news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
دمـــاء على شــجرة الميلاد . . !... بقلم : رضا الرحمن المهندس

دمـــاء على شــجرة الميلاد . . !


أرواحٌ تنبضُ و تتنقَّل بحجم ثقل الصاعقة  . .

لقد ارتوى المكان بأنفــاسٍ تتصاعد و تهبط آبـــيةً التـــوقف عن إصدار ذاك الصوت الغـامض المتحشرج . .

صــمتٌ صارخ يـفردُ جناحيه ويطـــوفُ ببطء في أركــان المنــزل . .

 

لا شيء . . . ســوى الصــمت يــداعبه بعضٌ من حفــنة الأرواح البشــرية ،

ترتسم على ملامحهم دهشة جاثمة تطبق عليهم تكاد تزهق أرواحهم وسط مسرح الجريمة المفزع . .

 

الملفت هنا هو ذاك الرجــلٌ البــالغٌ في العمرِ و هو  يــتمايل في مشيــته ، مخدرا ، مصدوما  بما جرى. .

كانت نســمات الهــواء المتطفلة من النافذة ذات الزجاج المخترق

بالرصاص تــراقصه بخفة يمــيناً تارة ويســاراً تـارةً أخرى . .

 

بجانبيه كان هناك شــرطيــان يســاعدانه علـى النهوض مــن أرضه التي شعرَ بأنها تميد تحته،

وكـأنه قد غفــا عليها مغشيا لسنين بــتثاقل . .

بيـنما في الطــرف الآخر مـن المنــزل العتيق كان هنــالك بعضاً من رجال الإسـعاف،

 

ذات وجوه شــاحبة تكسوهم بدلاتهم المنمقة وتلــك الابتســامة الــقاتمة المرتسمة بزيف ،

و التــي يُــمكن أن تكــون جرّاء تأثرهم بالأمــوات والمجروحين والمصابين

في الكــوارث المرعبة التي تصادفهم يوميا . .

 

اقــترب أحـدٌ من هؤلاء المسعفين إلــى شـرطيّ يــنفثُ سيــجارته البنية اللون بالــقرب من عــتبة بـاب المنــزل ، والثــلجُ يــلطمُ وجهه الملـفح بعلامات الكـهولة والتقدم في السـنّ . .

لــم ينبس الشـرطي ببـنت شـفة ، بــل كان موشّـحا بوشـاح الانتـظار والشــوق لما سيــقوله المســعف المــرتبك . .

قالها و يا ليته ما تفوها بها . . !

 

" لقــد فــارقت الحيــاة !. .  جســدها الهــزيل لم يــتحمل عدد الرصاصات

التي اخترقت رأسها و صدرها مباشرة  ". . !

زفــرَ الشـرطي آخر نفـسٍ من سيـجارته ببـطءٍ شـديد ، بـعد أن داسَ على عقـبتها بــقدمه واتّخذ طريــقه داخــل المنزل من جديد . .

 

وقــفّ الشـرطيّ مــقابل الرجــل المشـوَّش محملقا صوب عينيه بتـسمّر دون أن يـُبدي أي حــركة . . كأنه يريد أن يأخذ منه حق الدماء البريئة المعلمة في جميع أركان المنزل . .

مـرّت دقــائقٌ مـعدودات عـلى هــذا الوضــع المتكدّر ، وبـعدها كســرَ الرجل حـاجز الســكوت هــذا

ماداً يــديه نــحو الشــرطي وهو منكوس الرأس مغرورقَ العيـنين بـطفراتٍ من الــدموع الــنادمة . .

 

أردفَ الشــرطي قــائلاً بــصوتٍ مخنـوق : لـو الأمـر بيدي لـما أســرتُ يـديك القذرتين . .

 بـل كنتُ ســأكبّل عقــلكَ المــجنون وأرميه طـعاماً لكلاب هذه المديــنة . . !

هــزَّ الرجــلُ رأســه بكــبرياءٍ مــستمد من صخــب الحيــاة ، وراح يـــناظر جدران الغــرفة الداميــة

 

وشــجرةً مــزينة بالأضواء والنـجوم ، تــطوفُ عليــها لــطخات الدمــاء الحـمراء البريئة الــتي لا زال بعضها يــقطّر باســتمرار على أرضية كانت شاهدة على مجريات سيـلانـها.  .

اختفــت الصــورة المخــيفة هذه ، ورأى الـرجل نفســـه جالساً إلــى جــانب هذه الشـــجرة الأنيــقة . .

يــحتسي الخــمر ويــعدُّ كؤوس النبيذ . . حتــى أمست معــدته تـطفقُ بجل المســكرات الموجودة. .

 

كان يــتناولُ وقتها  لحما دسما فاحت منه رائــحة ثقيلة عمت أرجاء غرفة الجــلوس بــنهم . .

ثم يــعالج بعدها الدســم بالمزيد من كؤوس النبيذ المتواصلة . .

و كانت هناك فــتاة في الثامنة  من عــمرها ، تــوافقُ بيـن زيــنة الشــجرة

 

وهي حتى قــاصرةٌ عن الوصول إلى منتصفها . .

أزالــت هذه الــفتاة ربــطة شــعرها الأســود الـطويل ، ثــم التفتت إلى هذا الرجــل قــائلةً :

 

لـقد انتــهيتُ يــا أبي . . ما رأيك ؟

انــظر إلى فســتاني هــذا، لقــد اشــترته لي والدتــي قـبل أن تســافر منذ فتــرة . .

تـجرّع الوالد المــزيد من النبيذ ثــم ضــحكَ قــائلاً : وهل تعلمين أيــن هي والدتــك يـا سـارة ؟ . .

 

أجـابته ســارة بســذاجة طــفلة كـالمعتاد : أخبــرتني خالــتي بــأن جــزءاً منها ســافر إلى مــكانٍ جميــل

والجــزء الثــاني مدفــون أســفل التــراب بــانتظار مجيء الجـزء الأول لــتأتي إلينا بعد نهاية الســفر .

تـوقّفت ابتســامة الوالد الســاخرة عن الارتسام، وراح يــصفنُ في وجه فــتاته الصـــغيرة . . فكلماتها وقعت كالصاعقة على مسمعه . .

تذكر زوجته و ما تركته من فراغ ينهش كيانه و يدمي فؤاده . .

 

لم يتحمل بعدها عنه و حرمان طفلته الصغيرة ، فحياتهما لا طعم لها منذ أن فارقتهما  . .

أعقب تأمله بعصبية شديدة لما يقاسياه بتساؤل :

هل يتأت له طيف زوجته من جديد ليمحو تلك الأحزان الموجعة حد الموت . .؟

 

في وسط هذا الجو المعكر و المليء بحمم ملتهبة طفحها جوفه . .

دنــت الــفتاة أكثــر منه وقـالت : إنــه أول عيــد منذ ســفرها يا أبي . . مــا رأيــكَ أن نــأخذ دفــتر الأناشيــد ونذهــب إلى جزئها المدفون ونـرنّم لــها بــفرح ؟ لقــد حفــظتُ الكــثير من الأغانــي من آنســتي في المدرســة . .

اكتفى الوالــد بـرسمِ علامات الــرفض والغضب على وجهه . . وهــو يـبتلع المــزيد والمــزيد من النبيذ،

 

بيــنما ســارة لم تكتفِ ، بــل راحت تردّد طــلبها بإلحاح بريء و بدون يأس . .

__ أرجوكَ

__ انهض

__ ســنتسلى كثــيراً

 

__ توقف عن الشرب فمنذ ســفر والدتــي فجأة و من دون أن تودعنا حتى و أنت غارق في حزنك. .

تزاحمت تلك المشاعر المتضاربة حينها و لم يستطع السيطرة على مشاعره أكثر . .

فــلم يــكن منه و هو في قمة السكر ســوى أنه رمى بالكــأس وطــرحَ طفلته أرضــاً بكل قواه الغاضبة . .

 

لكي يتمــزّق فستانها الوردي بـقوة ، و شريطها اللامع يندثــر تحت الطـاولة برشاقة. .

 بيــنما هي نهــضت غيــر مكتـرثة بـما حصـــل. . ذارفةً دمعتين ساخنتين . .

ضــرب الوالد جبيــنه بــكفّه ، وابنته أمــامه تنتــظر جــواباً لهذا الفــعل الغاضب . .

 

إلا أنه لم يســتطع الصــمود أكثــر أمــام حــرب " الخواطر المكســورة " هذه ، لقــد انسحب وأعلن الهزيمة . .

و استلَّ بعدها مسـدساً مــن جيبه و وجَّهه نحــو وجهه دون اكتــراث لابنته المــركونة إلــى جـانبه بـصمت . . فــركضت ســارة نــحوه عالـمةً بشيء بشـِع سيــحصل ما لم توقفه . . وهجمت على يــده فــأُطلقت

كــل الرصاصات على رأسها وصدرها بسرعة و بدون ألم . . !

 

مــرّ المشــهد بـثوانٍ . . وكـأن الزمن أبى أن يــُعجل بما حــوته ثوانيه . .

والــدٌ شــاحَ نــظره نــحو الــعدم . . وفــتاةٌ تبــقّر جسدها وأصبح ثقــوباً رســمت " اللاشكل " عليها والدمـاء تسيــل حزينة على فســتانها الوردي وعلى الحوائط والشــجرة . .

كان صــمتٌ حــاكَ وثــاق الأمــل الضــائع ،

 

 أُضــاف إليه مشــاعر قــوية طغت على هذا المــكان في منتصف اللــيل . . !

كــلَّ هذا حــدث فـي وقت قصير ، وكـأنه شــريط ســينمائي تراءى لــ الرجــل الذي اســترجع حاضره

جنــباً إلى رجال الشــرطة الــقابعين معه في مســرح " ليلة العيــد الدموية هذه "

 

قــال الشـرطي بسخرية متعصبة بــعد أن كُســر الصمت مجددا : ألــن تتــحرك أيــها الــوالد الــرائع ؟! .

وبيــنما كان الرجلُ يــهمُّ بالحــراك " بعد طول عناء " . .

اختــرق طيــفُ ســارة جدار الغــرفة وحاذت والدها ، فـداعبت يــده الداميــة وقــالت بنبرتها الملائكية:

 

لا تــقلق يا أبي . .

ســأنظّف الشــجرة من " الصلصة الحمراء " كــي أكــون بــنظرك فــتاةٌ بــالغة ، لا تتــأخر في العــودة

فــأنا وأمي ســنكون بــانتظارك . . مــهما طال الوقــتُ . . . سيــكون لــنا ملــتقى . .

 

 

تــمــت

 

 

 

ملاحظة : القصة قد كُتبت من قبـلي وتـمّ نشرها في أحد المنتديات سابقاً عن طريقي . .

2011-03-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد