ولأننا أصبحنا مدمنين لارتياد هذا العالم ـ الفيسبوك ـ لا نفكر أو لا نريد أن نفكر أنّ هناك رجلاً ما.. سلطة ما.. ستأتي يوماً وتقرر إيقاف هذا العالم الافتراضي..
في يوم من الأيام كان هناك هتلر أراد أن يطوِّع العالم حسب رؤاه ورغباته.. سخر لحلمه هذا كل شيء.. السياسة والاقتصاد والإعلام.. رغم كل مكيافيليته.. رغم كل الدماء التي أسالها.. وكل الدمار الذي أحدثه في سبيل تحقيق حلمه الأحمق ـ رسم عالم على صورته ـ.. ذهب هو ملعوناًً من غالبية البشر.. وبقي العالم يتابع بثقة مسيرة فوضاه.. أو لنقل مسيرة تطوره غير المنضبط.. وإن كانت هناك فلسفات و قوانين ترصد تطور المجتمعات وتحدد أطواراً وحقباً لها.. فإنها عندما تعتمد القسر تذهب ريحها ويأتي غيرها ليملأ الفراغ.
طبعا إذا حصل هذا بفعل التطور فإن عالماً آخر أكثر رحابة.. أكثر تطوراً.. وبإمكانات أكثر للتواصل سيحل محله.. ولن يترك كل هؤلاء الناس الذين ربوا علاقات مودة وجيرة.. وصاروا يتفقدون أي غائب من الأصدقاء بشتى السبل.. في مهب العزلة.
* * *
هناك قصة هزت عرش مصر المشغولة عن كل شيء بثورتها الفتية، بآليات التغيير، وبالتصدي لمن يريدون جعل الثورة.. مغدورة.. سواء من القوى الأصولية.. أو من العسكر المتربصين بكل نسمة حرية.. فتاة في عز صباها لا جسداً فحسب.. بل فكراً وروحاً أيضاً، اسمها علياء المهدي.. تنتمي إلى شباب الثورة المصرية وحركة 6 أبريل (نيسان)، وكانت حاضرة في كل فعاليات الثورة..لم تهدد بتدمير العالم بل قامت بنشر صورها الشخصية عارية على صفحتها على الفيسبوك.. فأحدثت أزمة في الشارع السياسي المصري.. نسي السياسيون تزاحمهم على أخذ حصة ما من الكعكة كما يقرؤون مصر ما بعد الثورة.. وتذكروا أن عليهم محاكمة الفتاة التي دنست شرف القبيلة وإقامة الحد عليها بتهمة نشر الرذيلة.. حتى ائتلاف الثورة المصرية أعلن براءته من كل ما يصدر عن علياء من تصرفات عدّها الائتلاف منافية لعادات الشارع العربي وتقاليده.
مدونة علياء المهدي شهدت إقبالاً كبيراً جداً فيما رأى كريم عامر حبيبها أن سر الإقبال يعود إلى الهوس الجنسي في العالم العربي.
هذه الحالة أثارت تعليقات كثيرة بين كتاب الفيسبوك. ومن هذه التعليقات سنختار ما كتبه صحفيون وكتاب وشعراء على صفحاتهم..وسنقتصر على تعليقات الشعراء على هذه الحالة.. لأنهم هواة غواية ويتبعهم الغاوون..
يامن حسين
علياء المصرية تعرت.. للتعبير عن الاحتجاج
الحرية لا تتجزأ
رائد وحش
ما هذا كلّه..؟
ثمة من يريد تطبيق حدود دينية عليها..
ثمة من يراها خطراً يدكّ حصن الأخلاق الشرقيّة..
ثمة من يريد استثمارها في معاركه السياسيّة..
ما هذا كله..؟
علياء المهدي تعرت وحسب
الشاعر يحيى جابر
أنحاز للمتظاهرة علياء المهدي بكل عريها في مصر.. وللمرأة المنقبة المتظاهرة في اليمن وللعباءة السوداء في البحرين ومنديلها الأبيض في سورية، الحرية امرأة أولاً، الثياب تفاصيل..!
الشاعرة جومانا حداد
تعرّت علياء المهدي لتقول رياء المجتمع ونفاق الأنظمة وقمع الأديان. تعرّت، لا لأن العري مطلوب في ذاته، بل لتعلن: (جسدي ملكي أيها الخبثاء). طفلة في العشرين تواجه عالم الذكورية، تبصق في وجهه، تثور عليه وتصرخ: (اخلعوا ملابسكم وانظروا إلى أنفسكم في المرآة واحرقوا أجسادكم التي تحتقرونها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلى الأبد، قبل أن تنكروا حريتي في التعبير).
تحدت ثقافات غارقة في الجهل والفصام والشيزوفرينيا، والتخلّف والتكاذب وفنون الاختباء وراء الإصبع الوسطى، وأدياناً اختصرت الجسد في مفهوم (الخطيئة)، ومجتمعات تهجس بالجنس، لكنها لا تجرؤ على التحدث عنه. مجتمعات تنهى عن المنكر بيد، وتمارس الدعارة الفكرية باليد الثانية. حتّامَ نظل نتناول الجسد في عالمنا العربي، إما بإيحاءات مواربة مضحكة، وإما بخوف جبان؟ حتام هذا الدوران حول الأفكار والشهوات والكلمات والأفعال والحقائق والوقائع، وهذا الفصام القاتل بين طبيعتنا البشرية وحياتنا؟
علياء المهدي: أحييك. جسدك البريء في عريه هو أجسادنا جميعاً.
* * *
عن الرجال أيضاً ونزواتهم وتربيتهم الذكورية تكتب شيرين العطار:
الرجال مخلوقات غريبة؟
1 ـ الرجال دائماً مشغولون!
2- ورغم أنهم مشغولون، إلا أنهم يجدون وقتاً للنساء!
3- ورغم تخصيصهم وقتاً للنساء، إلا أنهم يهتمون بهن كما يريدون!
4- ورغم عدم اهتمام الرجل بالمرأة، إلا أنه دائماً يريد واحدة إلى جانبه!
5- ورغم اختياره واحدة إلى جانبه، إلا أنه دائماً يفكر بأن يرتبط بامرأة أخرى!
6- ورغم ارتباطه بامرأة أخرى، إلا أنه يغضب إذا تركته الأولى!
7- ورغم غضبه من إهمال الأولى، إلا أنه لا يتعظ ويرتكب نفس الخطأ ويفكر في أخرى، وهكذا!
* * *
واحة شعر
هنا مقتطفات من نص جميل لشاعر عراقي اسمه وسام هاشم.. لولا هذا الفيسبوك ربما احتجنا وقتاً أطول لنكتشف هذا الجمال.. وربما مضينا ومضى هو دون أن نقرأه بكل هذه المتعة.
قلت لهم : تحت جلدي الذي ستأكله الشيخوخة قريباً حشد خرائب وشمس خطية ونهار نحيف وحار
وأختام ملوك وترجمات بارعة لكراهياتكم البليغة فدعوني أتسلل إلى القبر ساكتاً عن جلدي
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
لا أكتب الشعر وعيونكِ.. فقط أشتري بالكلمات أن لا أضرب بالصخرة رأسي، ولا ألقي بنفسي من عمارة شاهقة ولا أحب سواكِ
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
تحت لساني حبة لإنقاذ القلب وفي قلبي شجر كثير.
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
سأبقى مثل وطن أعرج ألهث خلفكِ وتبقين مثل شجرة تتسكع خلف ظلي.
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
الكتابة والجنون هي لا أدري واسعة, المطر بين نهديك هو أدري ضيقة.
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
في البيت بيت أفرط بالخمرة فانهار على العتبة.
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
أتحاشاك كمجنزرة تدهس ذكرياتي.
في البحر لا تسبح الأسماك, في البحر تتطاير فقاعات حياتنا هرباً من القاع.
... .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
الذي يعرف الشعر جيداً يعطيه إلى حبيبته والذي لا يعرفه يعطيه إلى الجريدة
حسين خليفة