من هو الآخر؟ سؤال يطرحه كل إنسان على نفسه، وأكيد أنه ليس العدو، لأنه لا علاقة مع الأعداء إلا ضمن حدود رسمية واتفاقيات وقيود، وحتى الأعداء فإن علاقة العداء معهم ليست أبدية، وتتحول أحياناً إلى نوع من المصالحة أو التحالف بعد العداوة أو علاقات طبيعية
وكذلك يمكن لعلاقة الصداقة أن تتحول إلى عداوة بعد أن تتحول الحرارة إلى فتور وبرود، ومن ثم تسخين عكسي إلى العداوة، لأن شرخ الخلافات والاختلافات يفسخ العلاقة تدريجياً، لتصل إلى درجة الانفصال التام في العلاقات التي يمكن أن تتطور إلى عداء، والآخر المقصود هنا هو كل من هو خارج “الأنا” الفردية، وهو الزوجة والابن والأخ والصديق والجار وزميل الجامعة، أو الوظيفة لأن لكل إنسان تركيبته الشخصية المستقلة التي لا تشبه الآخرين من خصائص جسدية وقدرات عقلية وقناعات نفسية يختلف فيها حتى عن توأمه وأي إنسان يصل إلى سنه .
وفي مرحلة ما بعد فترة المراهقة الخطيرة التي يمكن أن يحصل فيها انحراف في شخصية الإنسان، تودي بمستقبله إلى الهاوية، تليها مرحلة عنفوان الشباب الذي يرى البعض من الشبان أنه أكثر قدرة جسدية وعقلية من والديه، وهذه المرحلة من عمر الإنسان ليست سهلة ويكون الكثير من الشباب ما بين أواخر السن المدرسي ومرحلة الجامعة وبناء الشخصية القادرة على دخول حياة المجتمع الحقيقية التي يتوقف عليها مصير مستقبل الإنسان من الناحية العملية والاجتماعية والاقتصادية والاستقلال عن الوالدين والبدء ببناء العائلة المستقلة لتستمر عجلة الحياة في الدوران إلى الأمام .
ومن كان حفيداً لأشخاص يصبح بعد نصف قرن أو أقل جَداً لأحفاد بعد مروره بمراحل الحياة المختلفة، ويشعر بإحساس مشابه لما كان يحس به آباؤه وأجداده في مثل هذه المرحلة العمرية، ومن هنا فإن الإنسان يجب عليه تربية أبنائه وطلبته على الصدق والصراحة في حياته، لأن حبل الكذب قصير مهما طال، وأقصر الطرق هو المستقيم، والحياة التي تبنى على اللف والدوران والكذب والغش والخداع تودي بصاحبها على الأغلب إلى مواجهة تعقيدات، اقتصادية واجتماعية وأخلاقية، لأنه يضرب بنفسه علاقته مع الآخرين في الصميم، ويفقد ليس ثقة الآخرين فقط سواء زوجة أ وأقارب أو أصدقاء أو زملاء دراسة وعمل، بل ربما يعقد العلاقة معهم أو يفقدها، ويجد نفسه وحيداً يعاني تعقيدات في علاقاته الاجتماعية التي تنعكس على نفسيته، ويترتب عليها اهتزاز في شخصيته، وخلل في قراراته وصراع مع ذاته، مما يؤدي إلى فشله في أن يحيا حياة طبيعية مثل باقي البشر، الأمر الذي ينعكس سلباً على جميع من هم حوله، ولا يستطيعون التخلي عن علاقتهم معه بقرار، لأنه ليس من السهل على الإنسان التخلي عن العلاقات الأبوية أو الأخوية لأنها علاقة دم، وليس من السهل على الزوجة كسر علاقة الزوجية بسبب العشرة والأبناء، لذا مطلوب من كل إنسان أن يشعر بالآخر، ويتعامل على أن لكل مرحلة عمرية خصوصية في طبيعة التعامل، يجب أخذها في الاعتبار .