أردت أن أبحث عن مفهوم السعادة ، عن الطرق والسبل التي توصلنا إلى السعادة ، وهل هناك وصفة ما أو نشرة تدلنا على مواقع السعادة ... والبحث لن يتم بين طيات الكتب و المراجع بل بين الناس ومن تجاربهم ، ومن أفكارهم ... وربما من معاناتهم ...
سؤال واحد طرحته على مجموعة من المجتمع يمكن أن تكون عينة عشوائية من مختلف الشرائح والأعمار . وبالتأكيد هذه العينة لا تمثل كل المجتمع و لكنها تعطي فكرة ، أعتقد فيها الكثير من الفائدة لنا جميعاً . و السؤال هو : ما الذي يجعلك سعيداً ...؟
1 _ أن أنتهي من امتحان البكالوريا وأخلص من تبعات هذا الكابوس من أهلي والمجتمع ....
2 ـ أن أحصل على علامات تامة في امتحان الشهادة الثانوية أو على الأقل علامات تؤهلني للدخول إلى كلية الطب ...
3 ـ أن أنهي الخدمة الإلزامية في الجيش لأنطلق في رحاب الأرض أحقق أحلامي .....
4 ـ أن يصدر قرار تعيني بالوظيفة في نفس المحافظة التي أعيش فيها ومكان عملي قريب من منزلي ...
5 ـ أن يرزقني الله ولو طفلاً واحدا ً يزين حياتي بعد عشر سنوات زواج ...
6 ـ أن ترشحني الشؤون الاجتماعية والعمل لأي وظيفة في الدولة ...
7 ـ أن يزيد راتبي 100% حتى أتمكن من العيش الكريم ...
8 ـ أن أتخلص من جميع ديوني (للصيدلي ، للبقال ، لمحل الألبسة المستعملة ...) .
9 ـ أن يتوفر آجار المنزل في آخر الشهر...
10 ـ أن أملك لو غرفة واحدة ومطبخ صغير وحمام لأتخلص من رؤية وجه صاحب البيت عند كل آخر شهر...
11 ـ لو عندي عدد أكبر من الغرف لأخصص واحدة للضيوف وأخرى للأولاد لأفصل بين الذكور والإناث ...
12 ـ لو عندي سيارة صغيرة تمكنني من القيام بنزهات إلى أكثر الأماكن شعبية (حتى يرى الأطفال الدنيا) .
13 ـ لو عندي مزرعة صغيرة - دونم واحد - نذهب إليها في كل عطلة مع الأولاد ...
14 ـ لو عندي مسبح صغير في المزرعة لكي يستمتعوا الأولاد بالسباحة كما أولاد جارنا وما كنا احتجنا له .
15 ـ لو عندي فيلا بالمزرعة لدعوت أهلي وأقاربي وأصدقائي لقضاء أحلى الأوقات ...
16 ـ لو عندي شركة صغيرة لتأجير السيارات لكنت ركبت كل يوم سيارة ...
17 ـ لو عندي في قريتي بيت لذهبت إليه مع أسرتي في كل صيف ليتعرفوا عليها...
18 ـ لو أتعافى من مرض الضغط ...
19 ـ لو أتعافى من داء السكري ...
20 ـ لو أنني أستطيع الحج إلى بيت الله الحرام...
21 ـ لو أني أستطيع صيام شهر رمضان المبارك ...
22 - .... 23 - .... 24 - ... ....
أما آخر المتحدثين قال : الحمد الله رب العالمين على ما أنعم عليَّ ، فأنا أملك - والملك لله - الآتي:
ـ فيلا محترمة جداً في قلب العاصمة وأخرى في مسقط رأسي .
_ زوجتي رائعة الخُلق والخَلق .
ـ أولادي من الذكور والإناث يدخلون البهجة والسرور إلى قلبي وروحي ......
ـ شركة كبيرة محترمة في البلد للاستيراد والتصدير....
ـ عندي سيولة نقدية في البنك ما يكفيني وأولادي حتى الممات ...
ـ والدي و والدتي يعيشان عندي وقد رفضت مراراً وتكراراً ـ وكذلك زوجتي وأولادي والحمد لله ـ طلباً لهما في أن أقوم بوضعهما في دار العجزة لصعوبة احتياجاتهما بحكم السن ....
وبالمختصر المفيد عندي كل ما يمكن اعتباره أساسا للسعادة وكل ما يدخل الفرح والسرور إلى القلب و النفس البشرية ...
ولكن عندما ينحصر تفكيري في أمور الحياة الدنيا و ملذاتها أجد نفسي أبعد ما يكون عن السعادة والفرح ، وذلك لأنني تعرضت لحادث بالسيارة أدى إلى إصابتي بالشلل في العمود الفقري جعلني قعيد الفراش إلى أبد الدنيا ...
وأنا على هذه الحال تهاجمني فكرة واحدة وحيدة ، لو أني أخسر كل ما أملك في الدنيا من طيباتها وملذاتها على أن أتعافى من مرضي لأخرج إليها و أطلق فراشي اللعين هذا ....
ولكن هذه الفكرة الشيطانية سرعان ما تنحدر عندما أستخدم أسلحتي المضادة ، تلك الأسلحة التي زودني بها والديَّ وغرسوها في نفسي وعقلي و قلبي وأخلاقي...
وعلى رأس تلك الأسلحة ، الرضا والقبول بقضاء الله وقدره و أنَّ الخير من الله عز وجل والشر من أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، وأن أعمل للدنيا وكأني أعيش فيها أبداً ، وأن أعمل للآخرة وكأني سأموت غداً ...
علموني بأن أعمل بكل جد وجهد و أن آخذ بالأسباب ثم أتكل على الله ....
علموني أن القناعة تولد الرضا والرضا يولد السعادة ...
علموني أن أحبهم فأحببت أولادي ، فأحبهم أولادي ...
علموني أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، والقوة يجب أن تتجسد بالإيمان والمال والشخصية والعدل والحنان ورقة القلب ...
علموني أن الطموح نحو الأفضل حق مشروع للإنسان بل واجب شرعي عليه ...
علموني أن سعادتي في الحياة أنْ أرى من حولي سعيد ، وإنْ استطعت أنْ أكونَ سبباً في سعادتهم فذلك منتهى صفاء و نقاء ا لروح ...
علموني الصدق والأمانة والوفاء ، فكانوا نبراس حياتي ومشاعل نور دربي ...
علموني أنْ أعاملَ الناس كما أحبُ أنْ يعاملوني وكيف أحبهم ليحبوني ...
علموني كيف أستمتع بنجاح الآخرين ، بعيداً عن الحسد و الغيرة الهدامة ...
علموني وعلموني فيما مضى ، ولازلت أتعلم منهم ... ولعلَّ أصعب وأقسى عبارة تجري في عروقي ، حفظتها منهم مذ وعيت الدنيا ، بل عندما بدأت أتعلم الكلام ... قالوا لي : اللهم اجعل ساعتنا قبل ساعته ... حتى لا تضعف إرادتنا و صبرنا و تنهار قلوبنا فتذل ألسنتا بما يغضب الله. علموني أن السعادة ، السعادة ليست بالضرورة فيما ينقصنا من ملذات الدنيا و متطلباتها ...