غوغل والغربة...
عاد إلى منزله متعباً، سألها فوراً عن الطعام، كانت ابتسامتها مشرقة وعيناها تبرقان بسعادة، والمفاجأة رائعة لا محالة..
دعته إلى المطبخ بعد أن طلبت منه و(برومانسية) أن يغمض عينيه، فاستسلم لرغباتها ودخل إلى المطبخ رغم أن معدته تزقزق وتطلب الطعام دون مقدمات كهذه..
فتح عينيه فرأى سفرة رائعة، كثيرة هي المقبلات والسلطات والطبق الرئيسي دجاج مقطع على طريقة أجنبية، لم يكن منظره رائعاً ولكنه ليس سيئاً أيضاً بالنسبة إلى جائع، لثانية فكر في ثمن تلك الأشياء التي كونت تلك الوليمة، وتلاشت التساؤلات مع صرخات معدته التي نادت لكي يجلس فوراً على المائدة ويبدأ بتناول مالذا وطاب..
وفعلاً جلس ووضع في فمه ملعقة سلطة باحثاً فيها عن الطعم الذي اعتاده في طفولته، ولكن سرعان ما عرف أن ذلك الطعم لن يتذوقه إلا إذا كانت تلك السلطة محضرة بأيدي والدته، بحث عن الخبز وعندما لم يجده سأل زوجته التي جلست مستاءة من تصرفات زوجها الذي لم يعبر - كما كانت تريد - عن سعادته بتلك السفرة التي حضرتها لساعات وساعات فأجابته بأن الخبز ليس مطلوباً إلى جانب هذا الطبق..
لم يقتنع كثيراً فتناول شوكته وتذوق قطعة من لحم الدجاج المتبل بالبهارات والذي لم يدر من أين حصل على لونه الأصفر..
بدأت ملامحه تتغير، شحب لون وجهه وهو يمضغ بصعوبة تلك القطعة، وفجأة ركض نحو الحمام ليبصق ما وضعه في فمه..
صرخ من الحمام: لك شو هاااااااااد؟
ذهبت الزوجة خلف زوجها وسألته: شو شو هاد .. فيك شي حبيبي؟
أجابها: لأ ما فيني شيني .. سلامتك .. إيمتى بدنا نخلص من شغلة هالغوغل؟
ترد عليه زوجته بحدة: صرت ألف مرة ئايلتلك (غوغل) ما دخلو .. بعدين نحنا قلنالك قبل ما تتجوزني إني ما بعرف إطبخ .. شو فيها إذا تعلمت من (غوغل)؟
أجابها: لك يا بنت الحلال مو كل شي بتدوري عليه وبتلاقيه بغوغل مزبوط .. هلأ إذا بدك بطلعلك ألف طريقة لقلي البيض..
تحتد وترد: إي لأنو أنا ما بفهم وما بعرف نقي الموقع اللي بينفات عليه واللي ما بينفات عليه..
يمشي باتجاه المطبخ فتمشي خلفه وهي تقول: بعدين شو صار يعني إذا ما عجبتك الأكلة ضروري تنبحت وتعيط .. هادا بدال ما تتشكرني صرلي خمس ساعات وائفة عم حضرلك أكلة تاكلا..
يملأ الزوج كأساً من الماء، يشربه ويرد: يا بنت الناس هيك ما بيمشي الحال حطي حالك مطرحي .. جاية ع البيت مهدود حيلي بدي آكل لقمة متل العالم والناس واقعد مع مرتي .. بقوم بلاقي.......
تقاطعه زوجته: شو بتلاقي يا بعدي .. كنت تئلي روح ئلبك المأكولات الغربية .. الشيش والسكالوب والمكسيكي والهمبرغر .. هلأ صارت هالأكلات كخ..
يرد عليها بهدوء: لأ ما صارت كخ .. بس كنت حبا وئت كنت عزابي .. هلأ أنا متزوج وجاية على بالي آكل مأكولات شرقية .. بعدين دول الخليج مليانة مطاعم مأكولات غربية شو بدي لحتى آكل هيك أكلات بالبيت إذا فيني آكلها بالمطعم؟
ترد عليه وهي تهز رأسها: لك والله إنت صايرين عئلاتك جوزتين بخرج .. بقلك شو بدك تاكل بتقلي متل ما بدك ولما بعملك متل ما بدي بتجن..
يرد عليها منفعلاً: أنا عئلاتي جوزتين بخرج .. طيب ما سألتي حالك ليش ما بقلك شو جاية على بالي؟
تجيبه وتسأل: لا والله ما سألت حالي .. ليش ما بتقلي شو جاية على بالك؟
يرد عليها: شو نسيتي هديك المرة وقلت قلتلك تساوي كوسا محشي شو صار؟
تحتد وترد: هوهو علينا وعلى هديك الساعة يلي عملنالك فيها هالكوسايات .. أخي أنا ما بعرف اطبخ ولما بدي اطبخ بفتح غوغل بتعلم الطبخ إلا إذا بدك ياني افتح خط على سوريا واتصل بماما خليها تعلمني الطبخ ع التلفون..
يبتسم ابتسامة غيظ ويتمتم: على أساس طبخ امك احسن..
فتسأله بعصبية: شو قلت .. شو قلت .. هلأ طبخ أمي ما عاد يعجبك كمان .. وأنا يا سيدي ما بيعجبني طبخ امك ولا بي....
يقاطعها: خلص مشان الله خلص .. أنا ما سدقت إيمتا صرت برات البلد مشان اخلص من سيرة امي وامك يلي كنت تعمليلي ياها بالشام .. خلصيني أنا غلطان ومنك السماح..
ترد عليه: هلأ هيك صارت الأمور بالنسبة إلك .. بس خناء ع الفاضي..
يرد عليها مستهزءاً: بالله خناء ع الفاضي .. يعني لازم يسقط شي عشرين واحد بين جريح وقتيل لحتى ما تكون ع الفاضي..
ترد عليه بانزعاج: أصلاً انت هاد اللي شاطر فيه .. المسخرة والمئلسة..
يسألها: يعني هلأ شو بدك هي اعتذرنا منك بس بدي اطلب منك طلب أخير..
ترد عليه: اي لأ سيدي اعتذارك مو مقبول وبعرف شو بدك تطلب .. غوغل خط أحمر كل ما بدي شي رح دور عليه بغوغل وإذا مو عاجبك بلط الزرقا..
يجيبها: لأ ستي ما بدي اطلب منك تبطلي غوغل بس بدي ياكي تخففيه تخفيف .. يعني مو كل ما بدنا نلبس بتشوفي غوغل كلما مرضنا منسأل غوغل كلما بدنا غرض منشوف غوغل كلما ...
تقاطعه وتقول: هلأ عم تحكي من كل عئلك .. هلأ العلم صار مسخرتك .. يعني والله مو عيب إذا تعلمنا من هالعالم يلي بالمواقع والمنتديات وغرف التشات .. ولك الإنترنت حوّل العالم لقرية صغيرة وإنت لسا بتضل ضدو.. ما بيكفي إذا اشتقت لأمي بكبسة زر بشوفها ..
شبك حطيت دابك بداب غوغل؟
يرد عليها بغيرة: بصراحة بصراحة .. أنا بغار من غوغل..
باستغراب شديد تسأله: شوووووووووو
يرد بخنوع: اي حياتي لا تستغربي أنا بغار من غوغل كتير وبخاف يا خدك مني .. شو نسيتي إنو غوغل هو يلي عرفني عليكي وقت اللي كنت عم دور على غرف تشات ولقيت موقع عرفني عليكي وخلاني حبك من الصمصومة..
ترد عليه منتصرة: ايواااااااا .. وهاد الشي لازم يخليك تحبو مو تكرهو وتغار منو .. علىالأقل لأنو أنا بحبو .. بعدين مين قلك إنو بكل غوغل أنا ممكن لاقي واحد مجنون متلك؟
حبيبي إنت..
تصدر معدة الزوج نداءً جديداً للطعام فتقول له زوجته: يلا حبيبي هي السفرة إدامك .. مساح الصحون مسح بدي ياك تاكل وتتهنى وتدعليي على هالأكلات..
يقول لها: حاضر حياتي .. الله يخليلي ياكي يا رب ويجلس على السفرة بنفس مفتوحة..
................................
................................
عبارة صغيرة أسفل الشاشة: (بعد خمسين سنة)...
حوار صغير بين عجوزين (الزوج والزوجة) ينتهي بغضب الزوج لدرجة الضرب .. ما يجعل الزوجة
تقع أرضاً دون حراك..
فيحاور الزوج زوجته الملقاة على الأرض: لك لإيمتى بدنا نضل نتخانئ .. هي صاروا ولادنا شباب وتزوجوا وكل واحد سافر على بلد وإنت بتقليلي غيرانة من غوغل .. والله داء خلئي من هالئصة .. ليش ما عم تردي .. لعمى..
تمر دقيقتان والصمت يخيم على الغرفة والزوج يرتعد خوفاً وبعد لحظات .. يضع على ركبتيه جهاز كمبيوتر محمول ويفتح برنامج استعراض الإنترنت ثم يطلب (غوغل دوت كوم) ويكتب في خانة البحث: ما هي أعراض الوفاة؟ فتظهر إشارة ساعة رملية ويبدأ تحميل صفحة النتائج..
تصرخ الزوجة: كمشتك يا خاين..
................................
................................
ملاحظة هامة: جميع الشخصيات من محض الخيال ومن وجد تشابهاً بينه وبين إحدى الشخصيات
(ينتحر فوراً) ..
ملاحظة أهم: تم تصوير المشهد الأخير في سوريا وتوفي الزوج وهو ينتظر تحميل صفحة نتائج
البحث التي طلبها..