news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
قراءة في مسرح سعد الله ونوس...بقلم: عدنان شيخو

من الظلام جئت والى الظلام اعود...

يستعمل البدو لفظ الغياب  ليس ضمن مفهوم الانطفاء والتلاشي ثم الغياب الكامل...وانما كتوقيت زمني للدلالة على غروب الشمس..وأن دائما بعد كل غروب وليل شمساً ستشرق من جديد ...وسوف يمتلئ الكون بالضياء مرة أخرى.


من الصعب جدا ان نقدم لمسرح  سعد الله ونوس او نلخصه ببعض المقدمات أو الموضوعات فمسرح ونوس من الغنى والتعدد الى درجة يمكن اعتبار  هذا المسرح من الانجازات الهامة في الأدب العربي المعاصر.

اعتاد النص المسرحي منذ أيام الإغريق وحتى الآن ان يحمل قراءات متعددة,وبالتالي أساليب اخراجية متعددة...وقد امتازت نصوص سعد الله ونوس انها كسرت الحدود بين الخشبة والجمهور,بغرض اقامة صلة بين العرض والمتلقي وبهدف اشراك الجمهور في اللعبة المسرحية...

لقد حرص هذا الكاتب ومنذ البداية على كتابة النصوص التي تحمل مقادير كبيرة من العفوية والمرونة بمعنى ان النص يمكن ان يتغير ويتبدل ويتطور تبعا للعلاقة المتبادلة بين الصالة والخشبة وتبعا ايضا لرؤية المخرج الذي يتعامل مع هذا النص فالمسرح كما يراه سعد الله ونوس هو العرض بالدرجة الاولى.

ولذلك فلا بد ان يتأثر بالزمان والمكان  من اجل الوصول الى الحوار المطلوب  وهذا الحوار الذي إذا بدأ لابد ان يخلق التفاعل والذي يؤدي بدوره الى زعزعة القناعات السائدة وطرح أسئلة جديدة و ان الكثير من مسرحياته الهامة رغم معرفتنا وقراءتنا لنصوصها الا اننا في كل مرة نكتشف شيئا جديدا  في هذه المسرحيات...

وقد اعتمد ونوس  في بعض مسرحياته على التاريخ أو حكايات لها علاقة بالتراث المحلي أو العالمي لكنه أعاد صياغتها في نسق جديد بهدف استخراج معان ومفاهيم جديدة تتناسب مع الزمان والمكان .

كان أهل أثينا القديمة يذهبون للمسرح بحماسة كبيرة وبطقوس أحتفالية  من أجل رؤية مسرحية يعرفون احداثها وشخوصها لقد كان دافعهم رؤية خاصة وجديدة للعرض الذي يشهدونه وايضا لتكون المسرحية مناسبة لمناقشة المغزى المتعدد الذي تقدمه وهذا ما هدف اليه سعد الله ونوس في عدد من مسرحياته مثل..الفيل يا ملك الزمان..رأس المملوك جابر...الملك هو الملك.

لقد اعتبر ونوس العرض المسرحي حالة احتفالية يجب ان ترتبط بالناس وبالمكان وهذا ما دفعه لاستخدام الحكواتي الذي يروي الأحداث بطريقة تمثيلية ويرافق ذلك عزف منفرد على الة محلية...وحتى حين لجأ الى الاقتباس من المسرح العالمي  فقد حاول ان يصبغها بلون محلي,  فهو يرى ان العرض  عليه ان يخلق الحوار  ليس في اطار المسرح وحده وانما الانطلاق منه لقضايا الفكر والهموم التي تعيشها الناس              (هذا ما  جعله يهتم بشكل كبير بمسرح بريخت).

ان مسرح سعد الله ونوس ليس مسرحا سياسيا بالمعنى الضيق..بمعنى انه لاي هدف للايدولوجيا أو التحريض المباشر..لكنه يسعى الى خلق وعي جديد..ورؤية الحقائق عارية..وأن نعرف الاسباب الحقيقية والعميقة والتي تجعل الانسان مقهورا تعيسا مستغلا...لقد كانت لغته في النصوص حارة ومستقرة وبعض الأحيان محرضة بهدف زيادة الوعي وطرح الأسئلة.

في فترة متأخرة  ومع بداية التسعينات تطور مسرح ونوس اكثر من قبل وأبتعد عن الأحداث التي تحمل طابعا سياسيا وصار يتناول موضوعات تطرح الأسئلة عن معنى الوجود والموت والحب وقد تلونت هذه وحملت حس الفجيعة والشك والقلق والحيرة أمام رحلة الإنسان في هذه الحياة...

وليس من شك ان المرض الصعب(السرطان) الذي الم به في السنوات الاخيرة والمعاناة القاسية التي واجهها  وربما الغرق في الموت لبعض الوقت ثم العودة منه جعله يكتب واحدا من النصوص المهمة (رحلة في مجاهل موت عابر).

هذا النص يتناول بشفافية اخاذة لحظات الانتقال من ضفة الى ضفة اخرى...من الحياة الى ملامسة الموت..بل الدخول في ملكوته لبعض الوقت...ثم العودة المجهدة والشديدة الخصوصية ليكتب عن الغياب والانزلاق الى عالم اخر لا نعرفه...

ان هذا العمل من الأهمية والجدة بحيث يندر ان نجد ما يشبهه..فالموت حالة لا تتكرر ومن الصعب ان تستعاد الا في ظروف استثنائية ...لقد مر ونوس بذلك وعاش ذلك..وقدم نصاً محموما  يقع بين تخوم الحياة والموت  وبلغة تراجيدية ساخنة وايضا ببعض التهكم والسخرية.

ان نص رحلة في مجاهل موت عابر يفتح اعيننا على عالم رغم قربه الا اننا نحاول نسيانه..ربما لخوفنا منه..او رعبنا في مواجهته...يقول ونوس في احد المقاطع الأخيرة من هذا النص:(تمددت في قبري وحاولت أن أنام  ولكني كنت اسمع غناءً شجيا وغريبا)ويضيف:(وكان منظر الماء وهو ينسكب على خضرة العشب يوقظ في النفس رغبات لم تعد ممكنة)....أما الكلمة الأخيرة التي تطفئ الأضواء  ايذانا بنهاية العرض فيقولها في ختام هذا العمل:(من الظلام جئت والى الظلام اعود..تلك هي الحكاية).

جاء الموت وخطف هذا المسرحي الصادق والحزين ولم يكن قد بلغ السادسة والخمسين ..هذا الرجل الذي أكد لنا ان المسرح الذي بدأ منذ أيام أثينا القديمة لا يزال قادرا على تقديم المتعة ولا يزال قادرا على فتح ابواب الحوار بين الثقافات والشعوب.

كان سعد الله شعلة من الضياء وسط الدار والخراب اللذين يعمان المنطقة العربية وكان دوماً عبر كتاباته يقول شيئا مختلفا ويحاول بكل الوسائل التأكيد أن في نهاية النفق ضوءا..أملا...رجاء.

ملاحظة لابد منها:

اعتمد في كتابة هذه المساهمة على:

شهادات مختلفة عن مسرح سعد الله ونوس

لوعة الغياب لعبد الرحمن منيف

بعض مسرحيات سعد الله ونوس

2010-11-23
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد