إننا هنا في بلاد الاغتراب في روسيا نراقب الأحداث بحذر وعناية شديدة كون كل المتغيرات قد تنعكس على وجودنا فقد واجهنا أحداث أفغانستان التي أدت بالإضافة الى عوامل أخرى الى سقوط الاتحاد السوفييتي, نحاول يوما بعد يوم تقصي الحقائق.
لقد بدأ السقوط ببيع السادات لمصر وقيامه بانقلابه الشهير ضد التيار الوطني الناصري وزجه للآلاف في السجون تحت حجج واهية ثم طرده للسوفييت ثم توقيعه اتفاق "كامب ديفيد" سيئ الذكر. هنا بعد انبطاحه الكامل أمام أمريكا واسرائيل جاء دوره في خدمة الدوائر الأمريكية والظلامية فقد طلب منه الأمريكان شراء السلاح من الروس وبيعه "لمجاهدي أفغانستان" أولئك الذين أطعموا وتدربوا على يد المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية ومن بينهم كان الصريع بن لادن الذي كان من وجهة نظر أسياده الأمريكان بطلا مناضلا ضد هيمنة الجيش السوفييتي على أفغانستان لقد شارك الناطقون بالعربية وعددهم أكثر من خمسين ألفا شاركوا بالحرب التي كانت جارية في أفغانستان ضد السوفييت في الوقت الذي كان الاتحاد السوفييتي يقدم الدعم اللوجستي والعسكري والاقتصادي والعلمي لكثير من الدول العربية مثل اليمن الديمقراطي وليبيا والجزائر وسورية.
سياسة السادات هذه لاقت الترحيب من بعض الزعماء والمشايخ العرب الذين باركوا تسليح عرب أفغانستان حيث أن المعادلة كانت في ذهنهم الخيار ( بين الايمان والكفر) وبالحقيقة كانت أمورا شكلها الخارجي صحيح وباطنها غلط إذ أن الهدف منها كان زعزعة قوة البلد السوفييتي الذي كان يقدم الدعم لحركة التحرر العربية على جميع الأصعدة.وهل أرض أفغانستان مقدسة حتى تترك فلسطين لأجلها.
لقد استنكر العديد من المثقفين العرب تدخل ساسة مصر وغيرهم ممن كانوا يحسبون أنفسم مجاهدين في شؤون أفغانستان منطلقين من قناعة راسخة أن قضية العرب المركزية هي قضية فلسطين وكانت هناك ثقة بأن فتح جبهات في أفغانستان وباكستان أو البوسنة أو غيرها ما هو إلا تقاعس حقيقي عن القيام بالواجب تجاه القضية الأولى للعرب وعمل خاطئ في توسيع دائرة الأعداء وتضييق دائرة الأصدقاء وكذلك تشريد لقوى الأمة إذ أنه في الوقت الذي كان البعض يغادر الى أفغانستان تاركا الأراضي العربية كانت الجيوش الإسرائيلية تقوم بفعل البطش والقتل تجاه كل من هم من أنصار التحرر في سورية ولبنان وفلسطين بينما ذهب السادات للتقارب مع أمريكا واسرائيل.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أعلنت أمريكا نفسها سيدة العالم وسقطت بعد ذلك أحزاب أو غيرت من برامجها واختار البعض اللحاق بالقطار الأمريكي قبل أن يمشي. أما عرب أفغانستان الذين انتهت مهمتهم فقد هرب من هرب ووقع قسم منهم بيد المخابرات التي دربتهم وعلمتهم وزجتهم بحروب لا جمل لهم فيها ولا ناقة . فمنهم من دخل معتقل غوانتاناما ومنهم من لاحقته قوى الأمن في بلده ومنهم من استطاع الفرار.
نعود الى تسمية هذه المداخلة هل مقتل بن لادن انتصار لأمريكا أو استغناء عن حليف انتهت مهمته؟ الأغلب هو القول الأخير إذ أن أمريكا استفادت من بن لادن كعملة ذات وجهين الوجه الأول رشحته مناضلا من أجل رفع راية الإسلام في أرض أفغانستان وأضعفت حركة التحرر العربية وحليفها الكبير, والوجه الآخر رشحته كعدو لدود لأمريكا كي تعلن حربها ضد الارهاب وحصرا ضد الاسلام خادمة بذلك إستراتيجية جديدة وهي العداء للإسلام.
اليوم بدلا من الاتحاد السوفييتي على أرض أفغانستان تقبع دبابات وطائرات الناتو وعلى رأسه أمريكا وغابت معادلة (الكفر والإيمان) التي رفعها مناصرو أفغانستان علما أن عدد الضحايا هنا أكبر بكثير والهدف من دخول الأمريكان الى أفغانستان ليس بناء دولة مسلمة هناك بل دولة خادمة لحليف مهيمن.
ونسأل هنا لماذا توقف المشايخ وساسة العرب من دعم مجاهدي أفغانستان بل أخذوا يبحثون عنهم لزجهم بالسجون؟ الجواب لأن المعلم لم يعط تلك التعليمات.
أما عن الاستغناء عن حليف قديم فبالنسبة لأمريكا فهذا ليس بدعة فالتاريخ فيه عدة شواهد على ذلك لنبدأ من حسني الزعيم ثم السادات ثم شيفر نادزي ثم الاغتيالات المعروفة في باكستان حيث لا يمكن أن يكون هناك تغيير لشخصية ما دون معرفة أو مباركة ال CIA .
لم يدرك البعض أنهم سوف يكونون أداة في يد الامبريالية الأمريكية التي فيما بعد سوف تنقلب ضدهم. لذلك أحذر زوار البيت الأبيض في الوقت الحاضر من أولئك الذي يدعون أنهم يمثلون المعارضة السورية أحذرهم من أن يأتي الوقت الذي تقرر الغرف السوداء في البنتاغون أو غيره الاستغناء عن خدماتهم . وأنصحهم أخذ العبرة من دروس التاريخ إذ أن التاريخ لايجبر أحدا على دراسته ولكنه يعاقب من يتجاهله.