنه يحتاج إلى وقت فلا تفقد الأمل أبدا وكلما ضعفت قل لنفسك : لن أتوقف , أريد أن أصبح أفضل , أريد أن أعيش بسعادة وسلام مع نفسي قبل أي أحد لأن فاقد الشيء لا يعطيه , فمن وجد السلام والسعادة مع نفسه أولا كان سهلا عليه نشرهم بين الناس .
المصيبة أن الكثير منا يعتقد أن المحاسبة وعدم الرضا عن النفس هي عدم ثقة بالنفس لذلك من الضروري أن نمتلك الثقة بالنفس , التي هي إحساس الشخص بقيمة نفسه بين من حوله فتترجم هذه الثقة كل حركة من حركاته وسكناته ويتصرف الإنسان بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة فتصرفاته هو من يحكمها وليس غيره , هي نابعة من ذاته لا شأن لها بالأشخاص المحيطين به , وبعكس ذلك فإن انعدام الثقة هي التي تجعل الشخص يتصرف وكأنه مراقب ممن حوله فتصبح تحركاته وتصرفاته بل وآراؤه في بعض الأحيان مخالفة لطبيعته ويصبح القلق حليفه الأول في كل اجتماع أو اتخاذ قرار .
والثقة بالنفس شيء مكتسب من البيئة التي تحيط بنا والتي نشأنا بها ولا تولد مع الشخص , فاسع أخي الكريم لامتلاك الثقة بالنفس والابتعاد عن كل ما قد يزعزع ثقتك بنفسك لأن الثقة بالنفس هي مفتاح أي نجاح , واعلم أن النجاح لم يكن يوما حليف فاقد الثقة بنفسه والمتردد " إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا "
ثق بخالقك أولا ومن ثم بنفسك وكن مع الله في جميع أحوالك وأمورك ولا تبالي !!
إخوتي .. أحبتي : هذا ما قدرني الله عليه , إن كان خيرا فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي , أرجو من قلبي لكم جميعا دوام السعادة والصحة والراحة النفسية والطمأنينة ودمتم سالمين .