في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين إنهارت سيطرة الدولة العثمانية على توطيد الأمن في إمبراطوريتها المترامية الأطراف وايضاً انتشرت المجاعات والجوائح والأوبئة فكانت تحصد عشرات الآلاف فانعدم الأمن وكثر النهب والسلب وتجذرْ مفهوم البقاء للأقوى ؟
وكانت عادات وأعراف البدو في إنتقاء العروس تخضع لمعايير أهمها صفات أب العروس وإخوتها وإن ترافق ذلك مع جمال البدو المميز فهو غاية المنى ؟
ويحكى أنَ احد رجال شمَرْ المعروفين ويدعى فهيد ابن الغواري من قبيلة العامود دعا إبنه بأن يتزوج إبنة صالح إبن رغيلان من قبيلة اليحيا من شمر وهم أخوال صفوك وفارس من آل محمد، وكان فهيد يعلم أنَ صالح والد البنت يزوجها لإبنه لما كانت له شهرة ومكانة رفيعة في قبيلة شمر .
استنكر أبوه قول ابنه إن أبو البنت لم يوافق على زواج ابنته لكنَ والده قال له أنت اسكثرت مهر بنت رغيلان وعدت ؟ إعترف الولد لأبيه بصدق ظنه وتخمينه فرد الأب مؤنباً، وقال لإبنه عد إلى أبو البنت وأعطيه مايريد ؟ لكنً أبو البنت رفض تزويجه بنفس المهر السابق وقال للولد مهر بنتي عشرون ناقة من الغتر !
طلب الأب منه في هذه المرة ثلاثين ناقة من النوق الغتر { البيض }
ورزق من بنت رغيلان بولدين ومن أم شلهبة بولد وكانوا الثلاثة أعمارهم متقاربة !
{ الحذية ! } وهي مقولة متعارف عليها بين الغزاة والمنهوب حلالهم فرد الغزاة لكم ثلاثة نوق وعشرة شياه، فرد الأخ الكبير والله كل الحلال لاينقص شعرة، ولا وبرهْ ؟ انقطع قلب ابن أم شلهبة من الخوف وقال لإخوته دعونا نرجع لأهلنا ونقول لجدنا ما رأيناهم ؟ والله قتال الغزاة ليس منه فائدة سيذبحوننا إن قاتلناهم ؟ لكنَ إخوته أصروا على القتال وتخليص حلالهم من الغزاة ! لوا ابن ام شلهبة عنان فرسه ولكزها فطارت فرسه به هاربا من لقاء الغزاة وترك إخوته لمصيرهم المجهول مع الغزاة واتجه لمضارب عشيرته ووصل لعند جده وهو مصفر الوجه مرتعد الأوصال شارد الصر وقال لجده وهو يتلعثمْ ويقول : جدي راحوا إخوتي قتلوهم الغزاة ونجيت بنفسي !؟ ارتعا الجد من مقولة ابن امش لهبة لكن قلبه مطمئن لأحفاده أولاد بنت رغيلان وهو متيقن بأنَ أحفاده سيكون لهم شأن مع الغزاة !؟
عاد الأخ الصغير على ظهر فرسه يعدو مسرعاً باتجاه جده ؟ كان الجد قد أضرم نار كبيرة ويدور حولها ويترقب من جميع الجهات بأي حس أو حركة لأن الوقت من اليوم كان الليل وقطع السكون وقع حوافر فرس قادمة من بعيد يخفيها ظلام الليل وتهلل وجه فهيد وهو يعلم بأنَ حدسه يقول له أن أحفاده سيردون الحلال ! وصدقت ظنونه حينما قفز عن ظهر فرسه حفيده وهو يصيح مبشراً جده برد الحلال وبسلامته مع أخيه نزل الحفيد عن ظهر فرسه وارتمى على صدر جده يحتضنه ودماء الغزاة تجلل لباسه ويديه !؟
إنْ جدتْ أنا جاذبكْ من مجاذبكْ وإن برتْ هو أولاد الصقور تبورْ ؟!
ومن أدبيات البدو أنهم يسمون أولادهم بأسماء وضيعة مثل جربوع وجرو، وكليب ...... وعبيدهم صباحْ، وفلاحْ، ورباحْ ... الخ ويقولون أبنائنا لأعدائنا فعدونا يقتل أو ياسر جرو أو جربوع تصغيرا من نصر عدوهم، وعبيدنا لنا .
هذه القصة منقولة ببعض التصرف من كتاب قبائل العراق عباس العزاوي بتصرف