لأني عازف بيانو في الأساس وموسيقي قبل كل شيء وأرمني ذاق أهله التشرد والابادة والعذاب أشعر بمعاناة كل الشعوب التي نهلت من المنهل الذي نهل منه شعبي الأرمني الذبيح ومعه كل الشعوب المظلومة حول العالم كالشعب العربي الفلسطيني والشعب اليهودي ابان محاكم التفتيش في اسبانيا و الشعب اليهودي الأوروبي إبان حملة الابادة النازية المروعة التي طالت كل اوروبا من جهاتها الأربعة والتي طبقتها الطغمة النازية وعلى رأسها مستشار الرايخستاغ هتلر في امبراطورية الهوهنزليرون الثانية التي توقع صاحبها ان تدوم ألف سنة فسقطت بعد 7 سنين، بعد ان دمرت معظم اوروبا وبريطانيا ودول اخرى حول العالم.
فيلم عازف البيانو وقع في يدي أخيراً وصمدت امام شاشة الكومبيوتر 148 دقيقة كاملة تلقيت خلالها 148 صدمة...تبدأ أحداث الفيلم في ستوديو الاذاعة في وارسو ـ بولندا واجهزة البث المباشر تنقل الموسيقى التي تصدر عن البيانو وخلفه عازف البيانو البولوني اليهودي فلاديساف سبزلمان... وتنطلق قاذفات هتلر لتدك وارسو، بعد ان سافر هتلر الى موسكو ليقابل ستالين ويشتري حياد الاتحاد السوفياتي لينفرد ببولونيا الفتية التي لا طاقة لها لا بألمانيا ولا بجيوش هتلر
وتسقط القنابل على المارة وعلى الاسواق وعلى
حافلات الترام وعلى بائعي الجرائد، وتدخل الشظايا الى دار الاذاعة وتتحطم النوافذ،
ويدخل المخرج ومعه مدير المحطة يطلبون من عازف البيانو التوقف والمغادرة...ولم
يتوقف فلاديساف سبزلمان في بادئ الأمر ولكنه وامام عنف القصف إضطر للتوقف ومغادرة
مبنى الاذاعة.
واجتاحت جحافل الطاعون النازية شوارع وارسو بصلبانها المعقوفة ودباباتها ومجنزراتها
واسلحتها وكلابها وخيولها ودراجاتها النارية ذات الثلاثة عجلات...وتم إخلاء
العمارات من سكانها ووضعت على صدور وظهور النساء وحول معاصم الرجال شعار النجمة
السداسية اليهودية، وكانت الوجهة معروفة وهي الموت الزؤام...ولكن كان للحدث مقدمات
لا تصلح لأن تكون مبررات وهي الآتية:
في العام 1918سقطت برلين وكان آدولف هتلر رقيباً في جيوش بسمارك العجوز الخرف، وكان
يعرف تماماً الدور الذي لعبته المحافل الماسونية في توريط ألمانيا العظمى ووصولها
إلى ما وصلت إليه من الانكسار بفضل الذهب اليهودي وهو بيد الماسونية العالمية،
وبفضل المصارف اليهودية والسندات والأوراق المالية واللعبة المالية الكبرى وكلها
بيد الماسونية العالمية أيضاً، ولكنه لم يميز بين الشعب اليهودي العادي وبين اباطرة
الماسونية العالمية الذين لا دين لهم ولا جنسية ولا عائدية
وعلى الرغم من الخلط هذا وعدم التمييز فلقد
اقسم هتلر على رد الإهانة، وبالطبع لا يمكن ان يفوت هذا الامر على قائد بحجم هتلر
ولكن لا بد انه اعتمد على هذا الخلط للعثور على ضحية مادية ممكن الاقتصاص منها وفعل
ذلك عندما وصل إلى الرايخستاغ... وزحفت جيوشه كالصاعقة باتجاه الغرب فدخل بلجيكا ثم
فرنسا واستعرض جنرالاته كتائب جيوشهم تحت قوس النصر في باريس، وجرّ الفرنسيين في
مذلة إلى عربة الترام ليوقعوا على وثيقة استسلام فرنسا الغير مشروط، ثم توجه إلى
الشرق وضرب بولونيا وروعها ووصل إلى أسوار موسكو وصار يداعب أجراس الكريملن بقذائف
المدفعية، فعرف ستالين عندها ما اقترفت يداه.
وفي آوشفيتس برغناو بنى الألمان ثكنة هائلة حوت أفران الغاز والمحارق وسورت بسور
مروع من الأسلاك الشائكة المكهربة، وزودت برصيف خارق وطويل للغاية دعي بالراميا
ومحطة قطار امتدت قضبانها المعدنية إلى أقاصي أراضي الرايخ وبدأت القطارات ترجع
بحمولاتها...وأغلبهم من النساء والأطفال، ويتم الفرز في آوشفيتس فقسم يذهب إلى
كتائب السخرة وقسم يذهب إلى الحمامات ليتضح فيما بعد أنها خزانات غاز حيث يتم إقفال
الأبواب على الضحايا ويمرر غاز سام تمت تجربته على الجنود الروس فتعلوا الأصوات ثم
تخمد وتحمل الجثث إلى المحارق ليتم ذر الرماد في مستنقعات مجاورة، وقسم يصطف الى
الجدار ليطلق على قحف جماجمهم من الخلف طلق ناري واحد، وتجمع هذه الجثث بالبلدوزر
وتنقل الى مدافن جماعية لا يعرف مكانها غير العاملين فيها وهم من اليهود ليتم قتلهم
أيضاً فيما بعد.
والمحرقة هي المرحلة النهائية لصناعة حربية
متكاملة بامتياز تبدأها طائرات المسر شميت ثم الطائرات القاذفة، ثم أفراد كتائب ال
إس إس بمدافعهم الرشاشة ومن خلفهم دبابات البانزر التي كانت تتكفل بحصد البشر
والحجر، وتأتي قاذفات اللهب بخراطيمها المتصلة بالسيارات أو بخزاناتها المحمولة على
أكتاف الجنود لتحيل الأرض إلى سعير، وتم باستعمال هذه الطريقة المتكاملة إبادة
اثنان وعشرون مليون مواطن سوفياتي بينهم عشرات الالوف من الارمن السوفييت رغم
بلائهم الذي يعود لسنين سابقة غير بعيدة ، وهو أعلى رقم خسائر لدولة شاركت في الحرب
الكونية الثانية، وتم أيضاً إبادة معظم يهود أوروبا ويهود أوروبا الشرقية وخصوصاً
يهود بولونيا والمجر وروسيا وبلغ عددهم الإجمالي ستة ملايين.
وكان هذا الحقد المروع عصيّ على الفهم، حيث لا تزر وازرة وزر أخرى فما هو ذنب الشعب
العادي في لعبة الكبار، وما هو ذنب النساء والأطفال والشيوخ وحتى الشباب والرجال من
خارج اللعبة، وما ذنب قبائل الهنغار من الجيتان وفي معظمهم لا يعرفون إلا الرقص
والغناء والذين اقتيدوا إلى المحارق دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن السبب ؟ وهذا
يطرح ألف علامة استفهام وألف سؤال... فما هي أسباب كل هذا القتل والترويع. وبأي حق
تتم إدانة الجميع ويحكم عليهم بالموت؟
وبالعودة الى الفيلم فلقد تم اقتياد الرجال الى الشوارع وتم اختيار عينات عشوائية
تم تمديدها على الارض وتفريغ بعض الأعيرة النارية في جماجمها...وتم قتل والد عازف
البيانو ووالدته وزوجته وجنينها...وفي دائرة الموت والترحيل هرب عازف البيانو ونجمة
داوود على ساعده الأيسر هرب من جلاديه فلقد وضع يده عللى محفة تحمل جثة أحد مواطنيه
وأوهم الحرس بأنه من كتائب السخرة...وترك المحفة بعد ان ابتعد عن دائرة الموت
واختبئ في الانقاض...وعاش سنين التشرد والخوف والذل والجوع والعطش وانتقل من مكان
الى آخر بمعاونة الانصار الى أن تم ضرب آخر مكان كان يختبئ به، فهرب من جديد ودخل
الى حديقة بيت كبير وتسلق حتى وصل الى العليّة وهي مخزن كبير مهجور...
وسحب السلم الى ناحيته حتى لا يلحقه أحد وعثر على
علبة معدنية فيها طعام محفوظ هي من مستلزمات الجيش فحاول فتحها ثم توقف لأنه سمع
صوت بيانو ينطلق من بهو البناء...وأعاد المحاولة باستخدام أداة تحريك الجمر في
الموقد وجدها في المخزن فأصدر صوتاً مسموعاً ثم توقف فرفع رأسه الى الأعلى ليجد
نفسه في مواجهة ضابط نازي كبير كان قد احتل البيت وجعله مسكناً له.
سأله الضابط عن اسمه فأجاب وقال له: هل انت من اليهود الهاربين من الترحيل؟ قال:
نعم
ما هي مهنتك قبل الحرب؟ عازف بيانو...وفي المشهد التالي كان عازف البيانو البولوني
الانسان في مواجهة عازف البيانو الضابط النازي الألماني، وكان البولوني يعزف
للألماني والألماني مأخوذ بالنشوة وسحر الموسيقى، والموسيقى أداة الآلهة التي لا
تميز بين المنتصر والمهزوم، ولم يتوقف البولوني عن العزف ولم يطلب منه الألماني ذلك
فللإنسانية نشوة يعرفها الانسانيون .
وحظي البولوني اليهودي بحماية الألماني النازي وساعده بواعز من الانسانية التي لم
تعترف يوماً بالقوميات أو بالاديان أو بالأحزاب أو بالعقائد حتى انجلاء الغمة ...وأعطاه
معطفه المزين بالشعارات النازية، وانسحب مع جنوده المنسحبين الى الناحية التي وصلوا
منها الى بولونيا وروعوها وأهلها أشد الترويع.
ويخرج فلاديساف سبزلمان أخيراً من مخبئه وهو يلبس المعطف النازي الذي أعاد له
الحميمية والدفئ...ويخرج هائماً على وجهه في الخرائب ويقابل بإطلاق الرصاص من
مواطنيه البولونيين العائدين بسبب معطفه النازي...يعود للإختباء في الخرائب ويصرخ
على مواطنيه بأنه بولوني وليس ألماني...وظل يصرخ حتى فهموا ما يقول...كان يقول انه
بولوني وليس ألماني وأنه بولوني وليس نازي...وفي الطرف المقابل لا بد ان الضابط
الالماني كان يحذو حذوه ليقول وبصوت عالٍ انه ألماني وليس نازي وأنه عازف بيانو
وأنه ليس بقاتل، عازفيّ بيانو جمعتهما الانسانية بطهرها وقداستها وفرقتهم وحشية
الانسان وشروره...وينقضى الاحتلال.
وفي المشهد الاخير للفيلم يتوسط عازف البيانو فلاديساف سبزلمان فرقة وارسو
الفيلهارمونية ليبدأ بفتح صفحة جديدة في حياة بولندا التي دفعت ثمناً مروعاً نتيجة
ذنب لا علاقة لها به، وهي تطرق اليوم ابواب التحضر والرقي بعد أن طرق شعبها ابواب
الحرية ودفع ثمنها من دمه.
"هامش"
عازف البيانو فيلم من إخراج رومان بولانيسكي، وبطولة أدريان برودي أنتج في عام
2002. هو فيلم مأخوذ عن السيرة الذاتية، والتي تحمل نفس الاسم لعازف البيانو
البولندي اليهودي فلاديساف سبزلمان.
تدور أحداث الفيلم حول حياة فلاديساف سبزلمان الشخصية خلال الحرب العالمية الثانية،
اذ يروى كيف كان يعمل هذا الاخير لصالح الراديو البولندي، و كيف انقلبت حياته و
حياة عائلته راسا على عقب اثر دخول النازيين إلى وارسو في بولندا.
فاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية، في مهرجان كان السينمائي، كما فاز أيضا بأوسكار
أفضل مخرج، أفضل ممثل وأفضل سيناريو مقتبس - جائزة الأوسكار لأفضل ممثل: أدريان
برودي - جائزة الأوسكار لأفضل مخرج - رومان بولانيسكي جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو
مقتبس - رونالد هاروود السعفة الذهبية جائزة البافتا لأفضل فيلم - جائزة البافتا
لأفضل مخرج - جائزة سيزر لأفضل ممثل - جائزة سيزر لأفضل مخرج - جائزة سيزر لأفضل
موسيقى - جائزة سيزر لأفضل معالجة سينمائية - جائزة سيزر لأفضل تصميم إنتاج - جائزة
سيزر لأفضل صوت - جائزة قويا لأفضل فيلم أوربي.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews