في قديم الزمان كان البشر يعتقدون بالحقائق الثابتة التالية:
· كانوا يصدقون أن الأرض ثابته وأنها مركز الكون.
· كانوا يعتقدون أن الكون بأسره بما فيها الشمس والكواكب تدور حول الأرض.
· كانوا يؤمنون أن القمر مسطح كالورقة البيضاء.
· كانوا مقتنعين أن مجرة درب التبانة هي سحابة من الضوء تعبر السماء.
أثبت غاليليو خطأ ذلك كله، وأعلن أن الأرض ليست هي مركز الكون. إنما هي كوكب كسائر الكواكب في المجموعة الشمسية وأنها تدور حول الشمس. كما بين أن القمر به مرتفعات وجبال وليس مسطح كما تخيل الناس. ودلل كذلك أن الضوء الأبيض في السماء والذي يراه الناس في الليالي المظلمة الصافية ما هو إلا تجمع لألوف الملايين من النجوم والسدم والتي تكون مجرة درب التبانة.
ثارت ثائرة الدنيا على غاليليو وقتها. وأعلنت الكنيسة أن ما قاله غاليليو يعتبر خروجاً على تعاليم الكتاب المقدس ويجب محاكمته، و في بعض الروايات نقرأ بأن غاليليو قد خير بين الرجوع عن نظرياته أو الموت حرقاً ... فاختار الثانية حتى لا يوصم بأنه استخف بعقول البشر!
أما ما نراه اليوم من إصرار الواحد منا مجافاة الصدق ونكران ذلك - رغم مواجهته بالأدلة والبراهين الدامغة - ضرب من ضروب الجنون، واستخفاف واضح وصريح بعقول من يصغي إليه أو يصدقه.
ونقرؤ في تعريف العلوم السياسية بأنها: دراسة السلوك القيادي ومجالات استخدام النفوذ، أي القدرة على فرض رغبات شخص ما على الآخرين.
إذن فالسياسي المحنك هو ذاك الشخص الذي لا يدخر جهداً من أجل فرض ما يرغب على الآخرين .. ولو سلك من أجل ذلك كل السبل المشروعة، وحتى غير المشروعة والمتمثلة بشتى أنواع الكذب والخداع للوصول إلى غاياته المنشودة.
والإعلامي أو المحلل السياسي، هو من يتعايش بشكل مستمر مع السياسي لسبر خباياه، وكشف ما يدور في خلده. وعليه يجب أن يصطبغ بصبغته ( من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم ). و يصير جل مبتغاه تجيير كل أنواع الكذب والخداع في سبيل إرضاء ألي الأمر في المؤسسة الإعلامية التي يعمل لحسابها، ليضمن من خلاله استمرار العمل في ذلك الحيز.
وعندما تجند مؤسسة إعلامية ذلك الكم الهائل من الإعلاميين، فتخوض من خلالهم حرباً إفتراضية، يكون لزاماً عليهم تقديم أشنع ما عندهم وأشده دهاء لتحقيق فوزهم الكاسح في مثل هكذا حرب.
نسكن الأرض السورية، ولنا على كل بقعة منها صاحب أو خليل، وفور سماعنا لخبر أو حدث يجري في منطقة ما، نهرع غير متوانين للتواصل مع من نعرفه في تلك البقعة بغية الإطمئنان عليه ... فنتفاجئ وفي كل مرة بأن لا شيء قد حصل مما قد ذكر، ولترتسم علامات الإستغراب والإستهجان بشكل مضاعف على محيا من نتواصل معهم، لأنهم ومن المفترض أن يكونوا أول من عايش حيثيات ما قد بث، وتتوالى الوقائع والأحداث الخلبية مراراً وتكراراً من دون أدنى استحياء أو خجل، لدرجة أن نفس الخبر ينتقل من شاشة لأخرى وبنفس الزخم، ولا حياء يرجى ولا حفظ لماء وجه، وحين تنكشف الحقيقة بالدلائل والبراهين الدامغة .. لا يأمل المتلقي إعتذاراً ولا تصويب خطأ وكأنهم يطبقون القول المعروف " إكذب ثم إكذب حتى تصدق نفسك ".
وفي هذه العجالة أسرد قصة الراعي، الذي استأمنه القوم على شياتهم ليرعاها لهم على تلة مجاورة، وحين أعياه الملل استنجد بالقوم مدعياً بأن ذئباً ينهش غنمهم، فهرع كل من يمتلك شاة عنده، وتسلح بما لديه من وسيلة قتال، ومضى نحوه ... وحين الوصول إدعى الراعي بأنه يسلي نفسه وذلك مشروع له. وفي اليوم التالي كان نفس ما كان فيما سبقه ولكن هذه المرة هرع عدد أقل مما كان بالأمس ليرجعوا خائبين. وبعد يوم كانت الطامة، وهجم قطيع من الذئاب !.
كثر استنجاد الراعي، وعلت أصوات الاستغاثة وطلب العون من دون جدوى. ليخسر الراعي حياته من شدة كذبه، وهول خداعه، واستخفافه بعقول الآخرين من حوله ... ودمتم للوطن سالمين!