يمتاز حقل الاتصال بأنهُ يساهم في خلق بيئة اجتماعية جديدة، ينمي طموحات الأفراد والجماعات
أي إنهُ يمثل إحدى الديناميات الاجتماعية التي تدفع إلى إحداث التغيير، مع أنهُ لا يمثل العمل الجماعي الوحيد للمجتمع بأنساقهِ المختلفة مثل السياسة والاقتصاد، إلا أنهُ أصبحَ يلعب دوراً رئيسياً في إحداث التغيير حتى داخل هذه الأنساق التي تعتمد عليه وسيلة لتبادل الآراء والمعلومات.
تبدو الأنماط الاتصالية المتمثلة بوسائل الإعلام المعروفة: الصحافة الإذاعة المسموعة والمرئية، مكاتب البريد، الهاتف، وسائل بدائية متخلفة بالمقارنة مع التحولات الإعلامية المتمثلة بالإنترنت الذي هيمن على مصادر المعلومات في العالم، إذ جمعَ الوسائط الإعلامية السابقة في قناة واحدة جديدة، يستطيع المستخدم من خلالها أن يقرأ ويسمع ويتفاعل ويبحر(افتراضياً) من بلد إلى آخر، ومن مكتبة إلى أخرى، ومن سوق إلى آخر، ومن شبكة إلى أخرى....إلخ... دون مبارحة كرسي منزلهِ.
وفي ظل الربيع العربي المتمثل بالحراك الشبابي الذي اتسمَ بتدفق جيل الشباب إلى العالم الافتراضي الذي فوجئت به جميع القوى المشككة بإرادة التغيير، وكذلك الباحثون والمحللون الذين وقفوا أمام هذا الوهج بتساؤل: ألمْ نكنْ نرى في الشباب جيلاً يمتلك الوهج العاطفي، لكنهُ يفتقد الحكمة والرؤية العقلانية التي نمتلكها، ونفتقد نحن هذا الوهج؟ وظلَ الأمر على هذا النحو لمدى عقود انصرمت، إلى أنْ ظهر الجيل الذي أعلن أن التاريخ مفتوح، وأن ليسَ هنالك مطلقات إلى الأبد، وحتى الثوابت المطلقة قائمة على تغيير نفسها بضوابطها.
يجد أغلبية الشباب العرب أنفسهم اليوم أقرب إلى التضامن مع بعضهم في العالم الافتراضي، لما وجدوه من استباحة الكرامة والتهميش والإقصاء السياسي والفكري..
وهنا تكمن حالة المفارقة بين الجيل القديم الذي يمتلك الحنكة الثقافية والسياسية المتمثلة بالأيديولوجية التي ينتمي إليها، وبينَ تعاظم إرادة الشباب في تحقق تحوُّل باتجاه (جديد ما). بنشاطهم المتمثل بالتواصل مع العالم الخارجي والتفاعل معهُ، عن طريق تدفق المعلومات غير الممنهج، الذي يمكن أن يؤدي إلى اختراق عقل الشاب تحتَ مسمى التدفق الحر للمعلومات، وهو الركيزة الأولى في المنظومة الفكرية للدفاع عن الغزو الإعلامي، فالتدفق الحر يعني عدم وضع قيود من طرف واحد هو الإمبريالية، نحو طرف ثان هو العالم الثالث، دون الاكتراث بواقع هذا البلد أو ذاك، وهذه القومية أو تلك.
مما حدا بالباحثين أن يطلقوا كلمة ثورة على عالم الإنترنت، لأنها غيرت جذرياً البنى التقليدية حيث قللت من أهمية المركز والمكان بعد تراجع أهمية المسافات الفاصلة بين المركز والأطراف. فيستطيع كل طرف مهما كان نائياً وبعيداً أن يكون مركزاً بالتحول إلى الافتراضية. كما تجاوز الإنترنت حواجز الزمن والتعددية اللغوية والأنماط الفكرية، وأصبحت مقولة الباحث الكندي مارشال ماكلوهان، التي أطلقها في بداية ستينيات القرن الماضي بأن العالم قرية صغيرة، أقرب إلى الحقيقة مع الإنترنت.