كما هي العادة,,, برهنت أمريكا وأخواتها على القدرة في استثمار التغيرات والتبدلات الطارئة في العالم, ومحاولة تطويعها لخدمة مصالحهن الاستعمارية...
جميعنا سعِدنا بما حصل في تونس ومصر يدفعنا يقيننا بارتباط أنظمة هذين البلدين بمحور الشر المتمثل بإسرائيل وأمريكا, ومع التحفظ على السرعة التي تمت بها الأمور, والشك بالوضع الذي ستؤول له أحوال البلدين, إلا أننا رأينا شعوباً مقهورة داخلياً وخارجياً استطاعت كسر قيود الخوف والإذلال, واستطاعت دحر أولياء الشيطان من الخونة والعملاء.
ومن يراقب الأحداث كان يعتقد أن الدور قد حان للتغيير في كلٍ من البحرين واليمن, وذلك لكون ثورات شعوب هذين البلدين كانت مترافقة تقريباً مع ثورة كلٍ من مصر وتونس, ولكننا فوجئنا بتحول الكاميرا والمشهد كلياً نحو ليبيا, وبتصعيدٍ وتشويهٍ مبالغ فيه من قبل وسائل الإعلام.
لا أحد ينكر غرائب أطباع حكّام طرابلس, وتصرفاتهم وتصريحاتهم القريبة من الجنون, وتعاملهم الهمجي والغير أخلاقي مع مطالب الشعب الليبي, ولكننا كشعوب عربية علينا أن نستغرب انغماس البعض في التحريض على استباحة ليبيا, وأن نستهجن قرار مجلس الأمن الذي يتيح التدخل في ليبيا, وأن نتفاجئ بالفعل بقوات حلف الناتو تدكّ مدن ليبيا بالأمس.
ليبيا تلك الدولة العائمة على بحور النفط أسالت لعاب الشهوة لدى دول الغرب, فلا يوجد عاقل يصدق أن ارتفاع منسوب الضمير والحس الإنساني لدى مجلس الأمن هو من دفع باتجاه التدخل... ذلك المجلس الذي عوّدنا على مشاعره المتبلّدة والمتحجّرة تجاه فلسطين ولبنان والعراق.
مما لا شك فيه أن الاستعمار سيدخل ليبيا, وسيعمد بعد إزاحة النظام الحالي إلى تشكيل نظام خاضع له بالمطلق, وسيصطدم لا محالة مع الشعب الليبي, وبالتالي نحن بصدد الكلام عن عراقٍ ثاني...
تقوم أمريكا وحلفاؤها بالالتفاف السريع حول الثورات الشعبية محاولةً تطويقها وتوجيهها بما يخدم مصالحها, ومحاولة الاستفادة منها في إزعاج أعداء المشروع الأمريكي في المنطقة.
ولكن الشعوب العربية قادرة على استيعاب هذا المخطط, وقادرة على منع أعدائها من المتاجرة بمطالبها, وقادرة على توجيه ثوراتها بالاتجاه الصحيح الذي يخدم قضاياها المصيرية.
كما أن الأنظمة المقاومة للمشروع الأمريكي -وعلى الرغم من قلتها في المنطقة- ستبقى كما عودتنا أقرب لشعوبها من أعدائها, وستكون قادرة على إحباط مؤامرات العدو, وتحويل أحلامه إلى كوابيس تقض مضاجعه...
والله وليّ المقاومين...