في 14 / 3 / 2004 وفي تمام الساعة العاشرة و النصف من صباح ذلك اليوم الحزين ، فارقت والدتي الحياة بعد صراع مرير مع المرض .... مرض مزمن رافقها ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن ...
و خلال تلك الفترة ما تركنا متشفى عام أو خاص إلا و قضت فيه ما قضت ... و في كل مرة نأخذها بحالة إسعاف كان بعض من حولنا يقول : لا بد أنها راحلة هذه المرة .... و ذلك لصعوبة وضعها الصحي ، و بما أن الأعمار بيد الله فقد غادر قبلها العديد ممن توقع لها الموت ...
و في يوم رحيلها عندما خرج الأطباء من غرفة العناية المركزة ليخبرونا بذلك النبأ الصاعق الذي أسقط كل صبر عندي ، و أشعل نار الفراق في جسدي ، و فجر ينابيع الدموع من روحي قبل عيوني ، حتى أنني شعرت أن كل ما فيَّ يبكي و يبكي .... و بدأ شريط الذكريات يحاكي عيوني و عقلي و يذكرني بحركاتها و كلماتها و نبرات صوتها ... يذكرني في عودتي إلى المنزل من المدرسة و الجامعة و العمل و حتى بعد سنوات طوال من الزواج ، كيف كنت أنادي و بأعلى صوتي مامي ، مامي حياتي يا حبي الأول و الأخير و هذه العبارة كانت عنوان كل لقاء بيننا ...
لقد كانت أمي قاتل همي و غمي ، و منبت أملي و هدفي ، كانت دمي و نبض قلبي و عقلي الذي أفكر فيه ، و عيوني التي أرى فيها ... كانت كل شيء في حياتي ...
كانت دائما ً تقول لي اللهم اجعل يومي قبل يومه ، و كان لك ما تمنيت لصدقك ، لصدقك و لمحبتك
أما بعد رحيلك فكل شيء تغير ، و اختل توازن الكون و اختلطت الأضداد مع بعضها و تناثرت روحي في رحاب الأرض . و بالتأكيد أعجز عن حالي عندما حملناها جثة هامدة من غرفة العناية إلى البراد بانتظار نقلها إلى مثواها الأخير ... لا أتذكر كيف استطعت أن انظر إلى ذاك الكفن الذي حضنها ... لا أستطيع أن أتذكر كيف أغلقت باب البراد ... لا أستطيع أن أتذكر كيف انهال التراب على جسدك الطاهر ... كانت و لا تزال تلك اللحظات مرهقة و محرقة لكل شعور و إحساس ...
و إذا كان الله عز وجل قد تكرم على بني آدم بنعمة النسيان ، فقد كرمني بإضافة حضور الذكرى ، فأنت في روحي و نفسي و صورتك لا تفارق مخيلتي ...
و لعل ما يخفف عني ألم فراقها ، نبع الحنان الذي لا ينضب ، الشمعة التي تحرق نفسها لتنير دربي و تبث الدفء لبرد أيامي ن والدي الغالي أطال الله في عمره و أمده بالصحة و العافية ...
و بعد أسبوع من وفاتها كان عيد الأم ، و فرح من فرح و حزن من حزن ، وفي ذلك اليوم ارتوت مخدتي من نهر دموعي ، و قد تملكني فزع و خوف و حزن لا يروى و لا يحكى ...
كان عيد الأم ، و أنا ما كنت أعترف فيه من قبل وفاتها و لا بعد ذلك ... لأنني كنت أعتبر كل لحظة أرى فيها أمي هو عيد لي و مع رحيلها رحل العيد ... و مع ذلك أقول كل عام و كل أم بألف خير
رحم الله والدتي و أسكنها فسيح جنانه ، و رحم الله كل الأمهات الراحلات ، و أدام للأحياء كل الصحة و العافية و أسعدهم بأولادهم و أسعد أولادهم بهم ....