في جلسة شاعرية لمجموعة من الموظفين نتغزل بالراتب الشهري ، ونعد الأيام و الساعات بانتظار قدومه كل مرة ، حتى عند استلامه و توزيعه من خلال المعابر الحدودية التي رسمتها ظروف الحياة المعيشية و متطلباتها ....
و بعد شهيق و زفير متعثر ، قال أحدهم :
إني أكره افتتاح المدارس ، و كلما اقترب أيلول داهمتني الكوابيس و الأحلام المزعجة ... أنا عندي سبعة أولاد و كلهم بالمدارس و الراتب كله لا يكفي لتلبية احتياجاتهم ... و بعد ذلك تحتاج إلى دورات تقوية لمختلف المواد ... و على قول المثل " فوق الموته عصة قبر" المازوت يقرع الباب ....
قال آخر : صدقوني منذ زمن طويل كرهت الأعياد و المناسبات و الزواج و الولادات و الحج و العمرة ... يا أخي كل مناسبة تحتاج إلى هدية و في أغلب الأحيان يصعب " التطنيش" ...
و قال آخر : عقدوني أطباء الأسنان ، و كأن موضة عصرية هبت عليهم ، كل ما نأخذ ولد لمعالجته يقول الطبيب : الفك العلوي سيتقدم على الفك السفلي ... الولد بحاجة إلى معالجة لمدة سنتين و تركيب جهاز تقويم ، الكلفة بسيطة و بالتقسيط المريح فقط ستين ألف ليرة سورية مع المراعاة طبعا ً...
و قال آخر: لا أدري ما أقول ...!!
عندي شركاء في الراتب ، هربت الرحمة من قلوبهم ، يأخذوا حصتهم " من راس الكوم " و يتركوا لي الفتات ، الخلوي و الكهرباء و الهاتف و الماء ...
و قال آخر : و الله يا شباب كما يقال " الشهر عالباب " و يجب ألا أتأخر عن تسديد أجار البيت .. أما المواصلات فحدث و لا حرج ، و قد " زاد الطين بلة " الإنترنت للأولاد ...
و قال آخر : ماذا أقول عن الجمعيات " لولاها لتبهدلنا " المصروف كبير ، ما إن أنتهي من جمعية حتى أشارك في واحدة جديدة " الله يكون بالعون" ...
و قال آخر : صار لي أربع سنوات أدفع للمصرف كل شهر خمسة آلاف ليرة سورية ، و بقي لي سنة و الله انكسر ظهري من هذا القرض الذي ذهب لتسديد ديون ...
و قال آخر : هل نسيتم الطعام ... الفطور و الغذاء و العشاء ... لعل أصعب سؤال توجهه لي زوجتي عندما تسألني ماذا أطبخ اليوم ...!!
أما الملابس فنضع لها خطة خمسيه( أي لمدة خمس سنوات) و بصراحة انتهت أكثر من خطة و لم يأتِ دوري ...
أما آخر المتحدثين ، فقد تعرض لنوبة ضحك حتى الثمالة ، ومن شدة ضحكه غص بالكلام ، لكنه نطق أخيراً ... قائلاً :
كل و احد منكم تحدث عن عدو يهاجمه و يلتهم ما يلتهم من راتبه المبجل ، بينما أنا أتعرض لهجوم شرس و عدواني جداً و كأنه زلزال مدمر حارق ، خارق ... لاحظوا ، دققوا ، انتبهوا من يشاركني الراتب : الخلوي ، الهاتف ، الكهرباء ، المياه ، المدارس ، الأطباء ،الأعياد ، المآكل ، أصحاب محلات الألبسة المستعملة ، المازوت ،المصارف ، صاحب المنزل الذي أعيش فيه ، الإنترنت ....
وهنا ساد صمت رهيب ، وبدأنا نتبادل النظرات و إشارات الاستفهام و التعجب .... و قطع صمتنا صاحبنا قائلاً : كلكم مثلي .. كلكم مثلي .... ارفعوا أيديكم إلى السماء ...
رفعنا أيدينا ..
فقال : اللهم وفق حكومتنا لما تحب و ترضى ، و أنت يا ربي لا ترض لنا إلا العيش الكريم.
قلنا : آمين .
قال : اللهم اهد حكومتنا لزيادة رواتبنا ، و خفض نفقاتنا .
قلنا : آمين .
قال : اللهم احم أرض الشام و سماء الشام و أهل الشام ، اللهم احم قائد الشام .
قلنا : آمين ... آمين
قال : اللهم وفق رئيسنا الدكتور بشار الأسد لما تحب وترضى ، و ارزقه البطانة الصالحة لما فيه خير البلاد و العباد ....
قلنا : آمين ... آمين ... آمين .