باعتقادي أنه لم يبق ولا كائن كان على وجه البسيطة لم يتفركش حتى الآن بشيء ما عما يجري في الفضاء السوري، كيف لا وقد أنطق الشأن السوري الحجر والمذر، حتى بات الشغل الشاغل لكل من لا شغل له ( مالئ الدنيا وشاغل الناس ... ولا فخر ).
في خضم هذا الوضع الفريد من نوعه على مر العصور والأيام، أجدني مضطراً كواحد من مجموع السوريين إلى الانصات وبشكل يوميً إلى ما تتحفنا به وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات العربية، عن كل لمزة و غمزة أو حتى نفس يتطرق للحالة السورية من قريب أو بعيد فنجد بأن الكل يستنكر إراقة ولو قطرة من دم الشعب السوري، والكل يتألم لمشاعر الأطفال المرعوبة في أحضان ذويها أوتذرف الدموع وهي تودع واحد من أقربائها أو تقبع على سرير مضرج بدمائها، والكل ممتعظ من أعداد النازحين والمهجرين عن تراب الوطن من شيب وشبان ويدعو لإحتوائهم ومد يد المعونة والإشفاق لهم، والكل يشجب حالات إغتصاب حرائر السوريات والتنكيل بهم، ذلك غيض من فيض من مجمل ما يتداوله العالم عما يجري وعلى مدار الساعة بل يمكن القول على مدار الدقيقة في الداخل السوري وحتى في المحيط منه.
كل ما ذكر أنفاً - على افتراض أن فبركاتهم صحيحة - رائع وبديع ويمكن توظيفه في خانة عودة شعوب العالم - بل أنظمتها - إلى جادة الصواب في التعامل مع شؤون وأحوال الدول والشعوب التي تعيش تحت مظلة ذاك النظام العالمي الجديد ... وبقراءة متأنية لمجمل التقارير والقرارات التي تحوم حول ما يدور في سوريا نجد الآتي:
· إجماع دولي على أن ما يحدث على الساحة السورية إرادة شعبية محضة لا يشوبها أو يعتريها أي تأثير خارجي إلا بالدرجة التي يريدها هذا الشعب، وكأنه يوجد من قام باستفتاء نزيه للشعب السوري عرف من خلاله ما يريده هذا الشعب .. وهو حريص كل الحرص على تحقيق رغباته.
· المحاولات المستميتة لكافة وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات العربية، للتأكيد على أن كافة أشكال العنف والتدمير والتقتيل، لا تمارس إلا من قبل الأمن والشبيحة والجيش العربي السوري حصرياً، ولا يوجد أي عنصر مسلح على الأرض السورية خارج تلك الفئات الثلاثة التي ذكرنا، على الرغم من إطلاق دعوات متتالية لحث المتمردين على عدم تسليم أسلحتهم منذ الأيام الأولى للتمرد المسلح، وإفتضاح دعوات تسليح ما يسمونه بالجيش الحر .. وعند عدم وجود جدوى من ذلك ظهرت الحملة المستعرة لتسليح كل الشعب ( تمهيداً لحرب أهلية ).
· لفت نظر جميع المنظمات والهيئات الدولية على أن جميع القتلى الذين سقطوا على التراب السوري ( ولا ضرورة لذكر العدد )، هم حتماً من المدنيين السلميين الذين قضوا نتيجة مطالبهم المحقة بالتغيير.
· غض نظر المجتع الدولي - بكافة أشكاله وأطيافه - عن مجمل الإصلاحات والتطورات التي أحدثها النظام في سورية في الآونة الأخيرة، وتصويرها كنوع من ذر الرماد في العيون عن حقيقة ما يجري في الداخل السوري.
· عدم الإكتراث بالتقاريرالأممية، والتي توكد بأن مجمل المنتمين للدولة السورية هم من المتمسكين بالنهج القويم الذي تنتهجه القيادة السورية، لهدف النهوض والرقي بالحالة السورية لأعلى المراتب والدرجات.
· الإصرار على تحييد ما يحصل عما تم التخطيط له بغية توطيد الهيمنة والسيطرة الغربية على مقدرات بلدان المنطقة، وتطويع شعوبها واستعبادها.
إذن وبالمجمل .. أستطيع أن أقول بأننا وباستعراض مستفيض ودراسة متأنية للحالة السورية من حيث المراوحة بين الأخذ والرد نكون قد وصلنا لما نقرأه في بيت الشعر الذي يقول:
كأننا والماء من حولنا *** قوم جلوس من حولهم ماء ورب مستفهم يقول: وآخرتا؟؟؟
أجيب: ليست هذه المرة الأولى التي تستهدف بها سوريا - وإن كان استهداف اليوم غريب من نوعه - ولكن في نهاية المطاف لا يحق غير الحق، هكذا علمنا التاريخ .. فلقد قرأنا في سيرة رسولنا الأعظم بأنه وبعد الحظرالذي مورس بحقه عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، وبعد حصارهم في شعب عمه أبي طالب ثلاثة من السنين .. وبصبرهم على البلوى فتح الله عليهم الفتح العظيم ليتسيدوا العالم ولو بعد حين ... ومن التاريخ تستقى العبر.