بعد ثلاثة بنايات من بنايتنا ... يقع مركز الانفجار وهذا الانفجار المروع هو أقوى بكثير من تحمل هذه المنطقة الضيقة فلقد كان مخصصاً على ما يبدو لمكان آخر يكون فيه عدد الضحايا أكثر بكثير... ربما للمرة الألف قبل هذا اليوم وللمرة الأولى لهذا اليوم الاثنين يظهر اسمي في موبايلي ومعنى ذلك ان هناك من يتصل بي مستخدماً الثابت الى الموبايل من البيت وانا في زحمة السير المروعة وفي منطقة السبع بحرات...وبالطبع لم ارد... فلقد كنت انتظر ان اجد مكان لركن السيارة على اليمين لأتصل بالبيت لكن عبث
وبعد ثواني اتصلت اختي لتقول لي هناك انفجار قوي في ساحة الرئيس في جرمانا وبعد ثواني اتصل بي أخي ليقول لي: زوجتك واولادك بخير والانفجار في حارتك تماماً...جمدت الدماء في عروقي وخفت ان اتلقى خبر مروع... لم اشعر بهذا الشعور من قبل فلقد أظلمت الدنيا في عيناي وفقدت التركيز وتوقفت ضمن السير المتوقف خوفاً من التسبب بحادث، ثم استجمعت قواي واتصلت بزوجتي....آرا اياك ان تعود الى جرمانا نحن بخير والانفجار في حارتنا...اريد التحدث مع الأولاد...آني حبيبتي هل خفت...بابا كدنا نموت من الرعب كل الاصوات التي سمعناها بكفة وهذا الصوت بكفة...أعطني كارني...انا يا بابا لم اشعر إلا وانني أصرخ وأصرخ وأصرخ دون ان افهم ما الذي يحدث لقد كنت نائمة واستيقظت على صوت الانفجار وتجطم الزجاج في بيتنا.
عدت لأتصل من جديد كنت اسمع اصواتهم وأرتوي وأنا أشكر الله وأحمده ألف مرة، فلقد تركتهم هناك في جرمانا وانا حيث أنا أكاد أموت من مجرد التفكير بأن أعود الى جرمانا فلا أجدهم...كنت قد ذهبت انا وزوجتي وقبل ساعة من الانفجار لمقابلة مديرة مدرسة تقع بالقرب من بيتنا فمررنا فوق مركز الانفجار قبل حدوثه بساعة ... وتمت المقابلة وظننا ان هناك مدرسة أخرى للإناث فذهبنا الى الشارع المقابل لمشفى المعونة فاكتشفنا انه لا توجد مدرسة ثانية فعدنا ادراجنا ومررنا فوق مركز الانفجار قبل حدوثه بثلاثة ارباع الساعة...وطلبت مني زوجتي ان اذهب لمحل ابو بيرج اللحام فقلت لها ارجوك...اذهبي معي فإن الرجل كبير السن ومحبط دوماً مهموم دوماً يتخلق بي دوماً يطلب ان نتصل به قبل يوم واحد على الأقل ولا يمكنني العودة الى ما قبل يوم واحد لأتصل به وسآكل نصيبي وعندما يكون منزعجاً الى أقصى درجة يقول لي "ما عندي لحمة اليوم" فالافضل ان تنزلي انت من السيارة وتدخلي محله فجأة وعند ذلك لن يجرؤ على التفشش بك.
وذهبنا مروراً فوق مركز الانفجار ووصلنا الى محل ابو بيرج اللحام ولم انزل من السيارة وعادت ومعها اللحمة وعدنا الى البيت ومررنا فوق مركز الانفجار وقبل الانفجار بنصف ساعة للمرة الرابعة في هذا اليوم.
ونزلت الى الشام مضطراً فهناك طلبية صغيرة فيها حسم كبير وبنزين كثير في العرقلة والموت البطيء على الطرقات ولكن القليل أفضل من لا شيء.
وحدث الانفجار ولم أعلم كيف حدث فهناك من قال ان عبوة مشكوك بها كانت مركونة على الزاوية واتصل صاحب مصبغة بالأمن فحضروا لتفكيكها ومنهم من قال ان الانفجار حدث قبل وصولهم...وقال آخر سيارة التكسي الصفراء المحترقة هذه هي السيارة التي انفجرت وأكد شاب من الحارة ان البقايا المتفحمة الموجدة في وسط الشارع تعود لميكروباص لم يبقى منه سوى بقايا المحرك وبواط الفيتيس وجزء يسير من الشاسي والبقية صعدوا الى السماء وعادوا ليقعوا فوق رؤوس الناس وعلى الأسطحة والبلاكين وفي وسط الطرقات وعلى السيارات القريبة والبعيدة، هذا الميكروباص الذي لم يعد ميكروباص هو الذي انفجر وأحرق سيارة التكسي المتوقفة...وهدم برندات ثلاثة بنايات مواجهة لألكترونيات المنذر ومثلها في صف الكترونيات المنذر واوقع الدرابزينات المعدنية والأحجار والرخام الى الأرض ومعها كل واجهات الألمنيوم مع الزجاج وأحواض الزريعة وبسطات المحلات والبرادات والواجهات والرفوف والبضائع والمأكولات والالكترونيات والاكسسوارات ومحلات الهدايا والصندويش والخضار والفواكه والماكياجات والناس تلتقط رزقها بملقط الحواجب في هذه الأيام العجاف
ولم يبق محل في محيط الدائرة ولا سيارة متوقفة في محيط نفس الدائرة إلا وصارت اثر بعد عين، ووصلت الى البيت بعد ساعتين من الانفجار ولم اتمكن من دخول الحارة وهي حارة الوحدة، والوحدة كلمة أصبحت ممجوجة لا يأخذها أحد حتى يحار ويضيع لأنه لا يعرف ما سيفعله بها، واضطررت الى ركن السيارة بعيداً ودخلت بيتي وشكرت الله على نعمه...ولم يصمت الموبايل طول الطريق ولم يصمت في البيت فالكل يريد ان يطمئن وكان جوابي الحمد لله اني رجعت ووجدتهم أحياء فهناك من هو في مثل وضعي عاد لتبدأ في حياته صفحة سوداء ستبقى حتى يلقى وجه ربه... وعلى الفيسبوك تظهر صور الشهداء بالتتالي كبار وصغار كانوا قبل ظهر اليوم أحياء. ارحمنا ايها الخالق فهذا اكثر مما نحتمله نحن عبيدك الضعفاء...انهار الدموع من المآقي تحولت الى انهار دماء...ورائحة الموت تنتشر في كل مكان أما أشجار الياسمين فلقد قطعت والقيت في النار.
آرا سوفاليان
كاتب انساني في زمن ضياع الانسانية وباحث في الشأن الأرمني
دمشق الاثنين 03 09 2012