برمجة الوعي بالمعنى التقني كجزء من الحرب الناعمة " التأثير والتلاعب بالوعي بهدف السيطرة عليه والتحكم بتصرفاته وسلوكياته ومواقفه أو توجيهه نحو أفكار ونماذج وسلوكيات جديدة، وعلى أقل التقادير إحداث نوع من الاضطراب النفسي وبلبلة الأفكار المفضية إلى حالة من التقاعس والتشويش والاضطراب النفسي والسلوكي".
فإحداث وخلق بيئة
فكرية ونفسية مضطربة لدى عينة من الإفراد والجماهير هي شرط لتحضير وتهيئة الأرضية
الضرورية لتقبل النماذج، والسلوكيات
المصممة مسبقا طبقا للمدرسة السلوكية التي تشكل جوهر العقل الأميركي ..
وكي تحدث هذه البرمجة يجب تعريض الجمهور لمواد
ومعطيات ومعلومات إعلامية مركزة على منافذ التلقي الذهني والنفسي التي تعتمد حسب
الأبحاث العلمية بنسبة 80 % على المصادر الحسية البصرية والسمعية كما وتشارك هذه
المعطيات الحسية المختزنة عبر تفاعلها في الذاكرة وفي عمليات صناعة المعرفة الذاتية
عبر الوعي واللاوعي في النسبة 20% الباقية، وإذا كان الجهاز المعرفي والإدراكي
للإنسان هو جهاز حسي بنسبته الغالبة، وربطاً بذلك فإن الجهاز العصبي الذي ينفذ
أوامر الجهاز الإدراكي ينفعل ويتفاعل مع المعطيات والمواد الحسية أشد الانفعال
ويترك بصماته الفيزيولجية والبيولوجية على الدماغ....
والدماغ يركز على أخر المعلومات والمعطيات المختزنة، وهذا ما يمكن هذه الوسائل من فرض جدول أعمالها وتوجيهاتها على الجمهور..ولنا أن نتخيل كم يتم برمجة رأينا العام وجمهورنا وتغذيته بأفكار وسلوكيات وميول لا علاقة لها لا بالمعقول ولا بالمنقول، وليس من الصدفة أن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.
العقل والدماغ البشري يستقبل المعطيات الحسية
والمواد والرسائل الإعلامية عن طريق وسائل الاتصال والإعلام المختلفة ... تلفزيون
... إذاعة ... فضائيات .... صحف ومطبوعات ومجلات ... مواقع انترنت وأقنية التواصل
الاجتماعي ... فيس بوك ... تويتر ... إعلانات ... أجهزة
الاتصال الفردية الخلوي .... بمعدل يصل إلى مليوني معلومة وجزئية في الجرعة الواحدة)
مليوني Beta
باللغة العلمية) يدخل منها إلى الوعي نسبة قليلة
جدا تقل عن 10% ويذهب القسم الباقي أي 90%
إلى اللاوعي محدثا أثاره البطيئة عبر عمليات التأثير وعبر فتح قنوات وآليات الاتصال
والتفاعل بين اللاوعي والوعي في أروقة وعوالم العقل الباطن..
بمعنى آخر فأن المنظومة الدماغية والعصبية تسيطر
ليس فقط على حركة الجسم وإنما أيضا على إفرازات الهرمون والمعايشة والتفكير والوعي
والسلوك وفهم العالم والذات... في نفس الوقت ليس كل ما يتحكم فيه الدماغ يخضع
لرغبتنا الواعية، بل أن بعض الوظائف يقوم الدماغ بإدارتها بدون الحاجة إلى قرارات
واعية.
وبناء على ما سبق، فأن
الإنسان في تواصله وتلقيه المعرفي والثقافي والترفيهي وحتى الاجتماعي أصبح مدين
وتحت تأثير هذه الوسائل وخاصة التلفزيون والانترنت وأقنية التواصل الإجتماعي، ولا
يحتاج هذا الأمر إلى كثرة استدلال، يكفي أن نشير إلى إحصائية علمية تكشف إن الجمهور
يتعرض لوسائل الإعلام بمعدل 3... 4 ساعات يوميا، أي ما يوازي 1000 ساعة سنوياً،
مقابل 800 ساعة يقضيها التلاميذ والطلاب في المدارس أو الجامعات، وهناك إحصائيات
تقول أن المتلقي العربي يتعرض ل ـ 6 ساعات يومياً و1500 ساعة سنوياً من مختلف أنواع
الوسائل الإعلامية، وهذا التعرض { المشاهدة التلفزيونية أو الاستماع والسماع
الإذاعي أو التصفح الالكتروني الانترنيت } سيؤدي إلى حدوث أثار ومضاعفات هائلة في
صوغ وتشكيل وتشويش أذهان الناس وتوجيه ميولها النفسية والجمالية والاستهلاكية
والأخطر، من كل هذا برمجة وعيها الثقافي
والديني والسياسي وخاصة الشرائح الرخوة الأكثر عرضة للتأثير الأطفال، والمراهقين،
والشباب...
وكما هو معروف فأن
اللاوعي نظام تخزيني وترميزي هائل في الذاكرة، ومن الناحية التقنية تحصل عمليات
التفريغ والاستبدال لمعطيات ومكونات الوعي بما يشبه تقنية الأثقال البصري المعروفة
والتي تقوم على تحميل الوعي كمية معطيات ومواد بصرية وسمعية أكثر من قدرته على
الاحتمال لدرجة الإفاضة فيقوم بتصديرها بالضرورة إلى اللاوعي مضخما إياه بأجزاء
ونتف من المعلومات والصور والأفكار والآراء التي لم يجري معالجتها وتصنيفها
وتصريفها بحكمة ورشد ووعي، وكلما امتلئ العقل الباطن بها زادت نسبة تشوش الجهاز
الفكري والنفسي للفرد
فالعقل الباطن والعقل الظاهر يتعاكسان في الطبيعة وكلما اشتدت فعالية احدهما ضعفت فعالية الأخر، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى عدم الانسجام والتوازن بل والصراع بين العقل الباطن والعقل الظاهر، فينتج عنه سلوكيات مزدوجة كالنفاق والرياء والتناقض بين الأقوال والأفعال ، الأمر الذي يشاهده بالعيان في سلوك أغلبية الناس هذه الأيام، حيث اللايقين واللامبالاة إزاء قضايا مقدسة وكبرى وأمواج من الضياع والتيه والتشتت الفكري والروحي والنفسي والتفسخ القيمي والاجتماعي وتبرير وتقبل للباطل بسهولة منقطعة النظير واقتحام للمعاصي والجريمة بألفة واستئناس ..!! . ومن أتيت نظرية غسيل الدماغ الجمعي للشعوب { نظرية التنافر الإدراكي } لواضعها .. ليون فستنجر ... ويقول: غوستاف غوبلز ... وزير إعلام هتلر .... أعطني إعلام بلا ضمير .... أعطيك شعب بلا وعي ... !؟ا