الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة
اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس إشباع حاجات الإنسان الضرورية والكمالية، وتنمية
الملكية الفردية والمحافظة عليها. فلقد ذاق العالم بسببها ويلات كثيرة نتيجة إصراره
على أن المنفعة واللذة هما أقصى ما يمكن تحقيقه من السعادة للإنسان. ولا تزال
الرأسمالية تمارس ضغوطها و تدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمي بثقلها على
مختلف شعوب الأرض.
فالرأسماليون يعتمدون على مبدأ الديمقراطية في السياسة والحكم، وكثيراً ما تجنح الديمقراطية مع الأهواء بعيدة عن الحق والعدل والصواب، وكثيراً ما تستخدم لصالح طائفة الرأسماليين أو من يسمون أيضاً (أصحاب المكانة العالية). إذ تعمد الرأسمالية إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض. وفيما هي تقدم على هذا الأمر تكون شعوب كثيرة أشدَ معاناة وشكوى من المجاعات التي تجتاحها.
يقوم الرأسماليون بإنتاج المواد الكمالية ويقيمون الدعايات الهائلة لها، دونما
التفات إلى الحاجات الأساسية للمجتمع. وفي أحيان كثيرة يُطرد العامل عندما يكبر دون
حفظ لشيخوخته. إلا أن أمراً كهذا أخذت تخف حدته في الآونة الأخيرة، بسبب الإصلاحات
التي طرأت على الرأسمالية والقوانين والتشريعات التي سنتها الأمم لتنظيم العلاقة
بين صاحب الرأسمال والعامل ذلك أنهم يفتشون عن الربح أولاً وأخراً.
توجهت الرأسمالية هذا التوجه الإصلاحي الجزئي بسبب ظهور العمال كقوة انتخابية في
البلدان الديمقراطية، وبسبب لجان حقوق الإنسان، ولوقف المد الشيوعي الذي يقوم بنصرة
العمال والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم. فلا يهم الرأسمالية من القوانين الأخلاقية
إلا ما يحقق لها المنفعة ولا سيما الاقتصادية منها على وجه الخصوص.كان للأفكار
والآراء التي تولدت نتيجة للثورة الصناعية في أوربا دور بارز في تحديد ملامح
الرأسمالية.
إن الرأسمالية مذهب مادي جشع يغفل القيم الروحية في التعامل مع المال، مما يزيد
الأغنياء غنى والفقراء فقراً. وتعمل الولايات المتحدة الآن باعتبارها زعيمة هذا
المذهب على ترقيع الرأسمالية في دول العالم الثالث بعد أن انكشف عوارها ببعض
الأفكار الاشتراكية، محافظة على مواقعها الاقتصادية، وكي تبقى سوقاً للغرب
الرأسمالي وعميلاً له في الإنتاج والاستهلاك والتوزيع.
وقد خرج أكثر من سبعة آلاف شخص، معظمهم من السيدات المزارعات والسكان الأصليين
للبرازيل وبعض الأحزاب اليسارية للتظاهر ضد ما أسموه (المتاجرة بالطبيعة والحياة
وأجساد النساء)، والاعتراض على قانون الغابات بالبرازيل، الذي ينظم الأراضي
الزراعية ويفتح فجوة للسماح بأعمال إزالة الغابات بالأمازون.
ووصفت زعيمة حركة نساء مزارعات (أدريانا ميسادا) التظاهرة، بأنها يوم لمكافحة
الحلول الواهية للرأسمالية الخضراء، والتصدي لهذا المشروع الرأسمالي الذي يدمر حياة
الأشخاص.
بينما أكدت الأرجنتينية (ساندرا أوبييدو) من منظمة (مومالا) للنساء: (الرحم يجب أن
يحل مكان الأبوية)، في دعوة لأن تحتل النساء والأمهات (مراكز القرار التي احتلها
الرجال) لتحقيق المساواة، وأنهن يردن أن ينتقل للعالم كله في هذا المؤتمر. إن
النساء في العالم يعانين أشد المعاناة، ولا أحد يعترف بأعمالهن، ولابد من منحهن
السلطة الكافية حتى يتسنى لهن التميز وإثبات الذات.
أحدث سقوط التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، وانهيار منظومة المعسكر
الاشتراكي انتكاسة كبرى، ليس فقط بالنسبة لشعوب هذه البلدان وحلمهم بقيام عالم جديد
قائم على أسس من العدالة الاجتماعية، وإنهاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، بل إن
الكارثة قد حلت بالعالم أجمع، بعد أن أصبحت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات
المتحدة القطب الأوحد والأقوى في العالم. وتحول هذا العالم في عهد العولمة إلى سوق
مفتوحة، وتداخل واسع النطاق للرأسمال العالمي والشركات المتعددة الجنسيات، ولاسيما
بعد حصول هذا التطور السريع والكبير لوسائل الاتصال التي جعلت من العالم قرية
صغيرة، ولم تعد الحدود تقف حائلاً أمام تداخل وهيمنة الشركات والمؤسسات الرأسمالية
على الاقتصاد العالمي.
لقد أوضح كارل ماركس أن الرأسمالية تجعل من الغني أكثر غنى، وتزيد الفقير فقراً.
فإذا كان لشخص أن يحصل على ربح، كان لا بد لشخص آخر أن يخسر في السوق الحرة.
وستتحول الطبقة الوسطى إلى طبقة العمال (البروليتاريا) وستعاني البروليتاريا الجوع.
يا لهُ من زمن مشؤوم للخروج بهذه النبوءة! لقد منحت الثورة الصناعية الحرية
للابتكار والإنتاج والتجارة، وخلقت ثروة هائلة الكم، وقد وصلت إلى الطبقة العاملة
فجعلتهم التكنولوجيا أكثر إنتاجيةً وأكثر أهمية لدى أرباب العمل، وبلغت دخولهم
مقداراً ضخماً.
إن هذا التطور في وسائل الإنتاج، وتصاعد الاستغلال لجهد الطبقة العاملة، وتصاعد
الضغوط التي تفرضها طبيعة العمل لابد أن يفرض على الطبقة العاملة أن تغير أساليب
نضالها المشترك كماً ونوعاً، وذلك من خلال تنظيماتها السياسية والنقابية، لكي
تستطيع فرض شروط عمل أفضل، وأجور تتناسب والجهد المبذول، تحقق للطبقة العاملة مستوى
من الحياة المعيشية تليق بالإنسان على المدى القريب، والسعي الجاد والمتواصل من
خلال تنظيماتها الحزبية المسترشدة بالماركسية، وتطويرها بما يتلاءم والعصر الحالي،
وخلق الظروف التي تمكِّن، في نهاية المطاف، نضال الطبقة العاملة من تغيير حقيقي
لعلاقات الإنتاج، وهو الذي يمثل الهدف الأبعد لنضال الطبقة العاملة، وهو الحلم الذي
ناضلت من أجله البشرية جمعاء.
إن منظري الرأسمالية، مهما حاولوا تلميع وجهها، لن يفلحوا أبداً في مسعاهم لسبب
بسيط هو أن النظام الرأسمالي قائم في الأساس على استغلال الإنسان لجهد أخيه
الإنسان، فهو نظام تنتفي فيه العدالة، وستكون الرأسمالية في نهاية المطاف عاجزة عن
تقديم حل حقيقي وإنساني للتناقض الحاصل بين المستغِلين والمستغَلين إلا من خلال
نظام بديل يؤمن للإنسان العدالة الاجتماعية الحقيقية الخالية من الاستغلال
والاستعباد.
راجع الندوة العالمية للشباب الإسلامي
جريدة النور السورية