أي إنسان على وجه الأرض يعيش ضمن بيئة او أكثر خلال مسيرة حياته ويمكن أن يتبدل المجتمع الذي يعيش فيه إذا انتقل من جغرافيا لأخرى وحتى في نفس المجتمع ومنذ الولادة وحتى الممات يتبدل الكثير من الأشخاص حوله دون أن يشعر فتختفي أجيال وتنشأ أخرى
وبعد ولادته بأعوام قليلة غالباً ما يجد من يناديه يا جدي أو يا أبي أو يا أمي والعم والخال والعمة وفي نهاية المطاف إن لم يكن تسلسله الوراثي قد توقف لأنه لم يرزق بالبنين والبنات سيجد من يناديه يا بني أو يا ابنتي أو يا حفيدي وخلال مسيرة الحياة المقررة مدتها مسبقا من الخالق والمحددة لحظة البداية والنهاية فيما يختص بالزمان والمكان دون أي فرصة للإنسان في اختيار الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت أو اللون أو الشكل أو الجنس أو معتقد الأهل .
ومع دوران الأيام تفرض الحياة أحياناً أشكالاً متجددة من العلاقات مع العائلة والناس ومما لا تفرضه الحياة هو اختيار علاقات من المجتمع المحيط بالإنسان في مكان الإقامة والعمل ولدى بعض الأشخاص من ضعيفي النفوس ممن تتغير ظروفهم الاقتصادية إيجاباً حيث يغدو هناك فارق في الإمكانيات المالية بينهم وبين المحيط الاجتماعي في مرحلة سابقه أو حتى محيط الأهل يجدون أن العلاقة مع أناس تربطهم بهم علاقة يمكن تجفيفها حتى النسيان الكامل أما العلاقة المفروضة بحكم القرابة والدم والتي من غير الممكن تجفيفها بالكامل ولكن يمكن تقليصها حتى الحدود الدنيا لان مثل هذه العلاقات تؤثر سلبا على مظهرهم الاجتماعي بعد انقلاب الحال بالصعود ماديا والهبوط معنويا فهم عندما يفكرون بزيارة إجبارية إلى قريب مستور الحال في منطقة سكنيه متواضعة يراودهم الشعور بالخجل عندما تقتحم مركبتهم الفخمة حيا شعبياً وعندما يدخلون بيتا متواضعا لعدم رغبتهم في ان يتذكروا شيئا من الماضي او خوفا من العودة اليه والعكس في نفسية البشر ممن تهبط بهم أقدارهم ماديا فانه لا يفارق ألسنتهم الحديث عن المجد الغابر ولا تفارق أنفسهم الحسرة على اندثاره ولكن وفي كل الأحوال فان التوازن والاتزان العقلي مطلوب أولاً وأخيراً
وإذا كان الإنسان يرى في غيره ما لا يعجبه منهم ففي نفس الوقت هم أيضاً لهم وجهة نظرهم وحقهم الطبيعي في ان يروا فيه ما لا يعجبهم ولو أن الإنسان دخل الى نفوس الناس ورآها على حقيقتها لوضع حدا للكثير من العلاقات الإجبارية والاختيارية ولكن الحياة مستمرة في سيرها إلى الأمام ولا تنتظر مشورة احد كما انها لا تأبه بمن رضي او غضب او فرح او بكى لان عجلة الزمن تلقي بكل واحد في لحظة انتهاء مسيرته على وجه الأرض إلى ما تحت الثرى حتى لو تمكن من الوصول إلى الثريا وقد قال أبو العلاء المعري (وما أظن اديم الأرض إلا من هذه الأجساد )