كان يا ما كان , في حديث الزمان , و حاضر العصر و الأوان , حدث في إحدى البلاد , و في ليلة شديدة السواد , أن جاء لصٌ قاتل يريد أن يدخل أحد البيوت , ليسرق ما فيه من مال و قوت ..
لكنّه فوجئ ببعض الكلاب , التي كانت تحرس الباب , فلمّا بدأتْ تنبح عليه , مدّ إلى جرابٍ يديه, و أخرج بعض العظام من الجراب , و ألقاها للكلاب ,و لأنَّ الكلاب ساذجة حمقاء, أخذتْ تلعق العظامَ بهناء , و لأنَّ الله لم يمنحها الكياسة , تركت البيت بلا حراسة , ثمّ دخل اللّصّ من الباب , فوقف أمامه البوّاب , و لمّا جاهد البّواب ألا يدخلَه , ما كان من اللص إلا أن يقتله , عندها استيقظ أهل الدار , و كأنّهم عرفوا ما الذي صار , و إذ شعر الأبُ بالورطة , حاول الاتصال بالشّرطة , ممّا أثار سخرية اللص المظفّر , فقد كان هو نفسه رئيس المخفر , حاول الابن الأكبر أن يستخدم سلاحاً كان لديه , لكن رئيس المخفر انقض عليه , فقد كان رجلاً بالسلاح خبيرا , و بالنصر في هذه المعركة جديرا , فأطلق عليه رصاصة فقتله , و هو يقول له :
( يا أيها الخائن , ما هذا الفعل الشّائن , أترفع السلاح في وجهي أنا رئيس المخفر !؟, أيجرؤ الأرنب على مواجهة الغضنفر!؟ )
ثمّ ما لبث اللصّ أن قتل كلّ العائلة , حتى غدتْ دماؤهم في أرجاء البيت سائله.
أما الجيران , الذين كانوا يسكنون ذات المكان , فمنهم من ظلَّ في فراشه نائما , و بأوهامه حالما , و منهم من استيقظ و لكنه كان خائفا , مع أنه كان بالموضوع عارفا , فلم يجرؤ على مساعدة جاره , و بقي ملتزماً في داره و منهم من اتصل بالمخفر , عله بالمساعدة يظفر , و لم يكن الأمر عجيبا , ألا يجدوا لهم مجيبا , فاضطروا أن يتصلوا بالحارات الأخرى , عسى أن تكونَ لهم ذخرا , و مازالوا المساعدة ينتظرون , و أنفسهم بالعون العاجل يمنّون , و منهم من هرع إلى مساعدة جاره , و كان من أنصاره , و لكنّ عناصر المخفر الذين أطبقوا على البيتِ الحصار , منعوهم من الوصول إلى الدار , و أخبروهم أنّ في البيت مجرمين , من خارج الحارة مندسّين.
في هذه الأثناء , كانت الكلاب البلهاء , منشغلةً بعظمها , الذي كان أكبر همّها , هذه عظمة كبيرة , و تلك عظمة صغيرة , و ضاعوا بين طويلة و قصيرة , هذه مليئة باللحم و الدهون , و هذه ما كان ينبغي لها أن تكون , لكنّ أحداً من الكلاب لم يرفض العزيمة , و هرع للمشاركة في هذه الوليمة , غير مكترث لأمر الجريمة و مع أنّ بعضها لم تكن بحصّتها راضية , لكنّها كانت إلى التهام عظامها ماضية , و أخذتْ تنهش العظام بناباتها , و اعتبرتْ هذا اليومَ ( أعظمَ ) يومٍ في حياتها. في الوقت الذي كان فيه اللص المحتال , يمارس على أهل البيت القتلَ و الإذلال .
و عندما خرج من البيت اللص الجبان , نظرتْ إليه الكلاب نظرة امتنان , و نبحت له نباحاً ناعماً ينمّ عن شكرِ و عرفان.
و حتى لا يصيبَكم الذّهول , لابد أن أقول , أنّ العائلة التي قتلها هذا المخبول , كانت تطالب بإقالته , ثمّ السعي إلى مساءلته , لأنّه كان رجلاً ذا ظلمٍ و فساد , و قد أنهك بظلمه العباد , كما سمعت أنّ مزيداً من العائلات , كانت أيضاً واقفةَ بثبات, و هي تصر على نفس المطلب بالذات.
و في الختام , أريد أن أخبركم بشيء هام , و هو أنّ اللصَّ مازال لديه الكثير من العظام .
و عليكم السّلام