لا جدال في أنَ الحريات الفكرية هي من أهم الحريات الإنسانية، خاصة عند الشباب، لأنها تمثل الجانب المعنوي أو الروحي للفرد، وتسمح لهُ بتكوين آرائهِ و أفكارهِ في مختلف القضايا، وبالشكل الذي يمليه عليه ضميره أو وجدانه.
ونظراً للدور الأساسي الذي تلعبه هذه الحريات في تكوين الشخصية الإنسانية وإبراز ملامحها وخصائصها، وبسبب ما تتركهُ من انعكاسات مباشرة على تصرفات الشاب وسلوكهِ داخل المجتمع، فقد خَصصتُ هذا التقرير حول رأي الشباب الفيسبوكي بما يكتبون من خواطر، تعبر عن رأيهم الذي هو من صنع العقل. فقد قررتُ التطفل على صفحاتهم لنقرأ هذا الإبداع الشبابي المتميز المفعم بالأمل. علماً بأن الأسماء مكتوبة كما وردت في صفحاتهم الخاصة.
الشاعرة الشابة سوزان إبراهيم كتبت على صفحتها لأرواحِ شهداء التفجير الإرهابي في دمشق: هداياهم العاجلة.. ثمةَ يدٌ تبحث عن وجه صاحبها..
وسطَ الركام لتمسحَ عنهُ دماً أخضر..
وأصابع تتحرى ببطءٍ لتلامسَ عينين غادرتا محجريهما..
لتغلق الجفنين بعدَ وداعٍ أخير..
حذاءٌ يبحثُ عن قدمٍ لازمتهُ طويلاً..
ليشيّع كل الخطوات التي اغتيلت..
لمْ يُتَحْ لي الوقت لأسأل الراحلين :ما هو لونكم المفضل لأرتديهِ في غيابكم؟ ولمْ يُتَح لهم الوقت ليتركوا رسالة أو وصية..
لمْ أعثر على وجهٍ كاملٍ لأقترب من شفتيه وأقرأ الكلمات التي قتلها الرعب..
فتجمدتْ مثلَ حباتِ عقدٍ انفرط..
أيها الراحلون قسراً..
أرجو المعذرة: لمْ أجد دمعاً كافياً في خزانات عيني.. لأغسلَ الدم العالق بما تيسر من لحمكم!
بعدَ الليل لا يزهرُ إلا الفجر، كتبَ الشاب صموئيل خليل:
لكم السلام أيها الخالدون في ذاكرة الأيام، كمْ أكرهُ أن أكونَ حرفاً عابراً في صفحات هذا الزمان! طوبى لمن يرثُ عرشَ السماء في نهاية المدى.. إلى نجوم سمائي الذين ألهاني ترابُ الأرضِ عنهم، شكراً لكم! لا تدرون حجم سعادتي بوجودكم بجانبي في هذه المحنة التي نمرُ بها، ظلام الغربة يبددهُ وجود الأصدقاء.
كذلك الفنان الشاب رائد خليل يكتب:
أغصاني رهينة الريح تنسجُ صرختها صهيلاً، فمن يسمع حفيفي..؟ قالت الشجرة!.. صحراؤكِ.. مثقلة بسرابها! دعي الرمل يقلّم أظافر واحتها!
كلُ ما حولها يوحي بالردى. فتكتب رؤى خليل: كفى عهراً ودجلاً ونفاقاً! كلُ نقطةِ دمٍ طاهرة سفكت على أرض سورية هي في رقابكم إلى يوم الدين.
يشعلُ قنديل الضياء الشاب تمام قاسم بالقول:
عبرَ هذا الزمن ..لا شيء فيهِ للحقيقة.. الجميعُ يخافُ السقوط.. الأرصفة تكتظُ والشوارع خاوية من أغانيها.. فقط لديكَ مكان للانتظار.. مهيأ لكل أشكال الحلم.. وطني محطةُ انتظار للعابرين إلى الحقيقة.
يستشهد تمام نصر ديوب ، بالفيلسوف جون ستيوارت ميل بالقول: (إذا كانَ كل البشر يمتلكون رأيا ًواحداً وكانَ هناكَ شخص واحد فقط يملكُ رأياً مخالفاً، فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة).
- انطلاقاً من هذا الرأي الذي يرى فيه الكثيرون مغالاةً في إعلاء حرية الفرد, وأرى فيهِ احتراماً لرأي الآخر أياً تكن قناعته, فإن تكن الديمقراطية هي الأخذ برأي الأكثرية، فإنَ مبادئ الحرية تقتضي إتاحة الفرصة لأي شخص لكي يعبر عن رأيهِ، لأن أي رأيّ يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب، الأمر نفسه ينطبق على رأي الجماعة. ومن هنا أقول إذا كنا ندافع عن حرياتنا السياسية والفكرية... وغيرها ينبغي في الوقت نفسه ألا نقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه غيرنا وأوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، فنصادر حرية الآخرين لنعود مجدداً من حيث ابتدأنا.
لو أنَ لي ذنباً يكتب شادي العرنجي:
يعاتبني قومي.. فأقول: لماذا أنادي بحقوقي؟! يقولون: لماذا؟ أناشدُ وأصرخُ بأعلى صوتي ... لكن ما صراخي إلا انعراج.
أما عن انقطاع الكهرباء فقد كتبَ حسين خليفة على صفحتهِ: انقطعت الكهرباء، خبر عادي. العتمة غمرت روحي، خبر عادي. القلب تعب أيضاً، ربما ضربتهُ صدمةٌ كهرباء قوية، أيضاً خبر عادي. ما هو غير العادي إذاً يا مدلل؟ لمْ نزل على قيد الحياة، خبر غير عادي وغير سار ولا يعتد به.
حلمٌ في نسيمِ الربيع، يكتب سومر قدور: الحرية لا تشحذ ولا تستجدى، وإنما تؤخذ عنوة، وهي مطلقة مثل الموت والولادة.
أنا والحياة، كتبَ الشاب هادي قدور: قالَ زارا الحكيم: إنَ كل الأمور متشابهة ولا تستحقُ العناء، لأن لا معنى للوجود والحكمةُ مخنوقةٌ..؟
سؤال:هل للببغاء رأي آخر..؟؟ هذا الببغاء المسكين يتدرب بصعوبة على التعبير عن رأيهِ الخاص..! فهل يستطيع أن يفعل ذلك..؟ أتمنى.
تبكي الحياة في الظلمات فتستشهد نجوى حيدر بـ المهاتما غاندي: إنَ اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية.. إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان.
تّمام كحيل