تسعةُ أشهرٍ خلتْ و طينُ الأزمةِ لا يزداد إلا بلّة , و جراح هذا الوطن الغالي لا يتوقف نزيفُها, و لا بصيصَ حلٍّ يلوح في الأفق, أو خيطُ نورٍ يبشر بنهاية هذا النفق الموحش الطويل.
لست أريد الغوص في أعماق هذا البحر الهائج الذي لا يعلم إلا اللهُ وحدَه على أي ساحلٍ ستقذف بنا أمواجُه, داعياً المولى عزّ و جلّ أن يكون برّ الأمن والأمان و العز و الازدهار..
بين المعارضة و الموالاة, خاض الخائضون و حلّل المحللون, و أيهم على حقٍ و أيهم على باطل, و كلٌّ يحاول سحب البساط من تحت من هو من المفروض أن يكون شريكَه في الوطن , و مازلنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها, و مثلنا كمثل النافورةِ التي تبتلع ماءَها لتعود فتقذفَ به كرّةً أخرى.
و لا ريبَ أن أسوأ ما في الحكاية كلِّها هو هذا القتل و سفك الدماء, الذي تكاد أذاننا تألفُ سماع أخباره على شاشات الفضائيات , كما ألِفتْ من قبل سماع قتل إخوان لنا في فلسطين , و أخشى أن يأتيَ يومٌ نسمع فيه أنَّ بين ظهرانينا إخواناً لنا يقتلون فلا تهتزُّ لنا شعرةٌ و لا يرفُّ لنا جفن , و لست أحدّد هنا من هو القاتل و من هو المقتول, أو من هو الجاني و من هو الضحية, و لكني أقول لكلِّ من يقتل إنساناً بغير حق, إنّك أيها القاتل ما كنت تقتل أخاك الإنسان لولا أنّك قتلت إنسانيتَك فيك قبل ذلك.
سأترك المعارضةَ و الموالاة و شأنَهما , و أتّجه إلى الفئة الثالثة التي يدعونها
( الفئة الصامتة ) . و الصّمت ليس دائماً من ذهب , و إلا فكيف شُبّه السّاكت عن الباطل بشيطان أخرس.
كنت أعذر هؤلاء على ميلهم للصّمت مع بداية الأزمة نتيجة التباس الأمور عليهم ,و لكنّ تسعةَ أشهرٍ أظنُّها كافيةً لتكون الصورة أمامهم جليةً واضحة, و يتخذوا بناءً على المعطيات التي تكونت لديهم موقفاً حاسما.
لذلك فإنّي أطلق على هؤلاء لقب ( اللاموقفيون ) أو جماعة ( ما دخلنا ) أو فئة ( فخار يكسر بعضو )... لا أعرف لماذا يذكِّرُني هؤلاء بفيلم كنت قد شاهدتُه منذ سنين, يتحدّث عن ثلّةٍ من النّاس حضروا حادثةَ صلب المسيح , فشهدوا عذاباتِه و سمعوا أنّاتِه , و لكنهم بقَوا صامتين غير مكترثين لآلام المسيح و أوجاعِه, لا يحرِّكون ساكناً , يتفرجون على مأساتِه كما لو أنَّهم يتفرّجون على عرض مسرحي, فكان جزاؤهم من الله على فعلهم هذا - أو بالأحرى على عدم فعلهم – أن يحييهم و يحضرهم إلى مكان كل جريمة قتل تحدث على هذه الأرض, ليتعذبوا و هم يشاهدونها بعيونِهم الجاحظة و وجوههم الشّاحبة و الخالية من أي تعبير , لذلك أرجو ممن يتذكَّر اسمَ الفيلم أن يذكُرَه لي لننصح هؤلاء اللاموقفيين بمشاهدته , فيرَوا صورةَ أنفسِهم على مرآة الشاشة.
إنّني أحترم المعارض يجنح للسلم بمعارضته, و أوقّر الموالي ينبذ العنف و يفتح صدره لمخالفه, و لكني - و اعذروني على سوء أدبي - لا أحترم و لا أوقّر هؤلاء الذين بلا موقف , و لا أبالغ إن قلت إنني بدأت أبغضهم , و أرجو ألا يتطوّرَ بيَ الحال فأحقدَ عليهم.
هؤلاء الذين يعتنقون مذهب ( يلي بيتزوج أمي بقلّو يا عمي ) , ألا يعلم أولئك أنّ الذي لا يهتم بأمر زواج أمه تزوجت من فلان أو من علان لهو إنسان لا يستحق الحياة, أوَليست الحياة موقف...!؟
إنهم سيبقون هكذا ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من يضلِل اللهُ فلن تجدَ له سبيلا ) النساء:143, ولربما جاؤوا هؤلاء بوجهٍ و هؤلاء بوجه.
إنهم ينتظرون و هم يرقبون خلسةً كفتيّ الميزان أيّهما تميلُ فيميلوا معها,
ثم سيقولون للذين انتهى إليهم الأمرُ ( إنا معكم إنما نحن مستهزءون)البقرة:14
و هنا نرجو من الله العلي القدير أن ينتهي أمر وطننا إلى الخير و الفلاح, و يبقى بلدنا بلداً أمينا ...... اللهم آمين.
بقيتْ لديّ همسةٌ أهمسُها في أذنِ كلِّ مواطنٍ سوري , فليكن شعارنا أيها الأخوة في هذه المرحلة الحرجة دائماَ - من لم يكن معنا.... فهو أخ لنا.