عرفته في رومانيا شاب جميل المحيا حلبي { من فسط حلب أختو بتعشقوا } يعمل بوكالة بحرية تعود لرجل أعمال سوري في كونستانزا الميناء الروماني الشهير .
كانت تربطني برب عمله صداقة حميمة، وأحيانا" صفقات تجارية متنوعة حسب السوق نسوق .
طلب مني رب عمله ترجمة نص عقد باللغة الانكليزية فترجمته له وتعرفت عليه يومها، وسألته عن راتبه الذي يتقاضاه بالوكالة شهريا" فقال 500$ عدا السكن والطعام والمواصلات ورب عمله كريم مع موظفيه وله أعمال خير طالت اغلب السوريين هناك، ومنها نقل جثامين الموتى على نفقته الخاصة، وما إن انتهى دوامه حتى غادر مسرعا"، وطلب من سائق الوكالة توصيله لبيته، وتبادلنا نظرات سريعة أنا ورب عمله كان مغزاها أن الولد طاب وعشقان إلى شباشيب أذنيه، وخاصة النساء الرومانيات صنف مطلوب في سوريا من زرق العيون إلى طول القامة إلى تقسيمات جمالية تمتاز فيها الرومانيات من سرعة بناء العلاقة مع الآخر بزواج شرعي أو بخلافه لا يهم، وهم حديثي عهد بالثورة التي أطاحت بشاوشيسكوا الذي كان نوعا ما يحافظ على القيم الاجتماعية، ودارت الأيام وكنت أراه بالوكالة البحرية في الميناء أو في بيت رب عمله الذي جعل منه مكتب ومضافة بآن واحد
وكنت الضيف المميز والوحيد من ينام في تلك المضافة لأني لا أميل للنساء الأوربيات ! هذا من جهة ومن جهة أخرى كنت مستقيم وحبب الله إلي قراءة القرآن في غربتي فكنت أحج عاما" وأعتمر عاما"وذات يوم بارد شتوي كانوني الثلج فيه يهطل بكثافة , أنبأني طبيب سوري من منطقة عين العرب في حلب أن حادث أليم تعرض له مدير وكالة بحرية سوري على طريق جبلي وعر في غرب رومانيا على الحدود الهنكارية في إقليم الاردال قريب من مدينة سناكوف مهد مناجم الذهب هناك، وعرفته فورا" بعد أن نطق باسمه الطبيب السوري وقلت في نفسي وجبت عيادته علي فذهبت إليه كانت دموعه تسفح على خديه حينما رآني وصافحني وبعدها أشاح بوجهه عني وأطلق العنان لدموعه التي خطت طرق لها صحفتي خديه، وتركزت عيناي على خدوده النظرة وعلى شبابه الغض فلم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره بعد هدأت نفسه بعد حين واستدار علي وسألته أين زوجته وابنه وكنت قد نويت تقديم مبلغ مالي له كمساعدة علما" بأن رب عمله السوري كان قد تكفل بكل شيء ولكنها عادة عند المغتربين العرب يحبون مساعدة بعضهم البعض فرد علي قائلاً :
لم أراها منذ أسبوع وأحيانا" واستطرد يقول أمها تأتي بولدي إلي لأراه أحياناً، ورددت غامزا" على علمي كنت مغرما" بها قال : يبدو أن { حساب القرايا ماطبق على السرايا ! ويا مسترخص اللحم عند المرق تندم }
قلت كيف ؟ قال : بعد أن خرجت من العملية وأكد لها الأطباء أني سأعيش مشلول من نصفي السفلي إلى الأبد! تغير حالها وعادت لطقوسها ، وجميع المساعدات التي تقدمها الجالية السورية والمغتربين العرب لي تأخذها أمها، وتتقاسمها معها وخاصة التي تدفع من دون علمي، وقال : أخي لا تعطيني شيء ووفره لفقير محتاج واصرفه عني عسى الله يغفر لي قلت : لماذا ؟ قال : كنت في حلب قبل شهر مضى فطلب والدي مني مبلغ من المال فقط 300 $ ولم أعطيه بل وبمنتهى العقوق صفعته على وجهه بعد ملاسنة بيني وبينه ! وقبل أسبوعين كنت في سيارة الشركة المرسيدس 300 cel – المصفحة والتي تعد من أأمن السيارات وكنت أنقل فيها أموال للشركة، وحصل حادث فصفعني القدر بطرفي السفلي وانشل ! وها أنا ذا ميت حي فقدت زوجتي، وفقدت ولدي، وفقدت شبابي، وكلهم بكفة وصفعتي لأبي على وجهه بكفة ! قلت : وهل صفعت أباك ! قال : نعم لقد صفعته بيدي هذه، وصفعني القدر بشلل نصفي ! الموت أفضل لي
ولكن العار الذي أعيشه بنفسي بكل لحظة وثانية عن عقوقي لوالدي وصفعه بيدي كالكابوس أطبق على أنفاسي ومشاعري، وتأوه وزفر زفرة قلت بنفسي راح فيها الرجل لكنه أطلق العنان لدموعه ثانية وتساقطت على صفحة خده قلت بنفسي عسى أن تكون دموع الغفران ! والغريب أن والده جاء إليه واحتضنه، وسافر به إلى سوريا وكانت دموع الأب أغزر من دموع الابن !
ومن يومها تلقنت درسا" جعلني أبر والدي بشكل لم أسمع عن إنسان بار بوالديه مثلي، وعلى الخصوص أمي بعد أن تخلى إخوتي وخاصة البنات عن خدمتها، وهي المسنة المشلولة بعد أن تيقنوا مالهم ورثة منها ! صدوا عنها وجافوها يمنتهى العقوق حتى أن زوجة أخي ترمي فضلات الأكل بالزبالة على أن ترسلها لنا أنا وأمي فقد عافت نفسي أكل المطاعم بكل أنواعه وأحيانا" عندي صحن مسقعة بندورة أفضل من خاروف محشي كنت أغسلها بيدي وألبسها ثيابها الجميلة التي كنت اشتريها لها من أجود أنواع الأقمشة والهباري الحريرية الممتازة !
تذكرته وهو مفعم بالصحة والشباب وكم كانت تليق عليه النظارات الشمسية على عيونه في الميناء، وكنت أتذكره وهو منحني على التلكس ويتلقى الورق ويترجمه قبل أن ينتهي الإرسال يكون أنهى الترجمة لقد كان نشيطا" بعمله ,لكنه أخطأ كخطأ الطيار المقاتل مع عدوه في كبد السماء ! صفع أباه على خده فصفعه القدر على قفاه ؟!