توفر الأم لجنينها الحماية والتغذية والدفء قبل أن ترى عيناه نور الحياة، وتستمر في عطائها بما سبق مضافاً إليه الرعاية والحب والحنان، وأية أم في الدنيا مستعدة لأن تتحمل آلام الجوع والبرد من أجل ألا يحس أبناؤها بأدنى مشاعر الجوع والبرد والحرمان.
وأي إنسان يفهم قيمة الأم يقدّر تراب وسماء الوطن الذي هو الأم الكبرى، وكل إنسان يقيم على ترابه وتحت سمائه ويشرب من مائه ويأكل من خيراته هو شقيق للآخر، والوطن هو الحاضن والحامي للجميع، ويجب أن تكون النظرة إليه والتعامل معه على أساس الاحترام، وأن له حقوقاً ليست بأقل مما تتمتع به، ويجب ألا يحرم منها وهي حقه في حياة حرة كريمة وعدم تقييد حريته أو الانتقاص من كرامته أو امتهان إنسانيته واحترام خصوصيته والسماح له بممارسة حياة دون قيود مصطنعة وغير مبررة ولا غرض من ورائها سوى السرقة المغلفة بشعارات لا حصر لها والتلذذ بتفريغ شحنات مضغوطة داخل نفوس مريضة كرّست نفسها للتلذذ بعذابات الآخرين، ونسيت ما قاله الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” .
وإذا كان الإنسان مخلصاً في علاقاته الأسرية من أم وأب وأشقاء فإنه بالتالي مخلص للوطن ولمن يشاركه الوطن، ومن يتنكر لحقوق الأسرة الصغرى لن يكون قلقاً بجحود وعقوق الأم الكبرى بكافة الطرق التي تسيء للأم الكبرى عندما يسمح للآخرين بغرس كل سكاكينهم والدوس بأحذيتهم القذرة على جسد الأم الكبرى معتقداً أنه يحقق حلماً يرضي أنانيته البغيضة، ولكن بعد انجلاء الضباب يكتشف أنه كان يعيش وهماً غبياً، وحتى لو أفلت من العقاب فإن بقية حياته عذاب محكمة الضمير، إذا كانت لا تزال في ضميره آثار حياة .